هل رسم ماكرون خط اللاعودة مع "الحزب" بوصفه إرهابياً؟ | أخبار اليوم

هل رسم ماكرون خط اللاعودة مع "الحزب" بوصفه إرهابياً؟

| الجمعة 22 ديسمبر 2023

هل رسم ماكرون خط اللاعودة مع "الحزب" بوصفه إرهابياً؟
مفاجأة في الوسط السياسي اللبناني على مختلف تلاوينه

 "النهار"- سابين عويس

في سياق حديث تلفزيوني ادلى به على القناة الخامسة الفرنسية، مدافعاً فيه عن ثبات موقفه من حركة "حماس" والحرب الاسرائيلية، فجّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قنبلة حين وصف "حزب الله" بالمنظمة الارهابية، ما طرح اكثر من علامة استفهام حول الخلفيات التي تقف وراء هذا التوصيف الاول من نوعه، والخارج عن سياق السياسة الفرنسية تجاه الحزب، فضلاً عن تساؤلات حيال تأثير ذلك على الدور الفرنسي في لبنان الساعي إلى طرح مبادرات تتصل بالوضع في الجنوب وبالاستحقاق الرئاسي.

قال ماكرون إن فرنسا "تعمل منذ سنوات، وقد عززت ذلك في الأسابيع الأخيرة، من اجل تجنب انضمام حزب الله المجموعة الارهابية الاخرى الموجودة في لبنان إلى حماس التي تهدد توازن وأمن إسرائيل والمنطقة بأسرها".

شكّل موقف ماكرون مفاجأة في الوسط السياسي اللبناني على مختلف تلاوينه، خصوصاً انه يأتي في اعقاب تأكيدات ان مواقف ماكرون من حرب غزة ودعمه لاسرائيل لم تؤثر على العلاقات التي تربطه بالحزب، ما دفع مراقبين إلى التساؤل عما يحمله هذا الكلام في طياته، وما إذا كان الرئيس الفرنسي الذي كان اول من طرح مبادرات إنقاذية غداة انفجار مرفأ بيروت، وشغور رئاسة الجمهورية، وما زالت ديبلوماسيته بتكليف منه تعمل على وساطات في المجالين الامني والسياسي، قد قرر بكلامه هذا اعتماد سياسة اعادة تموضع دولية في الدرجة الاولى، ولبنانية في درجة ثانية. فماكرون، ومنذ طرح مبادرته الرئاسية القائمة على معادلة تبنّي مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار "المردة "سليمان فرنجية مقابل تولي السفير نواف سلام رئاسة الحكومة، خرج من موقع الحَكم بين الافرقاء السياسيين، وتحوّل إلى فريق، ما أضعف المبادرة داخلياً وصولاً إلى اسقاطها. وهذا الوضع انسحب على موقع بلاده ضمن مجموعة الدول الخمس التي رفضت تلك المبادرة، وساهم بعض اعضائها في إجهاضها. وقد أثر ذلك على عمل المجموعة، بحيث لم يعد واضحاً ما إذا كانت باريس تعمل على خط لبنان في الملف الرئاسي كما في الملف المستجد جنوباً بمبادرة منها او بالتنسيق مع "لخماسية" او بتكليف منها. وزاد ضبابية هذا الأمر عدم صدور اي موقف علني عن المجموعة في هذا الشأن، فيما لا تبدو واشنطن في سياستها تجاه لبنان راضية او في تنسيق مع الجانب الفرنسي.

وقد برز ذلك عند تولي وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التواصل مع إسرائيل، تحت عنوان ان للفرنسيين علاقات جيدة مع الحزب، كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي قبل ايام خلال لقائه كولونا، فيما هذا الملف هو في عهدة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين الذي كان يعتزم زيارة لبنان، وعدل عن ذلك في الوقت الراهن بسبب عدم تلمّسه امكان إحراز اي تقدم في ملفّي أمن الجنوب والترسيم البري الذي يتولى مهمته.

وفي حين كان هناك ما يشبه التعويل على دور فرنسي محتمل من اجل الدخول على خط مفاوضات بين الحزب وإسرائيل حول تنفيذ القرار الدولي 1701، جاء كلام ماكرون ليهدد اي احتمالات في هذا السياق.

هي المرة الاولى التي يخرج فيها الرئيس الفرنسي بموقف غير مسبوق من الحزب بتوصيفه له على انه منظمة ارهابية. كانت فرنسا من اشد الرافضين لهذا التوصيف في ايلول 2020، وتلقى ماكرون في حينه تحذيراً من وزير الخارجية الاميركي آنذاك مايك بومبيو الذي انتقد بشدة سياسة فرنسا الرافضة لهذا التصنيف والداعية إلى الفصل بين جناح سياسي وآخر عسكري للحزب. ورأى بومبيو في مقال نشره في صحيفة "الفيغارو" انه "لم تخضع دولة لهيمنة إيران كما حصل للبنان. والحزب هو الفصيل السياسي المهيمن على هذا البلد لنحو 3 عقود".

والاختلاف بين واشنطن وباريس يكمن في ان الاولى تصنف الحزب منظمة إرهابية، في حين ترى الثانية أن جناحه السياسي له دور سياسي مشروع، وان مسألة سلاحه ليست ملحّة. وهو موقف محرج للفرنسيين ولماكرون تحديداً الذي يرى ان الحزب هو جزء من جوهر النظام الحاكم، ومن الصعب جداً التعامل مع الجناح السياسي فيه من دون التعامل مع جناحه العسكري.

وهذا الموقف ليس الاول لباريس، اذ هي اعتمدته في ايلول 2012 ايضاً مخالفةً موقف دول عدة في الاتحاد الاوروبي عندما رفضت إدراج الحزب على لائحة الارهاب، معتبرة على لسان وزير خارجيتها الأسبق لوران فابيوس ان الخطوة غير قانونية وانه لا يمكن وضع منظمة على هذه اللائحة إلا عندما يكون هناك اجراء قانوني في حقها بصفتها الشخصية.

ما الذي حصل اليوم لتعدل فرنسا على لسان رئيسها موقفها، بعدما كانت الدولة الغربية الأكثر انفتاحاً على الحزب وعلى ايران من ورائه؟

مصادر سياسية في بيروت لا تستبعد ان يكون ماكرون يعمل على اعادة تموضع ضمن مجموعة دول الغرب واميركا لمنع خسارة موقع فرنسا ضمن دول القرار، خصوصاً ان كل التعاطف الذي أبداه حيال الحزب لم يثمر انتاج تسوية في لبنان تحفظ ماء الوجه للمبادرة الرئاسية الفرنسية.

كما ان ماكرون انتقل إلى هذا الموقع بالتدرج. وتقول مصادر فرنسية ان هناك لغطاً يسود الأوساط الإعلامية حيال الموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي، ومن الحزب، مشيرة إلى ان فرنسا لم تتبنَّ ترشيح فرنجية كشخص او مرشح لفريق إلا انطلاقاً من تبنيها معادلة ان اي رئيس للجمهورية سيكون من فريق يجب ان يقابله رئيس للحكومة من الفريق الآخر والعكس بالعكس. والأوساط اللبنانية لم تنظر إلى تبنّي ترشيح نواف سلام بل نظرت فقط إلى تبنّي ترشيح فرنجية. وهذا ما دفع الرئيس ماكرون إلى ايفاد مبعوث رئاسي خاص لشرح روحية المبادرة. وكان كلام جان - ايف لودريان واضحاً لجهة تأكيده على دعوة القوى اللبنانية إلى الذهاب إلى الخيار الثالث. وجاءت وزير الخارجية لتجدد بدورها هذا الموقف عندما تساءلت عن المرشح فرنجية. كما ان مدير المخابرات برنار ايمييه الذي تولى اخيراً مهمة وساطة في الملف الامني قد غادر منصبه بعد إحالته على التقاعد. واليوم يأتي موقف ماكرون ليؤكد ان لا عودة إلى الوراء بالنسبة إلى فرنسا، رغم الضرر الذي سيلحقه موقفٌ كهذا بمصالحها الاقتصادية والتجارية، ولا سيما في ملف النفط في لبنان وايران على السواء.

هل سيذهب ماكرون إلى النهاية في موقفه، ام يضعه في اطار "زلة لسان"؟

الجواب رهنٌ بكيفية تلقّف الحزب هذا الكلام على مسار العلاقات بين الطرفين، كما على مسار اي دور محتمل لا يزال ممكناً لباريس ان تلعبه في لبنان، بعدما فقدت معظم اوراقها في مسار شد الحبال، الذي قد ينتهي إلى خروجها أو ربما اخراجها من هذا الدور.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار