كيف يؤثر نقل الاخبار الملفقة في الوضع الاقتصادي في لبنان؟
من الضروري نشر الوعي حول كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ آمنٍ ومسؤولٍ
مارينا عندس - "الديار"
في الوقت الذي يسعى فيه العالَم جاهدًا للوصولِ إلى الحقيقة، نُواجه اليوم تحدّيًا في معرفتها بسبب انتشار الأخبار المُلفقة أو ما يعرف بالـ Fake news. ومن دون أيّ تبريرٍ أو سابق إنذار، تساهم بعض وسائل الإعلام في نشر الأخبار المُلفّقة، إمّا بهدف التّشويق ولفت الانتباه، وإمّا بهدف التّحريض والكراهيّة. ولطالما استُخدمت هذه الأنواع من الأخبار، لتحقيق مكاسب سياسيةٍ واقتصاديةٍ في الحياة العامة بواسطة نشر خطابٍ معادٍ موجّه ضد الطرف الآخر. ولأنّ خطاب الكراهيّة يضعف المجتمعات ويدمّرها، كما يعمل على زرع بذور الخوف والكراهية وانعدام الثّقة في نفوس أفرادها، بات من الضّروري إصلاح النّسيج الإعلامي والحدّ من نشر الأخبار الملفقة بهدف مكافحة خطاب الكراهيّة والحدّ منه.
في لبنان، شهدت الأزمات المتعدّدة الأوجُه، تسارعًا وتفاقمًا في الأحداث، سيطرت على مختلف السرديّات في الخطاب الإعلامي كما صعّدت حدّة التوتر في بعض المناطق. وقد قدّرت اليونيسف أنّ أكثر من نصف السكّان باتوا الآن يعيشون تحت خط الفقر وأنّ "مشاكل وباء كوفيد-19، وتفجيرات آب 2020 في بيروت، وانعدام الاستقرار، قد اجتمعت كلها لإيجاد ظروف أسوأ مما كانت عليه حتى أيام الحرب الأهلية بين 1975 و1990". وتزايدت المخاوف الأمنية في مناطق مختلفة، مع تفاقم التوتّرات حتى مستويات خطرة، وِفق ما عكسته الاشتباكات بين سكان باب التبانة في طرابلس والجيش اللبناني. لذلك، أصبح وبشكلٍ حتميٍ، التّحريض على العنف جزءًا لا يتجزأ من محتوى مواقع التّواصل الاجتماعي. وفي ظل استمرار التّوتر في عالمنا العربي لا سيّما لبنان، حتمًا ما سيؤثر ذلك في مضمون ما يُبثّ عبر شاشاتنا وما يكتب عبر مواقعنا الإلكترونيّة وجرائدنا.
الجهات التي تروّج للأخبار المُلفقة
غالبًا ما تكون الظّروف هي المُساعدة الاولى لانتشار الأخبار المُلفّقة. فمثلًا تزداد تلفيق الاتهامات والإشاعات خلال فترة الأزمات لأنّ معظم النّاس تكون مُربَكة وقادرة على تصديق أيّ شيءٍ. فخلال الأزمات الاقتصادية، تؤدي الأخبار المُلفّقة نهجًا في تخويف المواطنين، وجعلهم يشعرون بالقلق المُستمرّ والارتباك ما يؤثّر في نفسياتهم ويبدؤون بتصديق ما يُقال، خصوصًا إذا كانت هذه الأخبار منتشرة عبر مواقع التّواصل الاجتماعي.
اقتصاديًا: في الكثير من الأحيان، تحمل الأخبار المُلفّقة طابع التوقّع المستقبليّ، كتوقّع ما ستؤول إليه الحالة الاقتصادية في البلاد، ما يثير الذّعر والخوف في نفوس النّاس ويبدؤون بتصديق أيّ خبرٍ يُكتب. وهُنا، لا تؤدي الأخبار المُلفّقة دورًا مهمًا في إقناع الجمهور خلال فترة الأزمات فقط، إنّما تكون في كثير من الأحيان لاعبةً بنفسها في خلق أزمةٍ جديدةٍ من خلال نشر الخوف والقلق لدى النّاس، تمامًا مثل أزمة الدّولار وهبوط العملة الوطنية أمامها. بدأت يومذاك بعد التطبيقات الزائفة بإلإدلال بأرقامٍ خاطئةٍ حول سعر صرف الدّولار الرسمي، رغم أنّه كان خاطئًا. وبات الاعتماد على هذه التطبيقات الزائفة لفترةٍ مهمةٍ إلى أن أصبحت هي نفسها صانعة الأخبار المُلفّقة. فهي التي كانت تقوم بتحديد سعر الصّرف في دولار السّوق السّوداء. وبحسب ما أكدّه مصدر خاص للدّيار، "معظم الأزمات الاقتصادية في البلد، تبدأ بكذبة وتنتهي بكذبة". وأكّد خبير اقتصادي رافضًا الإدلاء باسمه، أنّ "الحرب كانت وليدة الثورة، والثورة كانت وليدة الأزمة الاقتصادية، والازمة الاقتصادية كانت وليدة دفع رسوم إضافية على الواتساب، وهي في الأساس كانت كذبة. لذلك، أي خبر مزيف يمكنه أن يدمّر واقعنا الاقتصادي بشكل أو بأخر". ولفت إلى أنّ "معظم التطبيقات التي باتت ترفع الدولار إلى أرقام جنونية، تم تصديقها بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كانت تدّعي وقتذاك أن لا سقف للدولار. فتم تصديق الكذبة وبتنا في مأزق حقيقي".
سياسيًا: لا يمكن اختصار الأزمات بالأزمات الاقتصادية طبعًا، لأنّ معظمها تبدأ خلال المنافسات الرئاسية والانتخابية وغيرها. ففي زمن الانتخابات (مهما يكن نوع الانتخابات الحاصلة: اختياريّة، بلديّة، نيابيّة، رئاسيّة..) تظهر الأخبار المُلفّقة بأكثر من مستوى على الصعيد المحلّي والعالمي. وتزداد حينئذ الأخبار المُلفّقة لتصل إلى ذروتها، محققةً مكاسبها خلال هذه الفترة الحساسة. وتكون الجهات وهميّة، مثل المواقع المؤيّدة لرؤساء أحزاب أو بلديات أو مخاترة أو نوّاب بهدف تطبيق أجنداتها، أو عبر وسائل الإعلام. أو بعض الجهات الإستخباراتية أو الدّولية، التي توظّف هذه الأخبار ضمن ما يُسمّى "حرب معلومات" لزعزعة استقرار خصومها أو الأثير على قضايا دوليّة. وأحيانًا كثيرة، يكون الخبر الملفّق الواحد، كفيلًا لاشتعال حربٍ بأكملها.
لذلك، فإنّ غياب التحقق من المصادر لدى الجمهور في لحظة خوف، يكون قادرًا على انتشار الأخبار الملفقة، تصديقها، وإعادة نشرها أكثر فأكثر لتصبح ككرة الثلج تنمو شيئًا فشيئًا.
على الرغم من محاولات بعض المنصّات مواجهة الأخبار المُلفّقة والمسيئة، ولكن لا تزال بعض الأخبار تنتشر بسهولة مثل حملات التضليل الإعلامي والصّحي. وتقوم منصّاتٍ عديدةٍ مثل فيسبوك ويوتيوب بوضع سياساتٍ للمحتوى، مثل منع مشاهد السلاح أو لقطات للتدخين أو مشاهد دموية، لكنّها تظل تعتمد على خوارزميات ذكية تكافح المُحتوى الضّار، ممّا يعني أن بعض المحتوى يُفلت من الرّقابة. لذلك، من الضروري نشر الوعي حول كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ آمنٍ ومسؤولٍ، مع ضرورة زيادة الرقابة الحكومية وفرض قوانين أكثر صرامة على مواقع التواصل الاجتماعي والتعاون بين الحكومات ومزوّدي خدمات الإنترنت لتطبيق قوانين أفضل وأكثر فعاليةٍ.