لا تعويل كبيراً على زيارة لودريان... وغزة أحرجت ماكرون | أخبار اليوم

لا تعويل كبيراً على زيارة لودريان... وغزة أحرجت ماكرون

| الثلاثاء 28 نوفمبر 2023

لا تعويل كبيراً على زيارة لودريان... وغزة أحرجت ماكرون
تحذير لبنان من مغبة اخطار دخول "حزب الله" في اي مواجهة كبرى مع اسرائيل

 "النهار"- رضوان عقيل

لم تتفاعل اكثرية الكتل النيابية عندما تبلغت نبأ الزيارة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان - ايف لودريان الى بيروت الى درجة ان مرجعية تساءلت في حلقة الضيقة: "لماذا يأتي الآن ويتعب نفسه، وماذا عساه يفعل؟". وقد أعدّت له سفارة بلاده جدول لقاءات مع الكتل النيابية التي سيلتقيها بدءا من غد. وما لم يحققه الاليزيه قبل اكثر من سنة في الملف الرئاسي الشائك والمعقّد لا يبدو ان لودريان سيسجل خرقاً فيه سوى استماعه الى تكرار المواقف نفسها التي لم تستطع ان تفتح كوة في جدار ازمة استحقاق رئاسة الجمهورية. وسيلمس ان ما قبل حرب غزة شيء وما بعدها شيء آخر في ضوء وقوف الدول الغربية الى جانب اسرائيل وتبنّيها وجهة نظر حكومة بنيامين نتنياهو الذي لم يوفر الرئيس ايمانويل ماكرون من انتقاداته رغم تسليم الاخير بكل ما تعلنه تل ابيب في حربها على حركة "حماس"، ولذلك لم تكن مواقف باريس محل قبول لدى الكثير من اللبنانيين.

ويقول رئيس كتلة نيابية: "لم تقصّر فرنسا حيالنا في مساعدتنا في الملف الرئاسي مع انه استحقاقنا في الدرجة الاولى كلبنانيين، لكنها ليست الدولة التي نعرفها ونعهدها. وليس من الضرورة ان تقول انها مع الفلسطينيين لكنها تسكت عن سفك دماء اكثر من 15 الف شخص في غزة وتدمير بيوتهم".

وثمة من ينبه لودريان هذه المرة كي لا يتحدث بلغتين مع الكتل وان لا يقع في الالتباس الذي احدثه ووقع فيه ابان زيارته السابقة عندما التزم بشيء عند الرئيس نبيه بري ووعده بالعمل على تسويقه ثم اظهر عكس ما تعهد به في اجتماعه مع النواب السنّة في دارة السفير السعودي وليد بخاري ولقاءاته مع نواب آخرين في سفارة بلاده. ولا ينسى هؤلاء ما قاله من ان المطلوب التفتيش عن خيار ثالث، في اشارة الى استبعاده المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، الامر الذي لم يكن محل ترحيب عند المؤيدين لخيار ترشيح رئيس "تيار المردة". وسيسمع من "القوات اللبنانية"، بحسب النائب فادي كرم، موقفها المعهود من انتخابات الرئاسة الثابت على مسلّمة الدعوة الى عقد جلسة مفتوحة وفق دورات متعددة وصولا الى انتخاب رئيس، وان هذا المخرج يكون حجر الاساس في تسيير شؤون مؤسسات الدولة وانتظامها. ويتوقع كرم ان يكون تركيز لودريان على تجنيب لبنان اي حرب مع اسرائيل نتيجة الاوضاع الخطيرة في المنطقة، وان "العنوان الاول لمحطته في بيروت سيأتي على شكل تحذيرات، مع تشديده على ضرورة انجاز الاستحقاق الرئاسي وعدم الاستمرار اكثر في الشغور".

وفي مقارنة مع العاصمة القطرية الدوحة تظهر الاخيرة انها اكثر دينامية في التعاطي مع ملفات المنطقة في لبنان والاراضي الفلسطينية بعدما نجحت في تحقيق هدنة في غزة بتعاونها مع واشنطن والقاهرة. وحضر الموفد القطري الى بيروت في الايام الاخيرة وتابع جولاته بالهدوء المعتاد الذي يتبعه والتقى ممثلين عن اكثر من كتلة نيابية في مواكبة لمهمته السابقة. ولا يظهر ان تنسيقا يحصل بين القطريين والفرنسيين في موضوع الرئاسة، في اشارة الى "تجميد" المجموعة الخماسية التي تضمهم الى واشنطن والرياض والقاهرة المشغولة كلها اليوم بحرب غزة واردتداداتها على المنطقة.

