جعجع: طهران تريد أن يكون شرق البحر المتوسط بحيرةَ نفوذٍ إيرانية | أخبار اليوم

جعجع: طهران تريد أن يكون شرق البحر المتوسط بحيرةَ نفوذٍ إيرانية

| الأحد 14 يناير 2024

الراي-

لم يسبق أن تجّلت «الأوعيةُ المتصلة» التي تربط «بلاد الأرز» بالمنطقة و«فوالقها» أكثر مما هي عليه في المرحلة الراهنة. فلبنان الدولةُ المعلّقةُ فوق فوهة أزماتٍ داخلية وحرب غزة التي يشكّل الجنوبُ «حبلَ السرة» معها، يقيم الآن «بين ناريْ» انفجارٍ كبير تعاند المنطقة وقوعَه واسترهانِ الوطن الصغير لمقتضياتِ صراعٍ يُخشى أن يَدفع ثمنَه على الساخن أو... البارد.... تَدَرُّجُ التصعيد على جبهة الجنوب، تدحْرجُ كرة نار غزة في البحر الأحمر، السباقُ بين آلة الحرب والمحركات الديبلوماسية، الرئاسة الضائعة بين خطوط الصراع الداخلي بامتداده الاقليمي وغبار تسوياتٍ يصعب استشراف أفخاخها... عناوين على الطاولة في حوارٍ خاص أجرتْه «الراي» مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

يبدأ الحديث مِن تَعاظُم الخشيةِ في الساعات الأخيرة من أن ديناميةَ الحرب في المنطقة باتت أقوى من محركاتِ ديبلوماسيةِ منْع الانزلاق إلى انفجار شامل، خصوصاً بعد الضربة الأميركية - البريطانية للحوثيين. وحين نسأل جعجع هل تعتبرون أن فرصةَ احتواءِ حرب غزة وتداعياتها ما زالت تتقدّم على احتمالات الصِدام الكبير؟

يجيب «من الصعب الخروج بتقديراتٍ حاسمةٍ لِما سيؤول إليه الوضع بسبب العوامل المتداخلة، ولا سيما في ضوء الأحداث العسكرية المتلاحقة. ولكن ما أودّ أن ألفت إليه هو أنه منذ 7 أكتوبر الماضي (طوفان الأقصى) وحتى الآن، فإن الطرفَ الوحيدَ الذي يسعى وبكل ثِقله لعدم تَوَسُّع الحرب هو الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن الآخَرين، أكان إسرائيل من جهة أو إيران من جهة أخرى، يزجّون ما يملكونه من أدوات في المواجهة القائمة.

صحيح أن إيران أعلنتْ أكثر من مرة أنها لا ترغب بالمشاركة في الحرب أو في تَوَسُّعها، ولكن مثل هذه المواقف لا تعني شيئاً ما دامت طهران زجّتْ بكل أذْرعها وأدواتها في الحرب، من الحوثيين وهجماتهم في البحر الأحمر إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق والميليشيات الإيرانية في سورية، مروراً بحزب الله في لبنان. وهؤلاء ينخرطون في شكل من الأشكال في الحرب».

مَن يسبق مَن؟

«أما مَن يسبق مَن؟ هل المساعي الأميركية - الأوروبية لتجنُّب توسُّع الحرب، أم المساعي الإسرائيلية من جهة والإيرانية من خلال أدواتها من جهة أخرى؟ فلا يمكن تَوَقُّع ذلك. ولكن لا شك، خصوصاً بعد الضربة التي وُجِّهت إلى الحوثيين في أن دينامية اتساع الحرب تكبر يوماً بعد آخَر»، وفق جعجع.

وحين نقول له: هل نفهم أنكم لا تشاطرون مَن يعتبرون أن إيران راغبة كما أميركا في تفادي انجرار المنطقة إلى السيناريو - الكابوس، يردّ «عدم الرغبة الأميركية في تَوَسُّع الحرب واضحة، وإن بشروط واشنطن الداعمة لإسرائيل في حرب غزة. أما عدم تدخل إيران في الحرب، فهو أمر غير صحيح بدليل مشاركة أذرعها وأدواتها. وأكرر أن الطرفَ الوحيد الذي يعمل على تَلافي السيناريو المُرْعِب هو الولايات المتحدة وأوروبا».

وكيف يفسّر إذاً الانخراطَ المحسوبَ لِما يُسمّى «الأذرع الإيرانية» في الحرب، تارةً تحت عنوان المَشاغَلة وتارة أخرى بما يوصف بـ «المشاغَبة» في أكثر من ساحة وصولاً إلى البحر الأحمر؟ يقول جعجع «إن اقتصارَ أدوار أذرع إيران وأدواتها على هذا المستوى من الانخراط في المواجهة يعود إلى أن الولايات المتحدة وفي اليوم التالي لـ 7 أكتوبر أرسلتْ حاملتيْ طائرات وقِطَعاً بحريةً عدة، وعززتْ قواتها في المنطقة وأبلغتْ إلى الجميع بالطرق المعهودة وغير المعهودة عَزْمَها على التدخّل مباشرةً في مواجهةِ أي محاولةٍ لتوسيع الحرب. ومن هنا جاءت أدوارُ هؤلاء محسوبةً لإدراكهم أن أي تَفَلُّتٍ سيُقابَل بتدخّلٍ حاسمٍ من الولايات المتحدة. وعندما حاول الحوثيون تَجاوُز حدودهم في البحر الأحمر تَدَخَّل الأميركيون والبريطانيون».

القرار... إيراني

وماذا عمّا قيل عن أن الأميركيين أبلغوا إلى الحوثيين وتالياً الإيرانيين مسبقاً بالضربة، في إشارةٍ إلى إدراكِ واشنطن تبعاً لتجربة الأشهر الثلاثة الماضية أن طهران لا تريد التورط في مواجهة كبرى؟ يجيب «هذا غير دقيق. ولا يمكن ولو للحظةٍ الاعتقاد أن حركة حزب الله من جنوب لبنان والميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق والميليشيات الإيرانية في سورية والحوثيين في اليمن معزولة عن قرار إيراني».

وحين نقول له: لكن هؤلاء يلعبون على «الحافة» وبطريقة مدوْزنة لا تفضي إلى التفجير الشامل؟ يردّ «هذا أمر نسبيّ. فما تحسبه إيران مدوْزَناً قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى الآخَرين، بدليل أن الولايات المتحدة لم تعتبر ما يقوم به الحوثيون أمراً مدوْزناً، فأنشأتْ تحالفاً وصدرتْ مجموعة مواقف على مدى الأسابيع الأخيرة تدعو إلى وقف هذه الممارسات، إلى أن اضطُرّ الأميركيون والبريطانيون إلى تنفيذ الضربة في اليمن».

ويضيف جعجع «وفي ما خص حزب الله، يتّضح في شكل جليّ أن ما يقوم به من جنوب لبنان غير مدوْزَن، على عكس ما يقوله البعض. بدليل ما استثاره من ردّ فعل اسرائيلي، وجميعنا نرى الطرح الاسرائيلي في ما يتعلّق بجبهة الجنوب. وهذا ما يعني أن حساباتِ فريقٍ لا تتطابق مع فريق آخَر ما يجرّ المنطقة إلى تصعيد أكبر».

وعن دوافع إيران من اعتماد هذا المستوى من الانخراط في المواجهة وما الذي تسعى إلى تحصيله؟ يقول إن «طهران تريد أن يكون شرق البحر الأبيض المتوسط، والمنطقة العربية بحيرةَ نفوذٍ إيرانية وأن تكون لها كلمة وحضور في كل ما يتعلق بالمنطقة. وهذا هدف إيران، أما تحقيقه فمسألة أخرى، ولا أحد يمكنه التكهّن بمآل الأمور وفي أي اتجاهٍ ستذهب، بدليل التطور الأخير في ما خص الحوثيين في اليمن».

تحريك جبهة الجنوب

ولكن هناك مَن يعتبر أنه رغم تَحَوُّل جنوب لبنان أكثر الجبهات التي تتوافر فيها عناصر الانفجار الكبير، فإن «حزبَ الله» بإدارته «جبهة المشاغَلة» على نحو مضبوط حالَ دون جرِّ البلاد إلى فم الحرب الواسعة وراعى المصلحة اللبنانية العليا.

إلا أن جعجع يطرح سؤالاً: «لو لم يبادر حزب الله إلى تحريك جبهة الجنوب، ألم يكن ذلك ليراعي المصلحة اللبنانية العليا أكثر؟ وما قام الحزبُ به وما يزال ليس محسوباً ولا يأخذ مصالح لبنان في الاعتبار. وما يقول الحزب إنه محسوب ومضبوط لم تعتبره إسرائيل كذلك وتصرفت على هذا الأساس. ناهيك عن أن ممارساته منذ 8 أكتوبر عاودتْ فتح عيون إسرائيل على الوجود العسكري للحزب في جنوب لبنان، وتالياً بات الشغل الشاغل لإسرائيل إيجاد حل لهذا الوجود العسكري على حدودها الشمالية وهي تربط ذلك بما تقول إنه درسٌ تعلمّته من تجربة حماس في غزة».

ونقول له «لكن هناك نظريتيْن حيال استمرار جبهة الجنوب في دائرة التصعيد المضبوط. الأولى عبّر عنها السيد حسن نصرالله بقوله إن إسرائيل مردوعة بقوةِ المقاومة وأن مباغتتها بفتح الجبهة أَفْقَدَ تل أبيب عنصر المفاجأة لشنّ حرب كانت تريدها. والثانية أن الولايات المتحدة هي التي ترمي بثقلها وتردع حتى الساعة إسرائيل عن لبنان. أي من النظريتين أكثر واقعية بالنسبة لكم»؟

يجيب رئيس حزب «القوات» «كل الأوساط الديبلوماسية وعواصم القرار واللاعبين السياسيين في دول الشرق الأوسط يعرفون حجم الضغط الذي تمارسه واشنطن كي لا يحصل تصعيد للوضع على جبهة جنوب لبنان. وبالتالي هذا هو العامل الحاسم الذي يُبْقي الجبهةَ الجنوبية ضمن هذه الحدود».

ويضيف: «هل ثمة حقاً مَن هو مُقْتَنِعٌ بأن تصعيدَ حزب الله في الجنوب هو الذي يلْجم إسرائيل أم العكس، أي هو الذي يفتح عيونَها أكثر على جبهة لبنان؟ وإذا كان كلام السيّد حسن عن أن إسرائيل مردوعة من حزب الله، فلماذا إذاً يحصل كل هذا التحرك والوساطة الأميركية؟ وبماذا تحدّث الفرنسيون حين زاروا بيروت؟ وتالياً نظرية السيد حسن غير صحيحة ولا أساس لها، وهذا النوع من التصريحات موجَّه إلى البيئة الحاضنة، ولكنه لا يتطابق إطلاقاً مع الواقع. وما يجمّد الوضع حتى الساعة على جبهة الجنوب هو الضغط الأميركي على إسرائيل، من دون أن يعني ذلك أن خطر الانزلاق العسكري انتفى، بل للأسف ما زال قائماً».

ولكن ثمة مَن يعتبر أن «حزب الله» بعملياته جنوباً نَجَحَ في إجبار إسرائيل على جعْل أي ثمنٍ لأمنها يوازي أقلّه ما قال السيد نصرالله إنه «التحرير الكامل» للأراضي اللبنانية بعدما تلكأتْ 17 عاماً عن ذلك، «فلماذا لا تقرّون بأن معادلةَ القوة التي أرساها حزب الله ستُثْمِرُ مرة جديدة»؟

يردّ رئيس «حزب القوات»: «لا نقرّ لأن هذا ليس صحيحاً. وما يقوله السيد حسن هو طرحُه، ولكن مَن الذي يقول إن إسرائيل تسير بهذا الطرح؟ وأكبر دليل ما استُخلص من الزيارة الأخيرة لآموس هوكشتاين (لبيروت). والواقع أن محور الممانعة كان يحضّر هذا المخرج في معرض بحثه عن كيفية الخروج من كل هذا الواقع. ولكن حتى هذا المخرج... مش ماشي».

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار