رسالة من عون إلى القوّات
تتصرّف الحكومة على أساس أنّ الانتخابات النيابية المقبلة هي الاستحقاق الأهمّ في أجندتها
ملاك عقيل - اساس ميديا
ثمّة أجندة داخلية تحاول السلطة في لبنان التزام تنفيذ أولويّاتها وسط حرب “العملاقين” فوق رأسها. أصرّت الحكومة على إقرار التشكيلات الدبلوماسية في ظلّ حالة الحرب في المنطقة، وفتحت في جلستها الأخيرة رسميّاً ملفّ تعديل قانون الانتخاب، فيما تستعجل ما بقي من تعيينات بالأصالة قبل أن ينقطع “حَبلها” بفعل الخلافات السياسية عليها.
عَلم موقع “أساس” أنّ مجلس القضاء الأعلى يعقد اجتماعات متتالية، بشكل غير مسبوق، لإعداد التشكيلات القضائية، ورفعها إلى وزير العدل، في مدّة زمنية قصيرة نسبيّاً بعدما اكتملت الإجراءات القانونية التي تتيح فتح هذه الورشة، ومن ضمنها أداء القضاة الجدد القسَم أمام رئيس الجمهورية.
لكنّ التحدّي الأكبر، قبل ذلك، هو تمرير التعيين الأخير، على لائحة التعيينات القضائية، بعدما أقرّ مجلس الوزراء في جلسته الماضية تعيين القاضي جون قزّي رئيساً لهيئة التشريع والاستشارات، فيما بقي موقع المدّعي العامّ المالي شاغراً، الذي تشغله بالإنابة حاليّاً القاضية دورا الخازن.
حتّى الآن لا يزال الخلاف قائماً بين الرئيس نبيه برّي ووزير العدل عادل نصّار على الاسم الذي يُحاذر رفعه إلى مجلس الوزراء قبل إتمام التوافق السياسي عليه. من جهته، يحاول رئيس الجمهورية حلّ هذه العقدة كي لا تكون لها تأثيرات على مسار عمل الحكومة والتضامن الوزاري.
على هامش إقرار التشكيلات الدبلوماسية كانت الصالونات السياسية تتداول اسم الخاسر الأكبر في هذه التشكيلات، وهو النائب جبران باسيل، الذي كان خارج اللعبة تماماً، في الشكل والمضمون، بعدما خسر فريقه السياسي عدّة مراكز نفوذ في الخارج، وهو ما سيترجم أيضاً في التشكيلات القضائية المقبلة.
قانون الانتخاب
في جلسة يوم الإثنين أُعلن تأليف لجنة صياغة مؤلّفة من ستّة وزراء، برئاسة نائب رئيس الحكومة طارق متري، لاقتراح التعديلات المطلوبة على قانون الانتخاب. تُعتبر هذه الخطوة الأولى من جانب السلطة التنفيذية لوضع قانون الانتخاب على النار، بعدما باتت التعديلات أمراً مُحتّماً، والهامش يقتصر على سقفها، خصوصاً أنّ بند اقتراع المغتربين سيكون الأهمّ لأنّه سيفرز الحكومة ومجلس النوّاب بين جبهتين: مع تصويت المغتربين لـ 128 نائباً، أو للنوّاب الستّة في القارّات.
على الرغم من هاجس اندلاع حرب شاملة في المنطقة، بفعل المواجهة العسكرية بين تل أبيب وطهران، تتصرّف الحكومة على أساس أنّ الانتخابات النيابية المقبلة هي الاستحقاق الأهمّ في أجندتها، الذي تزنّره للمرّة الأولى قنابل موقوتة مرتبطة بالتأخّر المحتمل في إعادة الإعمار، ومصير “الحزب” نفسه تحت وطأة الضغوط الدولية لتسليم سلاحه، وعدم انسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة المحتلّة والاستمرار في انتهاكاتها اليومية لاتّفاق وقف إطلاق النار، وربّما توسيع نطاق احتلالها لمناطق جنوبية في ضوء نتائج المواجهة على خطّ إسرائيل – طهران.
شهدت جلسة اللجنة النيابية الفرعية المكلّفة مناقشة قانون الانتخاب في جلستها الثانية في 11 حزيران الجاري، نموذجاً عن العراك السياسي الذي سيُظلّل النقاش في تعديلات قانون الانتخاب داخل الحكومة، والذي قد يؤدّي إلى زعزعة استقرارها، وأيضاً تحت قبّة البرلمان الذي سيشهد مواجهة قاسية في شأن تعديلات قانون الانتخاب.
رسالة مشفّرة
يبدو، في هذا السياق، أنّ الحكومة بدأت تدخل فعلاً مدار التجاذبات الداخلية، وكانت لافتةً إشارة رئيس الجمهورية الإثنين، ضمن البيان الرسمي المُعلن عبر وزير الإعلام، إلى “ضرورة اتّخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء، الذي هو منصّة للنقاش واتّخاذ القرارات، وذلك بعد مناقشتها وإقرارها بالتوافق أو بالأكثريّة”، مؤكّداً ضرورة “محافظة الوزراء على التضامن الوزاري، فالجميع ملزم بالوقوف إلى جانب القرارات التي تُتّخذ في مجلس الوزراء، لا سيّما أنّ الأكثريّة تكون موافقة عليها في الحدّ الأدنى إن لم يحدث توافق، والاعتراض على أيّ من القرارات يجب أن لا يؤدّي إلى عرقلة المشاريع”.
في هذا السياق، عَلم “أساس” أن رسالة عون استهدفت سمير جعجع، بعد تقديم “القوات اللبنانية” طعناً بالقرارين الصادرين عن مجلس الوزراء، وأحدهما عن وزير الطاقة بوكالة الوزيرة تمارا الزين، في شأن رفع سعر المحروقات وتجميده عند مستويات مرتفعة، بالرغم من التوافق السياسي المسبق على القرار، بما في ذلك القوات التي لم ترفع الفيتو على القرار من خلال باقي الوزراء المحسوبين عليها في الحكومة.
حلف عون – برّي
عمليّاً، سيُشكّل ملفّ قانون الانتخاب ساحة لاختبار متانة التقارب بين الرئاستين الأولى والثانية، في ظلّ علاقة أكثر من جيّدة تربط راهناً الرئيسين عون وبرّي، واستطراداً ستتّجه الأنظار إلى موقف رئيس الجمهورية من رفض الثنائي أمل و”الحزب” لمشاركة المغتربين في الاقتراع لـ 128 نائباً في ظلّ أوضاع دولية باتت أصعب بكثير على الجاليات التي تدور في فلك هذا الثنائي.
الخلاف على التعديل الأهمّ في قانون الانتخاب تَلفَحه الحسابات المسيحية في ظلّ تأييد قوى مسيحية ونوّاب التغيير ومستقلّين لإلغاء مادّة اقتراع المغتربين للمُرشّحين في القارّات الستّ (يصبح عدد أعضاء مجلس النوّاب 134)، والإبقاء على فتح السفارات والقنصليّات في دول العالم لكي يشارك المغتربون في التصويت للنوّاب الـ 128، كما حصل عامَي 2018 و2022، وكان عُلّق العمل ببعض موادّ القانون 44/2017، لمرّتين متتاليتين، من ضمنها اقتراع المغتربين، على أن يتمّ العمل بها مجدّداً في انتخابات 2026.
تعديلات محدودة؟
إذاً وفق صيغة القانون الحالي، يُفترض أن يُصوّت المغتربون لنوّاب القارّات الستّ. وهذا ما يجهد الثنائي الشيعي للالتزام به، أو ترك الحرّية لهؤلاء بالقدوم إلى لبنان والتصويت في بلداتهم، خصوصاً بعدما أدّى تصويت المغتربين في الاستحقاقين الماضيَين إلى التأثير بشكل سلبي على نتائج صناديق الاقتراع، في ظلّ انخفاض عدد المشاركين في التصويت، من المؤيّدين للثنائي، في العديد من دول الخليج وأوروبا وأميركا، خوفاً على مصالحهم، إضافة إلى صعوبة القيام بالحملات الانتخابية في العديد من هذه الدول.
أمّا النائب جبران باسيل صاحب براءة اختراع تصويت المغتربين للنوّاب الستّة في قارّات العالم، فيتمسّك به، وإلّا فالذهاب نحو خياره المفضّل “القانون الأرثوذكسي”.
تقول مصادر نيابية لـ “أساس”: “على الرغم من محاولة أفرقاء سياسيّين إغراق المجلس بقوانين الانتخاب، بقي التوجّه نحو التركيز على ثلاث نقاط أساسية”:
– تصويت المغتربين.
– البطاقة الممغنطة. وثمّة تسليم رسمي بصعوبة إقرارها في المدّة الزمنية القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات وهو السبب الدائم لعدم تنفيذها، بعد أقلّ من 11 شهراً. أمّا الميغاسنتر فيمكن اعتمادها وفق “النموذج البلديّ”، من دون ربطها بمسألة البطاقة المُمغنطة.
– صعوبة إدخال تعديلات على الدوائر، مع نقاش مفتوح حول الصوت التفضيلي وحفّة الحدّ الأدنى لنجاح أيّ مرشّح بالصوت التفضيلي تفادياً لانتخاب بعضهم بعشرات الأصوات، فيما صوت الرئيس نبيه برّي يُلعلِع: “هذا قانون مسخ، ويجب تعديله”.