ومن هنا لن يستطيع لودريان اليوم التحدث مع كل الافرقاء بالروحية نفسها التي كان يتبعها قبل عملية "طوفان الاقصى". وسيلتقي بالطبع كل الكتل لكنه سيكون "مقيدا" قليلا امام الجهات المؤيدة لخيار "المقاومة" من ثنائي "حزب الله" وحركة "أمل"، الى غيرهما من الكتل النيابية حيث لم تعد باريس تملك العنصر الذي كان يمكّنها من التحاور بسهولة مع الجميع في الداخل، فضلا عن عدم ترميم علاقاتها مع ايران التي تبقى في مقدم اللاعبين في المنطقة وهذا ما اثبتته وقائع حرب غزة المفتوحة.

وسيعرّج لودريان بالطبع على الملف الرئاسي واعادة بث روح الاتصالات في هذا المأزق الذي لا يبدو ان اللبنانيين سيخرجون منه وينجزونه في القريب العاجل نتيجة تراكم هذا الكمّ من الخلافات بين الكتل النيابية. وستكون الحرب الدائرة في غزة وعلى الحدود في جنوب لبنان موضوعا رئيسيا على بساط البحث مع المسؤولين، وخصوصا مع الرئيس بري الذي سيبلغ لودريان كلاما صريحا حيال رفضه موقف باريس والعواصم الغربية بوقوفها على هذا النحو مع اسرائيل، مع تمييزه هنا الحركات الشعبية التي تظاهرت في اكثر من مدينة اوروبية تضامناً مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وسيتلقى لودريان الموقف نفسه من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان سبّاقا في انتقاده رأس السياسة الفرنسية في عدم اكتراثها للمجزرة التي تُرتكب ضد ابناء غزة.

وسيقول هؤلاء الى جانب "حزب الله" ان فرنسا هذه ليست التي يعرفها اللبنانيون والعالم من ايام الرؤساء شارل ديغول الى فرنسوا ميتران وجاك شيراك.

الى ذلك، لن يتأخر لودريان في تحذير لبنان من مغبة اخطار دخول "حزب الله" في اي مواجهة كبرى مع اسرائيل، وسيكرر الكلام نفسه الذي رددته وزيرة خارجية بلاده كاترين كولونا على مسمع الرئيسين بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب. وسيحضر بالطبع القرار 1701 لان باريس تعرف سلفا ان القفز فوق مندرجاته يهدد لبنان وسيدفع اسرائيل الى افتعال حرب حقيقية ضده على غرار عدوان تموز 2006، وان اسرائيل لن تسكت عن وجود ترسانات "حزب الله" وصواريخه على مقربة من مستوطناتها في الجليل والشمال. وثمة من بدأ يتحدث من اليوم عن 1701 بطبعة جديدة عند وقف اطلاق النار في غزة.

واذا كانت هناك من ملاحظات لبنانية على اداء الاليزيه، فان كثيرين يشيدون بالسياسة التي يتبعها السفير إيرفيه غارو في تعاطيه مع كل الافرقاء اللبنانيين وانه يتمتع بسلاسة كبيرة، لكنه في النهاية يتبع التعليمات التي يتلقاه من خارجية بلاده. ولا يمكن هنا فصل شخصية لودريان عن مشواره في وزارتي الدفاع والخارجية، اي بمعنى ان دوره اكبر من مهمة موفد رئاسي، وان المطلوب من المسؤولين والديبلوماسيين الفرنسيين في النهاية حماية دور دولتهم في لبنان والمنطقة بغضّ النظر عن الاسماء التي تحل في سدة الرئاسة الفرنسية وحكوماتها ووزارة الخارجية. ولا يخفي سفراء فرنسيون سابقون عملوا في دول عربية واسلامية نقلاً عن وزير لبناني سابق اعتراضاتهم على سياسات ماكرون ورضوخه لأصوات اليمين ومساندته لاسرائيل وتنفيذه كل ما يتبلغه من اميركا بهذه الطريقة التي لا تصب في رأيهم في مصلحة باريس، فضلا عن عدم تعاطي ماكرون مع ملفات المنطقة بمقاربة مدروسة اكثر، وان امتحان غزة سجَّل نقطة سوداء في تاريخ الاليزيه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار