عندما تسمع من يقول لك أنا أدعمك فيما أنت تشعر بطعناته في ظهرك حتى العظام... | أخبار اليوم

عندما تسمع من يقول لك أنا أدعمك فيما أنت تشعر بطعناته في ظهرك حتى العظام...

انطون الفتى | الثلاثاء 19 مارس 2024

كذب ونفاق يبدأ بتأكيد الحقّ قبل نكرانه بألف طريقة

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

 

تجسّد حرب أوكرانيا الشكل الأمثل للكذب والنّفاق الذي تمارسه مختلف دول العالم، تجاه شعوبها أولاً، وتجاه بعضها البعض ثانياً، بأبهى حُلَّة.

 

 

بشكل ضمني

فإذا أخذنا البلدان الأوروبية الخائفة من تمدّد الحرب الى أراضيها، والمُنادِيَة بضرورة الاستمرار بدعم أوكرانيا كلّما دعت الحاجة الى ذلك، ومهما طال الوقت، والقائلة بضرورة دعم كييف في الدفاع عن نفسها، وفي الجلوس الى طاولة المفاوضات مرفوعة الرأس، نجد أن تلك الدول (الأوروبية) تكذب على شعوبها أوّلاً، وعلى أوكرانيا ثانياً، وعلى العالم ثالثاً.

فأكبر الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا تقف برجل واحدة من رجلَيْها في كييف، وبرجل أخرى في موسكو، وهي لا تقوم بالخطوات المُساعِدَة على الإسراع في وقف الحرب. كما أنها (الدول الأوروبية) ترغب بفوز روسيا في ختام تلك المواجهة بشكل ضمني، نظراً لمصالح كثيرة وتاريخية تجمعها بالروس أكثر من الأوكرانيين، وإلا لكنّا رأينا نهاية الحرب الروسية على أوكرانيا منذ نيسان أو أيار عام 2022، على أبْعَد تقدير.

 

 

الدعاية الروسية

فبمعزل عن الكذب والنفاق الأوروبي (والأميركي) في تطبيق عقوبات الحرب على موسكو، وعن عدم جديّة التعامُل الغربي مع المساعدات العسكرية والإنسانية للأوكرانيين، يبدو صاعقاً ما تفعله بعض أكبر وأهمّ وسائل الإعلام الأوروبية، ومنها الفرنسية والألمانية التابعة للإدارات الحاكمة هناك (رغم العداء الذي تظهره باريس وبرلين للكرملين)، التي يخصّص بعضها مساحات واسعة من تغطيته لصالح الدعاية الروسية، إذ تبثّ وتنشر بعض التقارير من قلب مناطق روسية تتعرّض للاستهدافات الأوكرانية، ناقلةً مشاهد لأضرار القصف الأوكراني، وشهادات لروس يتحدّثون عن "فظاعة" القصف الأوكراني، وعن أن هذا القصف هو اعتداء على روسيا، وعن أن جيش تلك الأخيرة يقوم بالعمل الصحيح عندما يهاجم الأراضي الأوكرانية لتحريرها من "النازيين الجُدُد".

 

ورود مقابل الصواريخ؟

نعم. هذا الكلام، وهذا النّوع من المشاهد والتقارير، تنقله وسائل إعلام غربية تدور في فلك الإدارات الحاكمة في العواصم الغربية حالياً، وذلك بذريعة الإحاطة الشاملة والموضوعية.

فما هذا الدعم؟ وما هذه المساعدة الغربية لأوكرانيا؟ وكيف يمكن لوسائل إعلام غربية أن تشدّد على حقّ أوكرانيا بالدفاع عن نفسها، وعلى تمكينها من تحقيق ذلك، جنباً الى جنب نقل وجهات نظر روسيّة عن "فظاعات" أوكرانية من جراء قصف الأراضي الروسية، وهو إنكار لحقّ الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم؟

فكيف يمكن دعم كييف وتمكينها، بموازاة إنكار أي حقّ لها بالتحرّك، وباستعمال الدّعم؟ وهل يجب أن يكون الدفاع الأوكراني عن النّفس بنثر الورود والأرزّ مثلاً، في أوان الهجمات الروسيّة بالصواريخ والمسيّرات، حتى لا تُصبح أوكرانيا "مُرتَكِبَة" لـ "فظاعات"؟

 

ماكرون

هذه هي الدول، وهذه هي ألاعيبها "الملعوبة" بأذرع سياسية، واقتصادية، وإعلامية... متعدّدة. فالدول كاذبة بشكل عام، ويزداد كذبها هولاً في كل مرّة تجهد فيها لإثبات ما لا تفعله، وما لا تريده.

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مثلاً، يمارس منذ مدّة بطولات الحديث عن ضرورة منع روسيا من الانتصار في أوكرانيا، ومن تحقيق أهداف حربها هناك، وصولاً الى حدّ التلويح بإرسال قوات غربية الى البرّ الأوكراني، وعدم استبعاد أي احتمال.

ولكن الدعم الفرنسي والأوروبي خصوصاً، والغربي عموماً، لأوكرانيا، قد لا يحتاج الى ذلك بالضّرورة، ولا الى زيادة التصنيع العسكري الأوروبي و"الأطلسي" فقط، بل للاستفادة من بعض العقوبات التي فُرِضَت على روسيا في بداية حربها على أوكرانيا، وتطبيقها بالنِّسَب اللازمة، وهو ما لا يفعله ماكرون حتى الساعة، وما لا يريد فعله، ولا المساهمة بحثّ أوروبا عليه، رغم أن هناك العديد من العقوبات التي يمكنها أن تسرّع في نهاية الحرب إذا طُبِّقَت، من دون أن تشكّل ضرراً لا على فرنسا، ولا على أوروبا، ولا على الغرب، ولا على الشعب الروسي، بل هي ستُلحق الضّرر الكافي بآلة الحرب الروسيّة حصراً.

فهذه هي الدول الكبرى والقوية. وهذا هو دعمها للشعوب الضّعيفة في حقّ تقرير مصيرها، وفي الدفاع عن نفسها. كذب ونفاق يبدأ بتأكيد الحقّ، قبل نكرانه بألف طريقة.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار