السلاح الفلسطيني خط الدفاع الأول عن سلاح حزب الله؟
ليست هذه المرة الأولى التي يُكرّر فيها محمود عباس مواقفه بشأن تسليم السلاح
غادة حلاوي - المدن
تداعت فصائل فلسطينية عدة، لمناقشة تداعيات زيارة الرئيس محمود عباس، وما شهدته المباحثات اللبنانية الفلسطينية خلالها، وما نتج عنها. الموضوع ليس سهلًا، والسؤال المطروح: أيّ مخيم سيقدّم سلاحه؟ وما الضمانات التي ستُمنح للفصائل الفلسطينية على اختلافها؟ وهل ستُقدَّم هذه الضمانات إلى المجلس الوطني أم إلى لجنة التنسيق؟
مصدر معنيّ بالشأن الفلسطيني لم يجد توصيفًا أدقّ لزيارة عباس من اعتبارها "زيارةً فلكلوريةً"، مستغربًا ما أُثير حول اتفاقٍ على سحب السلاح الفلسطيني.
وبينما كان عباس يجول على المقارّ الرئاسية في لبنان، مغدقًا وعوداً مشكوكاً في قدرة سلطته على تنفيذها، شكّل الإعلان عن موعد زمني لسحب السلاح من المخيمات صدمةً للفصائل التي وجدت نفسها خارج الاتفاق الذي تم خلال الاجتماع الأول للّجنة المشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان.
في "توقيت ملتبس"، وبينما "تعاني غزّة من تصعيد متواصل"، وصل محمود عباس إلى لبنان، في خطوة رأت فيها فصائل فلسطينية عدة، محاولةً لاستغلال الظرف الإقليمي لحجز موقع للسلطة، في ظلّ الضغوط على حركة حماس.
تجربة صبرا وشاتيلا
وتعهّد عباس بتسليم أمن المخيمات للدولة اللبنانية، وسحب السلاح لا يعني بالضرورة أنّه يملك مفتاح هذا السلاح، أو أنّ له سلطةً فعليةً على الفصائل، خصوصًا "حماس" و"الجهاد الإسلامي". نتحدث هنا عن سلاحٍ تتمسك به فصائل مثل "حماس"، التي وإن لم تمانع تسليم أمن المخيمات للدولة اللبنانية، ترى نفسها شريكًا أساسيًا في أيّ حوار حول السلاح. فمع تجربة صبرا وشاتيلا، الحاضرة في الذاكرة، وفي سياق ما تواجهه في غزّة، يصعب تصوّر أن تتنازل الفصائل عن أوراق قوتها بهذه السهولة.
ليست هذه المرة الأولى التي يُكرّر فيها محمود عباس، مواقفه بشأن تسليم السلاح. منذ عام 1948، لا يزال الفلسطيني لاجئًا مؤقتًا في لبنان. انتهى زمن العمل العسكري الفلسطيني في لبنان عام 1982. كما أُلغي "اتفاق القاهرة" عام 1987، وتوافقت القوى السياسية في "حوار 2006"، على إنهاء السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها.
وشكّلت معركة نهر البارد إنذاراً واضحاً بخطر انتشار السلاح، فطُرحت المسألة مجددًا. ومنذ ذلك الحين، تتكرّر الاجتماعات والوعود بتسليم السلطة اللبنانية زمام الأمور الأمنية في المخيمات، من دون أن تتحقق فعليًا، وسط واقع تزداد مأساته يومًا بعد يوم، وفقدت فيه السلطة الفلسطينية حضورها الفعلي داخل المخيمات.
وتعبّر الفصائل عن شكوكها تجاه توقيت طرح ملف السلاح، وتعتبر أنّ تفجير الوضع الأمني في مخيم شاتيلا، قد يكون مقدّمة مقصودةً لإعادة طرح الموضوع، في إطار "كلمة سرّ دولية" تستهدف استكمال الضغط على "حماس" والفصائل غير المنضوية في إطار السلطة.
المتحدث باسم حماس، جهاد طه، نفى في حديث إلى "المدن"، امتلاك الحركة أيّ معطيات حول ما أُعلن عن سحبٍ للسلاح مقرون بجدول زمني، مؤكدًا أنّ الحركة اعتادت، منذ 77 عامًا على اللجوء، على مواجهة مؤامرات تستهدف اللاجئين وفرض التوطين، وقال: "مشروعنا هو حق العودة، وليس لدينا أيّ مشروع بديل".
وفور الإعلان عن موقف سحب السلاح، اجتمعت فصائل فلسطينية عدة لمناقشة ما جرى في زيارة عباس، وتداعيات المباحثات التي طُرحت، انطلاقًا من قناعتها بأنّ الموضوع ليس هيّنًا.
وتشير المصادر، إلى أنّ سحب السلاح، في مراحله الأولى، يستثني "حماس"، في انتظار أن تُستكمَل المفاوضات بشأنها عبر دول معنية. وقد أبلغ مصدر أمني بعض الفصائل التي استفسرت عن موقف حماس خلال المباحثات بأنّ "حماس علينا".
واستنادا إلى ما يطرح بشأن سحب السلاح، يتبادر إلى الأذهان سؤال مفاده: من يقاتل دفاعًا عن الفصائل التي تسلّم سلاحها إذا ما وقع خلاف بينها وبين "حماس" أو غيرها مثل القوى الإسلامية المتشددة؟ الجيش اللبناني؟
حماس آخر من يعلم
ويُبدي جهاد طه، حرص "حماس" على أمن لبنان واستقراره كما المخيمات، معتبرًا أن الأمن كلٌّ لا يتجزأ. وقال في تصريحه: "نحن في حماس حريصون على المعادلة اللبنانية–الفلسطينية، وكنا نأمل أن تكون هناك رؤية فلسطينية موحّدة تُعرَض على الرئيس جوزاف عون، تأخذ بالاعتبار الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية والحقوقية. لكن ما جرى في لقاء عباس والبيان الصادر عنه، لا يعبّران عن وحدة الموقف الفلسطيني، الذي اعتدنا التعبير عنه عبر هيئة التنسيق اللبنانية–الفلسطينية ولجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني".
كما نفى طه، وجود مراكز عسكرية لحماس داخل المخيمات، مشددًا على أن هناك مراكز اجتماعيةً وخدماتيةً فحسب، وأنّ الحركة جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وهي معنية بالتواصل مع الدولة اللبنانية بروح من المسؤولية.
وأضاف: "في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان والخروقات المتكرّرة، نؤكد وقوفنا إلى جانب لبنان ونقدّر تضحياته في دعم القضية الفلسطينية".
اقتناص الفرصة
وفي حين لم يُعلن المسؤولون الفلسطينيون الرسميون ذلك بوضوح، تكشف مصادر مطّلعة على موقف "حزب الله"، أنّ طرح مسألة سلاح المخيمات يهدف، برأيها، إلى اقتناص فرصة الضغط الدولي على حماس وغزّة، تمهيدًا للانتقال إلى طرح سلاح "حزب الله". وتعتبر المصادر أنّ المسارعة إلى طرح مسألة السلاح الفلسطيني في هذا التوقيت، تسعى إلى نزع الذرائع من "حزب الله"، على الرغم من أنّه يعتبر نفسه ملتزمًا بتطبيق القرار 1701، وسلّم سلاحه في كامل منطقة جنوب الليطاني. وعليه يتساءل كثرٌ: هل يكون الدفاع عن السلاح الفلسطيني خطّ الدفاع الأوّل عن سلاح حزب الله؟
مصادر لبنانية ذهبت أبعد في التساؤل عن أهداف زيارة أبو مازن، وعما إذا كان ينفذ مطلبًا أميركيًا يتعلق بالسلاح، ما قد يتسبب بصدام بين الفلسطينيين والجيش. وكيف لدولة عاجزة عن تحرير أرضها أن تؤمن حماية للمخيمات، لتبدي في الوقت ذاته تخوفًا من مشروع فتنة يرتبط بموضوع السلاح في لبنان، خصوصًا وأن طرحه لم يأخذ في الاعتبار موقف حماس بالنظر للعلاقة السيئة مع محمود عباس منذ موقفه السلبي حيالها خلال معركة طوفان الأقصى.