حكاية “البيجر الإيرانيّ”… من الاغتيالات إلى استنزاف الصّواريخ
استنتسخَت إسرائيل “يدها الطّويلة” في إيران لتُثبِتَ تفوّقها الاستخباريّ
ابراهيم ريحان - اساس ميديا
ماذا في تفاصيل الهجوم الإسرائيليّ على إيران؟ وكيف استطاعت تل أبيب تنفيذ ما يُمكن تسميته “البيجر الإيراني” في اللحظة الأولى لهجومها فجرَ الجمعة الماضي؟
لم يكُن مفاجئاً الهجوم الإسرائيليّ على إيران، بقدرِ ما كانَت العمليّات الأمنيّة – العسكريّة، التي نُفِّذَت داخل الأراضي الإيرانيّة والاغتيالات، المُفاجأة الكُبرى في هذا الهجوم.
كانَ المُتوقّع أن تشنّ إسرائيل حملةً جويّة على مراكز تخصيب اليورانيوم الإيرانيّة في نطنز وفوردو. لكنّ ما لم يكُن متوقّعاً هو اغتيال أغلب القيادات العسكريّة والعلماء النّوويين وضرب الدّفاعات الجويّة والرادارات في عمليّاتٍ مُتزامنة شاركَ فيها “الموساد” عبر فرق كوماندوس على أراضي الجمهوريّة الإسلاميّة.
يُشبه الهجوم الأوّليّ الذي شنّته إسرائيل على إيران من نواحٍ كثيرة تفجيرَ أجهزةِ “البيجر” و”اللاسلكي” في لبنان في 17 و18 أيلول الماضي. ويُشبه أيضاً الهجومَ ظهيرة يوم الإثنين 23 أيلول الذي شهدَ أكبر حملة جوّيّة على قواعد ومنشآت “الحزبِ” وقياداته في الجنوب والضّاحية والبقاع وبعض مناطق جبل لبنان.
يدُ نتنياهو الطّويلة
استنتسخَت إسرائيل “يدها الطّويلة” في إيران لتُثبِتَ تفوّقها الاستخباريّ في وجه إيران ومحورها من غزّة إلى لبنان وسوريا، ولكي تقول إنّ لها “حرّيّة الحركة” في إيران بعدما ضمِنتها في لبنان وغزّة والجنوب السّوريّ.
لكنّ يدها الطّويلة لم تكُن عبر العمليّات الجوّيّة وإطلاق الصّواريخ الموجّهة من الغوّاصات والقطع البحريّة. إذ شملَ الهجوم عمليّات خاصّة جمعت “الموساد” و”الاستخبارات العسكريّة”:
أعدّت إسرائيل قاعدةً للمُسيّرات، انطلقت منها طائرات مُسيّرة لتستهدفَ شخصيّات إيرانيّة والدّفاعات الجوّيّة، بما يتطابق تماماً مع شكلِ الهجوم الأوكراني (بيت العنكبوت) الذي طالَ مطارات في عُمق الأراضي الرّوسيّة قبل أسبوعَيْن.
يؤكّد مصدر أمنيّ إقليميّ لـ”أساس” أنّ التّقارير الأمنيّة التي ورَدَت بعد بدءِ الهجوم على إيران تضمّنت الآتي:
استعملَت القوّات الخاصّة الإسرائيليّة صواريخ “سبايك” المضادّة للدّروع لاستهداف منظومات الدّفاع الجوّيّ في غرب وشمال غرب إيران حيثُ عبرَت الطّائرات والصّواريخ الإسرائيليّة آتية من الأجواء العراقيّة. جدير بالذّكر أنّ صاروخ “سبايك” يُطلق من مسافة قد تصل إلى 6 أو 7 كلم بأسلوب “أطلِق وانسَ”.
استخدمت العمليّات الخاصّة تكنولوجيا مُتقدّمة للحرب الإلكترونيّة تُستعمل للتّشويش وتعطيل أجهزة الرّصد والإنذار المُبكر والرّادارات.
تنفيذ بعض الاغتيالات عبر الطّائرات المُسيّرة، وتوجيه الغارات والتأكّد من وجود الشّخصيات المُستهدفة في الأماكن التي استُهدفوا فيها. يؤكّد ذلكَ تفاوت أماكن الاستهداف. إذ تأكّدت الفرق العاملة على الأرض بالتعاون مع عملاء محلّيّين من وجود قائد الحرس الثّوريّ حسين سلامي في مقرّ قيادة “الباسدران” حيثُ قُتِلَ. فيما قُتل البعض الآخر في غُرف نومهم مثل العالم النّوويّ محمّد مهدي طهرانجي.
الشّاحنة التي حملت المُسيّرات الإسرائيليّة فجّرَت نفسها ذاتيّاً بعد انتهاء مهمّتها مع طلوع الشّمس.
قتل المفاوض النّوويّ
القصد من اغتيال العُلماء هو ضربُ أيّ إمكان لتطوير البرنامج النّوويّ. أمّا اغتيال رئيس الأركان المُشتركة اللواء محمّد باقري وقائد “الحرس” اللواء حسين سلامي وقائد القوّات الجوفضائيّة العميد أمير علي حاجي زاده وغيرهم من قادة الألوية والفِرق، فكان يهدف إلى ضرب منظومة القيادة والسّيطرة في إيران.
ويتطابق تماماً اغتيال حاجي زاده وقادة القوّة الجويّة والدّفاع الجوّي مع اغتيال قائد قوة “الرّضوان” إبراهيم عقيل ومسؤولي الفرقة، حين استهدفَ الإسرائيليّون اجتماعاً تحتَ الأرض لقادة القوّة الجويّة قرب طهران.
لكنّ الاستهداف الأبرز سياسيّاً كان استهداف مُستشار المُرشد الإيرانيّ والأمين العامّ السّابق لمجلس الأمن القوميّ الأدميرال علي شمخاني، الذي كان يشغلُ عمليّاً مسؤوليّة الإشراف على المفاوضات بين الولايات المُتّحدة وإيران. وكانَ له الدّور الأبرز في نسجِ اتّفاق بكين بين إيران والمملكة العربيّة السّعوديّة، وإعادة العلاقات بين إيران ودولة الإمارات العربيّة المُتّحدة. جديرٌ بالذّكر أنّ شمخاني ينحدرُ من عائلة عربيّة من محافظة خوزستان وشغل سابقاً منصبَ وزير الدّفاع وقائد القوّة البحريّة الإيرانيّة.
يُعتبر استهداف علي شمخاني رسالةً مباشرةً إلى المُرشد الإيرانيّ عليّ خامنئي أنّ تل أبيب لن تتوانى عن استهدافه إذا ما اضطرّت إلى ذلك. إذ إنّ كثيراً من الغارات الإسرائيليّة استهدفت بشكلٍ مُتعمّد محيطَ سكَن المُرشد الإيراني.
استنزاف القوّة الصّاروخيّة وتهديد النّظام
تُدركُ تل أبيب تماماً أنّ إيران كانت ستلجأ إلى الرّدّ بشكلٍ مباشرٍ على الغارات عبر إطلاق مئات الصّواريخ البالستيّة. فعمدَت أثناء هجومها فجر الجمعة وعلى مدار اليوم نفسه إلى استهداف:
منصّات صواريخ جاهزة للإطلاق نحوَ العمق الإسرائيليّ في منطقة كرمنشاه غرب إيران.
مخازن صواريخ شمال وغرب البِلاد، ومطارات داخليّة.
معامل تصنيع وتجميع وتطوير الصّواريخ البالستيّة في مدينة شيراز وغيرها.
إحباط أكثر من عمليّة خلال النّهار لإطلاق صواريخ بالستيّة. وهذا ما يُفسّر تأخّر الرّدّ الإيرانيّ لحوالي 15 ساعة.
تشير التّقديرات إلى أنّ إيران تمتلكُ ما بين 3,000 إلى 5,000 صاروخ بالستيّ. ولذا استهداف هذا المخزون وإجبار إيران على استعمال جزء وازن في عمليّة الرّدّ، مع القدرة الإسرائيليّة على اعتراض 90% من مجموع الصّواريخ المُطلقة، يعني أنّ إسرائيل تهدف إلى استنزاف هذا المخزون، خصوصاً أنّ الطّائرات المُسيّرة الإيرانيّة لا تُعتبر سلاحاً فعّالاً ضدّ إسرائيل إذا ما أُطلقت من الأراضي الإيرانيّة وليسَ من مسافةٍ قريبةٍ مثل لبنان أو سوريا.
لهذا عمِلت تل أبيب على ضرب مصانع التطوير والتجميع لإجبار طهران على استعمال المخزون. وإذا استمرّت المواجهة أسبوعيْن أو أكثر كما قدّرها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، يُمكن القول إنّ إيران قد تكون باتت خالية أو شبه خالية من الصّواريخ البالستيّة التي يُمكنها الوصول إلى إسرائيل. إذ إنّ قدرة التصنيع الإيرانيّة في حال كانت المعامل تعمل بشكلٍ طبيعي لا تتجاوز 75 صاروخاً في الشّهر حدّاً أقصى.
في هذه الحالة يُصبح النّظام الإيرانيّ بلا مخالب، وهو ما يعني أنّ مصيره باتَ مُهدّداً ما لم يُقدِم المُرشد علي خامنئي على تجرّع كأس السّمّ، أسوةً بسلفه روحِ الله الخُمينيّ، والقبول بالمقترحات الأميركيّة الرّامية لنزع القدرة النّوويّة الإيرانيّة.