تعويضات نهاية الخدمة معلّقة... والضمان يرفض الاعتراف بقانون الموازنة
آن الأوان كي تتدخل الحكومة لحل الأزمة
رنى سعرتي - "نداء الوطن"
يحجم الضمان الاجتماعي عن تسديد تعويضات نهاية الخدمة متذرّعاً بعدم قيام أصحاب العمل بتسديد تسويات نهاية الخدمة، علماً أن القانون يلزم الضمان بالتسديد للمواطنين أوّلاً على أن يعالج لاحقاً مشكلته مع أصحاب العمل لأن المضمون ليس طرفاً في التباين القائم بين أصحاب العمل والضمان.
لا يزال ملف تعويضات نهاية الخدمة يواجه تعقيدات كبيرة ويسبّب ضرراً أكبر على فئة العمّال أوّلًا، وعلى أصحاب العمل ثانياً، الذين تترتّب عليهم أعباء إضافيّة تجاه الضّمان، في حين لم يخرج المعنيّون بهذا الملف، بإقرار تسوية عادلة لتعويضات نهاية الخدمة.
الفئة الأولى من التعويضات التي تنتظر تسوية قيمتها، تتعلّق بالمضمونين الذين سحبوا تعويضاتهم في الفترة من 2019 لغاية نيسان 2024 والذين يبلغ عددهم حوالى 70 ألف شخص، أخذوا تعويضا زهيداً بعد أن فقدت الليرة 90 في المئة من قيمتها، وهم الفئة التي وافقت لجنة العمل والصحة والشؤون الاجتماعية على منحهم 50 % من قيمة تعويضاتهم التي كان من المفترض أن يتقاضوها على سعر الصرف الحقيقي، وأحالت الملف إلى رئاسة المجلس النيابي.
ولكنّ المعضلة اليوم تكمن في مصادر تمويل كلفة هذه التسوية في حال اعتمادها، حيث كان النائب فيصل كرامي تقدّم باقتراح قانون لإعادة النظر بتعويضات نهاية الخدمة، يقضي بإعادة تكوين تعويض نهاية الخدمة للعمال الخاضعين لقانون العمل، في القطاع الخاص وفي المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي تخضع لقانون العمل، أو في المؤسسات العامة التي تخضع لقانون الضمان الاجتماعي، الذين تركوا العمل ابتداءً من تشرين الأول 2019 وذلك عبر مضاعفة هذا التعويض 30 مرة، باعتبار أن انهيار العملة بلغ 60 مرة (من 1500 ليرة إلى 90000 ليرة) وعليه يتم التعويض عن 50 في المئة من قيمة الانهيار. وأقرّته لجنة العمل والصحة معدّلاً على أن تتولى الدولة اللبنانية دفع 50 % فارق التعويضات بعيداً من مالية الضمان، والهيئات الاقتصادية الجزء الآخر (50 في المئة).
في هذا الاطار، رأى رئيس جمعية الصناعيين سليم الزّعني أن أصحاب العمل مستعدّون للمشاركة في تسوية تلك التعويضات ولكن ليس بالنسب المطروحة، معتبراً أن المعضلة الأكبر تكمن في معالجة أوضاع الفئة الثانية من المضمونين والتي تتعلّق بمن لم يسحب تعويضاته ويمتدّ تاريخ خروجه من الخدمة لغاية نهاية العام 2023 والبالغ عددهم 450 ألف شخص، حيث هؤلاء هم الفئة المتعرّضة للغبن والتي يجب إيجاد تسوية لها تستعيد فيها قيمة تعويضاتها الفعلية، مشيراً لـ"نداء الوطن" إلى اقتراح قانون كانت الهيئات الاقتصادية قد وافقت عليه وتم سحبه لاحقاً لأسباب مجهولة، ينصّ على إنصاف هؤلاء عبر احتساب قيمة راتبهم الشهري قبل العام 2019 على سعر صرف 1500 ليرة مقابل الدولار، وخفضه إلى النصف (50 %) على أن يتحمّل تمويل قيمة التعويض النهائي بعد احتساب عدد سنوات الخدمة، أصحاب العمل بنسبة 44 % و الضمان بنسبة 56 %. أي أن الموظف الذي كان يتقاضى راتباً قبل العام 2019 بقيمة مليون ونصف ليرة سيتم احتسابها على أنه كان 1000 دولار، وسيتم تخفيضه إلى 500 دولار وتحويله إلى الليرة على سعر الصرف الحالي. علماً أن رئيس لجنة العمل والصحة بلال عبد الله أكد لـ"نداء الوطن" أنه لا يوجد اي اقتراح قانون بهذا السياق، ولن تقرّ اللجنة أي اقتراح يتعلّق بتعويضات ما بعد العام 2023 والتي تحتسب على سعر الصرف الحالي، معتبراً أنها لا تشكل غبناً للمضمونين بعد تعديل الحد الأدنى للرواتب وفي حال كانت المؤسسات تصرّح فعلاً عن الرواتب الحقيقية لعمالها وليس الحدّ الأدنى.
وشدد الزعني على حرص أصحاب العمل على إعطاء العمال حقهم كاملاً، وعلى ضرورة إيجاد حلّ ينصفهم بطريقة منطقية، وليس عبر الزام أصحاب العمل، كما يطالب الضمان اليوم، بتسديد فارق اشتراكات الضمان عن كامل سنوات الخدمة السابقة للعمال بين الراتب القديم على سعر صرف 1500 ليرة والراتب الجديد على سعر الصرف الحالي. أي على سبيل المثال، إذا كان الموظف يتقاضى راتباً بقيمة 1000 دولار قبل الأزمة ومسجلاً بالضمان بـ 1,5 مليون ليرة، وأصبح اليوم يتقاضى راتباً بقيمة 30 مليون ليرة، يجب على أصحاب العمل تسديد فارق اشتراكات كامل سنوات الخدمة منذ بدئها، وفقا للراتب الجديد عند 30 مليون ليرة! وهو الأمر الذي أكد الزّعني انه غير منطقي ويكبّد أصحاب العمل مليارات الدولارات علماً أن أصحاب العمل سددوا متوجباتهم كاملة ولا علاقة لهم بكيفية تبديد أموال الضمان أو انهيار سعر الصرف وليسوا مسؤولين عن ذلك لتحمّل كافة الأعباء، بل هم مستعدّون للتسوية المطروحة آنفاً بدلاً من ذلك، مشيراً إلى أن المادة 18 من قانون موازنة 2024 نصّت على تعليق تصفية التعويضات إلى حين صدور قانون يرعى تسويتها، وهو لا يزال ساري المفعول.
وذكّر الزّعني بصدور قانون في 2021 يحدد أن أموال الضمان هي دين سيادي ممتاز، كما أشار قانون إعادة هيكلة المصارف إلى أن أموال الصناديق الضامنة هي ديون مستحقة بقيمتها الحقيقية، "وبالتالي لماذا يطالبنا الضمان بإعادة تسديد الأموال التي سبق أن دفعناها ومعترف بها؟"
وفيما لفت إلى أن قيمة أموال تعويضات نهاية الخدمة كانت تبلغ 7.5 مليار دولار لدى الضمان وكانت هناك 3,5 مليار دولار مستحقة على الدولة اللبنانية للضمان، سأل: هل تبددت تلك الأموال؟ هل أرباب العمل لم يسددوا حصصهم منها؟ هل إن المؤسسات هي التي بددت تلك الأموال وأودعتها في سندات الخزينة واليوروبوندز؟
وفي الختام، أكد الزّعني أن حلّ هذه المعضلة يحتاج إلى حوار بين كافة الأطراف المعنيّة ليصار على أثره إلى صدور قانون ينصف الموظفين أوّلاً ويحدد التسويات المطلوبة لمعالجة الأزمة القائمة.
رواتب الدولار كارثة
إذا كان ملف تعويضات نهاية الخدمة بالليرة تحول إلى أزمة تنتظر المعالجة، فان ما يجري على مستوى رواتب الموظفين بالدولار، أو بأية عملة أجنبية أخرى، تحول إلى كارثة حقيقية. إذ إن الضمان لا يريد أن يعترف بالاشتراكات التي سددتها المؤسسات عن موظفيها الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، على مدى السنوات الماضية قبل الانهيار وبعده.
ويصرّ الضمان على احتساب ما تم تسديده من قبل المؤسسات على أساس سعر الصرف الحالي. بمعنى أنه يقسّم مجموع ما دفعته المؤسسات عندما كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، على سعر الصرف الحالي. وبناء على النتيجة يطالب المؤسسات بتسديد الفارق.
هذه الحسبة ترفضها المؤسسات على اعتبار أنها عندما كانت تسدد اشتراكاتها كان سعر الدولار 1500 ليرة، ولا يمكن تذويب هذه الأموال، ومطالبة المؤسسات بإعادة دفعها مرة ثانية. وعلى سبيل المثال، فإن موظفاً كان يتقاضى طوال عشرين عاماً الفي دولار بالشهر، وقد سددت المؤسسة التي يعمل فيها الاشتراكات طوال سنوات خدمته، الاشتراكات المتوجبة، فإن الضمان يطالبها اليوم بتسديد فروقات سعر الصرف التي تصل إلى آلاف الدولارات.
هذا الواقع يهدد مصير المؤسسات العاجزة عن إعادة دفع الاشتراكات رغم أنها سبق ودفعتها. وقد تفهم المجلس النيابي هذه الأزمة، وأصدر القانون 18 ضمن قانون موازنة 2024، والذي ينص على تجميد دفع الاشتراكات بانتظار معالجة هذه المعضلة. لكن المفارقة المستغربة أن الضمان الاجتماعي يرفض الخضوع لهذا القانون ويتمرّد عليه، ويقول للشركات التي تراجعه إنه لا يعترف بهذا القانون!
هذه المعضلة تحتاج أيضاً إلى حل، خصوصاً أن بعض الشركات توجهت نحو القضاء، وجرى تجميد إنهاء معاملات موظفين ينتظرون للحصول على تعويض نهاية الخدمة. وبالتالي، صار لزاماً على الحكومة أن تدخل على الخط لمعالجة ملف تعويضات نهاية الخدمة برمته، ضمن تسوية منطقية وعادلة، تضمن حقوق الموظف أولاً، وتحمي المؤسسات من خطر الإفلاس ثانياً، ولا تقصم ظهر الضمان ثالثاً لكي يبقى قادراً على الاستمرار. ومثل هذه المعادلة ليست مستحيلة، إذا توفرت النية، وباشر المسؤولون العمل عليها.