لماذا يرفض "حزب الله" مساجلة التيار العوني في مواقفه الاعتراضية على "حرب الإسناد"؟ | أخبار اليوم

لماذا يرفض "حزب الله" مساجلة التيار العوني في مواقفه الاعتراضية على "حرب الإسناد"؟

| الإثنين 04 مارس 2024

لماذا يرفض "حزب الله" مساجلة التيار العوني في مواقفه الاعتراضية على "حرب الإسناد"؟
انتقاد النهج العسكري وإدراجه في خانة "سوء التقدير"

"النهار"- ابراهيم بيرم

منذ أن اعلنت "العونية السياسية" بركنيها الأساسيين الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل خروجها النهائي من آخر موجبات التفاهم السابق مع "حزب الله" عبر اعتراضهما الناري على انخراط الحزب في حرب "المساندة لغزة وفصائلها" من خلال فتح جبهة الجنوب و"توريط لبنان" في هذه الحرب تحت شعار "وحدة الساحات"، اتخذ الحزب سريعا قرارا يقضي بالحيلولة دون الرد على هذا الموقف الموجع، واستطرادا عدم الدخول في أيّ سجال مع التيار العوني الذي انضوى واياه 17 عاما تحت عباءة "تفاهم مارمخايل".

واللافت ان الحزب اكتفى عندما سئل رأيه بهذه النقلة النوعية المؤذية له من حليفه بإجابة مكثفة اختصرها بالقول: "هذا رأيهم وهم أحرار في تظهيره".

بطبيعة الحال لم يكن هذا الرأي المقتضب ناجماً عن عجز الحزب عن التشخيص العاجل أو لأنه فوجىء بالأمر، بل لأخذ وقته في التنقيب عن الخلفيات والأبعاد التي حدت بهذا الفريق السياسي ان يمضي قدماً في خيار فك ارتباطه بتفاهم سياسي كان لحظة إبرامه بمثابة حدث مدوّ واستثنائي في دورة الحياة السياسية.

والواضح ان برودة الحزب في التفاعل مع تطور شاءه الطرف المبادر اليه (التيار العوني) ان يكون صاخبا ومدوّيا، كان بمثابة نهج مدروس رسم الحزب مندرجاته برويّة لكي يفضي في نهاية المطاف الى استيعاب مفاعيله وجعله نسياً منسياً.

لم يكن غائبا عن اذهان المعنيين في الحزب بأمر العلاقة المتعبة والشاقة مع "التيار البرتقالي" انهم استشعروا منذ زمن ان التيار يتحين الفرصة المناسبة للخروج من هذا التفاهم ليعبر سريعا الى الضفة الاخرى النقيضة توطئة لترسيخ أقدامه في حقبة سياسية مغايرة.
ولا يخفي هؤلاء ان ثمة في الحزب من سعى لكي يحول دون خسارة التيار، وقد لمس هؤلاء اشارات توحي برغبة التيار في الانقلاب على خياراته وحساباته السابقة منذ الانتخابات النيابية الاخيرة، لكنهم سعوا ضمناً الى فعل اعتقدوا انه سيثني التيار عن هذا الفعل من خلال تأمين كتلة نيابية وازنة له تحقق له مكسبين: الاول يبقي التيار رقما صعبا في معادلة الساحة المسيحية. والثاني يحول دون طغيان حزب "القوات اللبنانية" على الساحة المسيحية مجددا، خصوصا بعدما اخترق دوائر ومناطق كانت تشكل حصنا حصينا للتيار العوني.

وعلى رغم مضي نحو عام وعشرة أشهر على تلك الانتخابات، فان ثمة نقاشا اثير داخل الحزب ما زال يتفاعل ولم يُحسم حول لماذا مضى الحزب قدماً في رهان كان ثمة معطيات تنمو وتحمل في طياتها ما يبيّن ان هناك رهانات خائبة ومخفقة من جهة، ومن جهة اخرى ان "التيار البرتقالي" على وشك ان يقفز من مركب موشك على الغرق. وبمعنى آخر تلمّس في الاشهر الماضية كثر في الحزب وفي خارجه وقائع تشي بان التيار صار يقيم على قناعة فحواها ان التفاهم مع الحزب لم يعد ضرورة وحاجة من جهة، ولم يعد مجديا مستقبليا من جهة اخرى.

وبطبيعة الحال ثمة رأيان في الحزب حيال ذلك، احدهما استشرف من البداية عبثية هذا التفاهم وانه آيل الى انفكاك ما يلزم الحزب البحث عن تفاهمات اخرى بديلة في داخل الشارع المسيحي، فيما الرأي الآخر ما زال يدافع عن خيار "اسناد التيار" كضرورة للحيلولة دون وقوع الساحة المسيحية ثمرة سائغة لدى "القوات". وبين هذا الرأي وذاك ثمة رأي ثالث يدعو الى الالتزام الكامل بموجبات التفاهم الى حين يصدر عن الطرف الآخر ما يفصح عن الرغبة الصريحة والنهائية في الخروج منه.

وفي محاولة بدت اخيرة من الحزب لقطع النزاع الداخلي عنده، استقر رأي قيادة الحزب المعنية على خوض تجربة تفاهم اخيرة مع التيار بناء على اساسين: الأول تكرار المحاولة لتشجيع التيار على عدم الخروج من التفاهم تحت عنوان استمرار الحوارمعه حول نقطة الخلاف الاساسية التي برزت وهي الاستحقاق الرئاسي، واذا لم تُحسم يبقى التفاهم قائما حول قضايا اخرى. وليس خافيا ان مؤيدي هذا التوجه في الحزب راهنوا على امرين اثنين: الاول ان مؤسس التيار ومرشده الرئيس ميشال عون شخصية يمكن الرهان عليها وعلى تقديرها العالي للامور، وهو الذي له مواقف مشهودة. الثاني ان الحاجة الى تفاهم الحزب مع التيار ليست امرا مترفا بل هي اساسية في معادلة الداخل المتشابكة والصراعية.

وبناء عليه، قرر الحزب تخطي "الصدمة" الاولى الكبرى التي أتته من رئيس التيار وهو في لقاء ليلي في الضاحية الجنوبية جمعه مع السيد حسن نصرالله، رافضا بشدة طلب السيد منه السير في خيار واحد لانتخاب زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية للرئاسة الاولى. ولم يكتفِ باسيل بهذا القدر اذ انه وبمجرد وصوله صبيحة اليوم التالي الى مكتبه في ميرنا الشالوحي أذن باطلاق حملة اعتراض سياسية - اعلامية ضد فرنجية مسقطاً بذلك تمني نصرالله عليه بأخذ فرصة للتفكير بهذا العرض ومن ثم العودة الى لقاء آخر. وفي هذه الحملة لمّح باسيل الى ان الحزب يمارس عليه "ترهيبا سياسيا تمهيدا لمصادرته سياسيا واستلحاقه به".

فهم الحزب آنذاك ان باسيل اراد ابلاغه رسالة فحواها انه لم يعبأ باستمرار تفاهمه مع الحزب وانه صار مستعدا للخروج منه إلا اذا قبل الحزب بشروطه وخياراته ومنها الذهاب الى اسم آخر للرئاسة الاولى.

مع كل تلك المناخات، مضى الحزب الى حوار آخر واخير مع باسيل والتيار، فكان ان شُكلت لجنة تولت الحوار مثّل الحزب فيها النائب علي فياض الذي يقدَّم دوما كأحد المنظرين السياسيين ورجل المهمات الصعبة في الحزب، فيما مثّل النائب آلان عون الذي يقدَّم دوما ايضا كأحد العقلاء والمفكرين في التيار. يومها كانت قاعدة النقاش في هذا الحوار شرطين وضعهما باسيل اساسا لأي اتفاق وهما: المركزية الادارية والمالية الواسعة وصندوق الائتمان المالي. ورغم عِلم الطرفين بان تحقيق هذين الشرطين امر دونه مصاعب وعوائق جسيمة، فان جلسات اربع عُقدت للجنة الحوارية. ورغم ان مصادر اشارت الى عدم اعتراض الحزب على مطلبي باسيل، فان الحوار توقف ضمن ستار من الكتمان فبدا بذلك انهما قد ارجآ الحوار بعدما أيقنا انه عديم النفع، وهو ما عُدَّ نوعاً من ربط النزاع. ولكن في كل الاحوال، كان الامر بمثابة تجربة ثالثة وجد الحزب انه حدث يستحق المغامرة للوصول اليه، فيما اظهر التيار للملأ انه ليس مستتبعاً من الحزب ولا يسير معه في كل خياراته.

وبعدها ظلت الامور بين الطرفين في مربع التكهن والضبابية الى ان ظهر الرئيس عون اخيرا ليعلن موقفه الرافض لحرب المساندة التي يخوضها الحزب بل ويدينها ويعتبرها توريطا للبنان. ورغم ان باسيل حاول كما قيل التخفيف من حدة الامر بظهوره لاحقا، إلا ان ما زاد في التأزم هو ان خمسة من نواب التيار بدأوا بشكل متعاقب استكمال هجوم عون على اداء الحزب العسكري. فبدا الامر بالنسبة الى الحزب انه "امر عمليات" يوحي بان التيار وجد فرصته الاخيرة للخروج النهائي من "تفاهم مارمخايل" مختارا فترة حساسة عند الحزب. واللافت وفق مصادر على صلة بالحزب ان المادة الخطابية الجدية لرموز التيار أتت بعد تطورين مهمين:
- انه ينسف اطروحة ايجابية قدمها باسيل في مستهل حرب الاسناد، فبدا الامر بمثابة انقلاب على ذلك الموقف الاوّلي من جهة، وايذانا بفتح التيار صفحة جديدة من جهة اخرى.

- ان التيار يقدم فلسفة جديدة لهذه الخطوة فحواها الاعتراض على النهج العسكري للحزب وإدراجه في خانة "سوء التقدير"، وانه يرسم علامات استفهام كبيرة حول هذا الفعل. وأياً يكن من امر، فان تعليمات الحزب الاساسية والحازمة هي عدم الدخول في اي سجال مع التيار الى اجل غير مسمى، لان "الحزب منهمك في مسألة اخرى هي أهم في تقديره".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار