هل ما زال "حزب الله" عند رؤيته الأولى بعد التصعيد الإسرائيلي الناري الأخير؟ | أخبار اليوم

هل ما زال "حزب الله" عند رؤيته الأولى بعد التصعيد الإسرائيلي الناري الأخير؟

| الجمعة 22 ديسمبر 2023

هل ما زال "حزب الله" عند رؤيته الأولى بعد التصعيد الإسرائيلي الناري الأخير؟

"حماس" وإن لم ترفع الراية البيضاء فإنها نزفت الكثير من عناصر


 "النهار"- ابراهيم بيرم

خلال الساعات الـ36 الماضية سجل الراصدون لمسار الأوضاع على طول الحدود الجنوبية تصعيداً غير مسبوق لوتيرة العنف من الجانب الإسرائيلي، ما عزّز استنتاجاً تبنّاه البعض أخيراً وفحواه أن تل أبيب قد شرعت لتوّها في إنفاذ أمر عمليات ميداني جديد في كل تلك البقعة الجغرافية الجنوبية الملتهبة منذ أكثر من شهرين، ركيزته تجاوز جليّ لقواعد الاشتباك التي طبعت المرحلة الممتدّة من السابع من تشرين الأول الماضي الى الأمس القريب، ويعتمد أمر العمليات قواعد جديدة أكثر خشونة وضراوة وأبعد مدى على نحو يوصل الى المعنيّين بالميدان مباشرة رسالة فحواها أن إسرائيل تقترب يوماً بعد يوم بل ساعة بعد أخرى من حافة إعلان الحرب الواسعة والمتفلتة من أي قواعد وقيود وحدود على "حزب الله" ولبنان عموماً.

وبمعنى آخر، يسعى العقل الأمني الإسرائيلي الى إقناع من يعنيهم الأمر بأنه لم يعد يقبل بالوضع الذي ارتضاه قسراً وقبل به على مضض خلال الأسابيع التي أعقبت محطة السابع من تشرين الأول المنصرم. ومن الشواهد والقرائن الميدانية اللافتة على هذا الأداء التصعيدي الجديد الآتي:

- أن الآلة الحربية الإسرائيلية (الطيران والمدفعية) تعمّدت أخيراً أن تكون البادئة والسبّاقة بالقصف وإطلاق الهجمات والإغارات خلافاً لما سبق حيث تمرّس الحزب بهذا الدور والتزم الإسرائيلي بدور ردّ الفعل. وفي هذا السياق أوردت المعلومات المتوافرة أن إسرائيل بدأت قرابة السادسة صبيحة الأربعاء الماضي قصفها لدواخل القرى الجنوبية ولخراجاتها الخالية.

- توسيع المدى الجغرافي للأعمال والأنشطة الحربية الإسرائيلية بحيث استهدف القصف بلدات تبعد عن المدى المألوف وخصوصاً في عمق جزين والريحان، وتشير تلك المعلومات الى أنه سقط في اليومين الماضين من الضحايا (قتلى وجرحى) ما يكاد يعادل ما سقط خلال الأيام الـ74 الماضية، أما عديد المنازل المدمرة كلياً أو المتضرّرة جزئياً فيوشك أن يوازي عديدها في تلك الفترة الزمنية السالفة.

- أن المعلومات الأولية عينها تتحدث عن أن أعداد النازحين من القرى الأمامية المستهدفة زادت في الأيام الثلاثة الماضية عن عدد أولئك الذين قرروا المغادرة والنزوح في الأيام الأولى طلباً للسلامة والأمان.

وبناءً على ذلك أوردت تلك المعلومات ما مفاده أن عدد البلدات التي استهدفتها القذائف الإسرائيلية بعد هجمة الأيام الماضية بلغ نحو 19 بلدة وقرية تتوزع على طول الشريط الأمامي من الناقورة حتى أعالي مرتفعات العرقوب. ووفق تقديرات الخبراء الاستراتيجيين فإن ما تعمد إليه إسرائيل من تصعيد أخيراً هو لا ريب أعلى بدرجات من الفترة السابقة لكنه أقل بدرجة واحدة من ولوج عتبة الحرب المفتوحة.

ومما لا شك فيه أن لجوء القيادة الإسرائيلية الى اتباع هذه المعادلة الميدانية كان في تقدير المعنيين في "محور المقاومة" أمراً مرتقباً أو بمعنى أوضح كان تتويجاً متوقعاً لمسار الوضع الميداني الذي فرض نفسه على المنطقة الحدودية بعد أول قذيفة أطلقتها عناصر الحزب على المواقع الإسرائيلية الحصينة في مزارع شبعا في الثامن من تشرين الأول الماضي إيذاناً بولوجه المعركة، بناءً على اعتبارات ومعطيات عدة يأتي في مقدّمها:

- أن هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق أتى بعد بروز مؤشرين اثنين الأول الدعوات الإسرائيلية – الغربية المكثفة لـ"حزب الله" ليوقف جبهة مساندته المعلنة لغزة ومقاومتها، والثاني التلويح باحتمال شن هجوم واسع النطاق على لبنان خصوصاً أن هذا الاحتمال قد وضع على طاولة البحث التفصيلي للقيادة الإسرائيلية.

- بناءً على ذلك كانت حركة الموفدين الأميركيين والفرنسيين وغيرهم تصل تباعاً الى بيروت خلال الأيام العشرة الماضية حاملة معها الى الحزب والحكومة اللبنانية رسالة ذات مضمون واحد هو: إياكم والخطأ فمرجل الغضب عند الإسرائيلي يغلي وستكون ردة فعلها مؤلمة ومدمرة ونموذجها الأقرب ما تتعرّض له غزة ببشرها وحجرها.
ولما لم تعط كل هذه الرسائل وهذه الضغوط ثمارها، وضرب الحزب بها عرض الحائط ومضى قدماً في ما شرع به في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" جاء دور "الخطة ب" التي تقوم وفق المصادر عينها على الأسس الآتية:

- التصعيد الموجع والمتخطي لكل المألوف الذي كان سائداً من جهة والإيحاء بأن ثمة توجهاً إسرائيلياً – أميركياً آخر يقوم على العمل الجاد لإقرار وقف للنار في غزة يلبّي الى أبعد ما يكون شروط حركة "حماس" مقروناً بوعود سخيّة بإعادة إعمار المدينة فضلاً عن السماح بدخول قوافل إغاثة إليها، في مقابل إطلاق الأسرى والرهائن الإسرائيليين أولاً، وثانياً تتعهد الحركة بالكفّ عن أي فعل تضامني – إسنادي لـ"حزب الله" على غرار ما فعله هو نفسه عندما بدأت الهجمة الإسرائيلية على غزة.

في طيّات هذا العرض ثمة اعتماد لسيناريو مبنيّ على نظرية "تفكيك الساحات الموحّدة وتجزئتها" رداً بمفعول رجعي على نظرية "تماسك الساحات" وهي النظرية التي طرحها أصلاً الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قبل ما يقرب من أربعة أعوام ووجدت تجسّداً عملانياً لها في الفترة الأخيرة من خلال الحزب في لبنان وتحديداً في الجنوب ومن خلال حركة "أنصار الله" في اليمن وتحديداً في باب المندب والبحر الأحمر.

وصار معلوماً أن الحزب تلقى أخيراً رسالة مفادها التلويح بأنه وإن توقفت عجلة الحرب في غزة وقطاعها، وإن أوقف الحزب أيضاً نشاطه وهجماته على الحدود الجنوبية بشكل متزامن على غرار ما فعل في الهدنة الإنسانية الأولى، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً أنه صار بمنأى من أي رد فعل. ويبدو أن تل أبيب ومن معها اقتنعوا بأن حركة "حماس" وإن لم ترفع الراية البيضاء فإنها نزفت الكثير من عناصر قوتها وباتت في حالة تقبل معها بالاستكانة، وبالتالي صار لزاماً الالتفات الى "حزب الله" وردعه.

فهل تعززت لدى الحزب المخاوف من أن تقدم إسرائيل في الأيام المقبلة على ما هدّدت به لكنها أحجمت عن تنفيذه في الأسابيع الماضية بفعل ضغوط وحسابات ونصائح حذرت تل أبيب من مغبّة فتح أبواب مواجهة ثانية كاملة المواصفات مع الحزب؟

بطبيعة الحال سئل الحزب مراراً وتكراراً عمّا إن كان يخشى مثل هذا الاحتمال. في البدايات كان الحزب يقلل من الأمر الى درجة الاستبعاد لكنه لم يكن ليسقطه من حساباته كاحتمال وارد لحد اليوم. وكان يبلغ من يهمّهم الأمر بأنه يعمل على خطين متوازيين لهما أهمية واحدة وهما:
- المضيّ قدماً في جبهة المساندة لغزة وأن لا تراجع عن هذا الأمر.

- وفي الموازاة يعدّ الحزب العدّة للانخراط في أي مواجهة واسعة قد يقرّرها الإسرائيلي.
ويقرن الحزب هذا بكلام آخر فحواه "أن المواجهة التي يخوضها في الجنوب حرب حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة ولكنه لم يزج فيها بأكثر من خمسة بالمئة من قوّته لذا فإن ما يظهره من قوة ليس إلا عيّنة ممّا يملك في ترسانته".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار