حركة تجارية خجولة في لبنان... تعويل على الثقة وعودة العلاقات مع دول الخليج
التخوّف لدى المواطن ما زال قائماً ويجب انتظار بداية الإصلاح
محمد غسّاني - النهار
يشكل شهر رمضان لدى المسلمين، وكذلك موسم الصوم لدى المسيحيين، مرحلة محورية في تعزيز النشاط الاقتصادي والتجاري في لبنان. وتفتح هذه الفترات أبواباً واسعة لإحياء الأسواق وتحفيز الحركة التجارية على مختلف الأصعدة.
يعوّل لبنان، الذي عانى من التحديات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، كثيراً على هذه الفترات الدينية كفرص حقيقية لدفع العجلة الاقتصادية قدماً من خلال زيادة حركة البيع والشراء، وتشجيع السياحة الداخلية والخارجية، وتعزيز الاستهلاك الوطني.
ماذا عن الحركة التجارية هذه الفترة، كيف تبدو وما الذي ينتظرنا؟ وما الإجراءات المطلوب تنفيذها من الحكومة في هذا المجال؟
"مرحلة تأكيد الاستقرار"
يؤكد نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد التنير، في حديثٍ خاصّ لـ"النهار"، أن "حركة الأسواق لم تتحسّن حتى الآن، والأمور ستبدأ بالوضوح أكثر فأكثر مع اقتراب الأعياد"، متحدثاً عن مستقبل واعد.
ويتطرق في حديثه إلى زيارة الرئيس عون للسعودية والتعويل عليها لمستقبل العلاقات مع السعودية والدول الخليجية عموماً، التي "تُعدّ رافعة كبيرة للموسم السياحي".
ويشير التنير إلى أن "الوضع لم يستقر نهائياً، ونأمل أن تظهر بعض المعطيات الاقتصادية الإيجابية بحلول نهاية موسم الربيع"، مضيفاً: "هناك آمال باستثمارات لبنانية لا فقط أجنبية".
وعن الإجراءات المنتظرة من الحكومة اللبنانية، يشدد على أن "الناس وضعوا ثقتهم في العهد الجديد والحكومة، وهذا ما يشكل عنصراً أساسياً للتفكير في إقامة مشاريع في البلد، تساعد المواطن في إعادة تكوين نفسه".
ويوضح التنير أن "الأمر الأساسي الذي يمكن أن تفعله الحكومة هو تثبيت الثقة على صعيد الأمن، والتأكيد أن الأمور ستبقى مستقرة ولن تعود إلى الوراء"، مضيفاً: "هذا الموضوع سيأخذ بعض الوقت، لأنه لا توجد عصا سحرية".
ويأمل في ختام حديثه "أن تكون سنة 2025 مرحلة تأكيد الاستقرار والاطمئنان للمواطن".
"حركة خجولة"...
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنيس أبو دياب في حديثٍ لـ"النهار"، أنه "في الواقع، هناك حركة تجارية شبه نشطة، بعد الثقة التي يوليها المواطن للعهد والحكومة الجديدين".
ويقول إنّ "اللبناني يحب الحياة، وينظر دائماً إلى مستقبل أفضل، ومن منظور علم الاقتصاد، هذا يشجّع الإنسان على الاستهلاك"، مشيراً إلى أن "تزامن صيام المسلمين والمسيحيين أدّى إلى حركة تجارية يمكن وصفها حتى الآن بأنها خجولة".
ويشير أبو دياب إلى أن "الجهات المسؤولة مثل الجمعيات والهيئات الاقتصادية تحاول تحريك الوضع الاقتصادي قليلاً في بيروت عبر فتح الأسواق والمهرجانات والشوارع التي تشهد أجواءً رمضانية وأعياداً".
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن هذه المحاولات "لم ترتقِ إلى مستوى الحركة التجارية النشطة التي تؤثر إيجاباً على المؤشرات الاقتصادية"، مستدركاً بالقول: "لكن هناك بداية مقبولة، ولا سيما إذا ترافقت مع رفع حظر سفر الخليجيين، بعد زيارة الرئيس اللبناني جوزف عون للسعودية".
"تخوّف قائم"...
وعن الرغبة في الاستثمار في ظل هذا الوضع الحالي، يلفت أبو دياب إلى أن "التخوّف لدى المواطن ما زال قائماً، لكن يجب انتظار بداية الحركة الإصلاحية"، موضحاً أن "الاستثمار لا يزال خجولاً وهو بحاجة إلى تمويل يأتي من القطاع المصرفي".
ويضيف، "هناك وفد من صندوق النقد الدولي سيأتي إلى لبنان بعد نحو أسبوعين، للبدء بإعادة مقاربة البرنامج السابق، وهنا يمكن الحديث عن جوّ استثماري".
ويعيد أبو دياب تأكيد "وجود حركة تجارية لم نشهدها في شهر رمضان السابق"، مضيفاً: "مرحلة ما بين العيدين ستعطينا المؤشرات الواضحة، ولا سيما إذا تزامنت مع عودة السيّاح الخليجيين المتوقع حضورهم بأعداد جيدة".
ويشدد على أن "بعض الفنادق بدأت إعادة الترميم والاستعداد لاستقبال السائحين، لكن حتى الآن لم نشهد حركة استثمار أجنبية".
خطوات أساسية...
وعن الإجراءات الأساسية التي يجب أن تتخذها الحكومة اللبنانية والتي تؤثر على الاقتصاد والحركة التجارية، يقول أبو دياب لـ"النهار": "هناك خطوتان يمكن أن يكون لهما تأثير سريع جداً، وهما: التعيينات في الملف المالي والنقدي، وثانياً الحديث عن صندوق لإعادة الإعمار سيُعلن عنه ما بين العيدين".
ويشير إلى أن "القرض الأول يبدأ بـ250 مليون دولار من البنك الدولي، ومن ثم يُرفع إلى مليار دولار"، مضيفاً: "هذان العاملان مهمان لبدء الإصلاح، بالإضافة إلى برمجة الاتفاق مع صندوق النقد، ما يعزز حركة الثقة، لكن يبقى الأهم هو وضع خطة لإعادة الودائع".
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن "حركة إعادة هيكلة القطاع المصرفي هي المؤشر الأول، إضافةً إلى ملفّ إعادة الإعمار، وعندها يمكن القول إننا وضعنا القطار على السكة السليمة"، موضحاً أن "تطبيق قانون استقلالية القضاء يعزز الاستثمار الأجنبي".
في ظل هذه المتغيرات والتحديات الاقتصادية، يقف لبنان عند مفترق طرق يحتاج فيه إلى خطوات جادة وسريعة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام.