ثنائي التهدئة وثنائي التصعيد: عون وبري لترسيخ الحوار... وسلام وجعجع لتغليب التشدّد
رئيس الجمهورية يعالج الملف بحكمة وصمت وروية وكل استفزاز يعيق مساره
محمد بلوط - "الديار"
المرحلة الصعبة والخطيرة التي يمر فيها لبنان، تفترض بالدرجة الاولى توحيد الخطاب السياسي عموما والرسمي خصوصا، في التعاطي مع الملفات والاستحقاقات الاساسية والحساسة، لكن من يرصد المواقف لا سيما الاخيرة، يلمس من دون عناء بروز خطين مختلفين في الخطاب والتعاطي مع هذه الملفات:
- الاول يعتمد العقلانية والتهدئة والحوار، مجسدا بمواقف رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي جوزاف عون ونبيه بري .
- الثاني انفعالي ونافر ومتوتر احيانا، برز في مواقف رئيس الحكومة نواف سلام مؤخرا، ويتكرر على لسان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في كل المناسبات .
في الخطاب الاول، لم يترك الرئيس عون مناسبة في العلن، او في اللقاءات الديبلوماسية وزياراته الخارجية، الا وحرص على التأكيد والتشديد على وجوب التزام «اسرائيل» بتنفيذ اتفاق وقف الاعمال العدائية، مكررا الطلب من الادارة الاميركية الضغط على الطرف «الاسرائيلي» للالتزام بالاتفاق، ووقف انتهاكه له والانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة واعادة الاسرى. وفي موضوع سلاح حزب الله، حرص الرئيس منذ البداية على اعتماد الحوار لمعالجته، خارج منطق القوة والاكراه .
وفي حديث لـ «سكاي نيوز» العربية في آخر نيسان الماضي قال رئيس الجمهورية: «انه عندما يكون هناك اتفاق بين طرفين، يتوقع منهما ان يحترما توقيعهما، وان الجيش اللبناني يقوم بواجبه كاملا جنوبي الليطاني، وقد انجز نحو 80 او 85 بالمئة من مهمته تلك». واكد على انه «يعمل بما يمليه عليه ضميره ومصلحة لبنان العليا، وان التحكم في كل المواضيع هو السلم الاهلي، واي مشكلة في الداخل لا تقارب الا بالحوار والتواصل مع الآخرين تحت سقف الدولة التي تحمي الجميع».
وحرص عون على التذكير بما قاله في بكركي بان «موضوع السلاح لا يقارب في الاعلام»، مؤكدا في الوقت نفسه ان «القرار اتخذ منذ خطاب القسم بحصرية السلاح بيد الدولة».
وفي موازاة ذلك، تبرز مواقف الرئيس نبيه بري مرارا وتكرارا، ان الاولوية تبقى في الزام العدو «الاسرائيلي» تنفيذ اتفاق وقف النار، ووقف عدوانه والانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة واعادة الاسرى اللبنانيين.
وعندما بدأ الحديث عن موضوع التواصل والحوار بين الرئيس عون وحزب الله، اكدت مصادر رسمية ان بري يلعب دورا مهما واساسيا في الدفع بهذا المسار، مع التأكيد اولا على وقف العدوان والانسحاب «الاسرائيلي»، وانه تناول مع رئيس الجمهورية في احد اللقاءات التي جمعتهما في بعبدا، التأسيس للانطلاق بحوار مع قيادة حزب الله، لا سيما بعد اعلان الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الوقوف خلف الدولة في مفاوضاتها، لتنفيذ وقف اطلاق النار ووقف الاعتداءات «الاسرائيلية»، والانسحاب من الاراضي المحتلة واعادة الاسرى والاعمار .
ويقول مصدر نيابي مطلع انه ليس خافيا على احد ان الرئيس بري يلعب دورا محوريا في تعزيز التواصل، وفتح ابواب الحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله، بل يدفع ايضا باتجاه تعميم مبدأ وفكرة الحوار وخطاب التهدئة في البلاد بعيدا عن التصعيد والتوتير، لتعزيز موقف لبنان بوجه رياح الخارج. ويضيف ان خطابه السياسي هذا ليس جديدا، فقد جسده في كل المناسبات وامام النواب في الجلسات العامة، وهو اول من بادر الى اعتماد الحوار وجمع الافرقاء السياسيين الى طاولة الحوار في آذار العام 2006 .
ويشير المصدر الى كلام الرئيس بري في حديث له مؤخرا، وقوله ان «لبنان لم يلحظ اي خطوات ملموسة لوقف العدوان الاسرائيلي»، مؤكدا تصميم لبنان على التحرير، لافتا الى ان «هذا هو لب القضية، وهو الاولوية التي يجب ان تتصدر كل الاولويات الاخرى».
وفي الخط الثاني، لم يكن سلام موفقا في تصريحاته الاخيرة، التي رافقت زيارته للامارات العربية المتحدة، والتي عززت تظهير خطين في التعاطي مع الملفات الحساسة والاساسية، واحدثت مزيدا من الخدوش حتى في الخطاب الرسمي، عدا عن انها زادت من اجواء التشنج والتوتر السياسيين .
فقبل ان يصل الى الامارات، تحدث سلام الى «سكاي نيوز» العربية، واطلق مواقف متشددة، متطرقا من دون مناسبة او سبب مباشر الى ايران، قائلا ان «عصر تصدير الثورة الايرانية انتهى». واستخدم عبارتين نافرتين في موضوع سلاح حزب الله من دون ان يسميه، الاولى في الحديث نفسه، والثانية في خطابه في قمة الاعلام العربي: «لن نسكت عن بقاء اي سلاح خارج سلطة الدولة… السيادة تستوجب حصرية السلاح، اي ان نتحرر من ثنائية السلاح».
وجاء كلامه قبل تطرقه بشكل مقتضب عن الاعتداءات «الاسرائيلية» والاحتلال، ودعوته للضغط على «اسرائيل» من اجل تنفيذ اتفاق وقف النار.
والملاحظ ان ارتفاع لهجة سلام مؤخرا، اخذت تتلاقى بشكل او بآخر مع المواقف الانفعالية والتوتيرية لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تجاه سلاح المقاومة وحزب الله، ودعوته المتكررة بلهجة استفزازية الحزب الى تسليم سلاحه، معترضا او منتقدا ضمنا فكرة سلوك الحوار حول هذا السلاح، في موقف وصفته مصادر سياسية بانه يتعارض مع اسلوب ونهج الرئيس عون .
ويبني جعجع، وفق هذه المصادر، كل خطابه السياسي على موقفه الداعي الى نزع سلاح حزب الله، معتبرا كما اعلن بعد سقوط نظام الرئيس بشار الاسد «ان اللعبة انتهت».
والجديد في سياق المواقف التوتيرية والاستفزازية، التي تجاوزت التضامن ولانتظام الحكومي وتجاوزت كل الخطوط، كلام وزير الخارجية «القواتي» يوسف رجي الذي قال ان حزب الله «هو تنظيم مسلح خارج عن القانون وليس شرعيا»، مضيفا « نطلب منه التفتيش عن حل. سلم سلاحك، وشكّل مع مناصريك حزبا سياسيا عاديا مع العقيدة التي تريدون».
وبرأي مصدر نيابي ان تصريحات الرئيس سلام الاخيرة النافرة والعالية اللهجة، ربما شجعت الوزير رجي بالتمادي في تناول حزب الله، الذي يجتمع مع وزراء له الى طاولة مجلس الوزراء، على الرغم من اعتباره ان «الحزب غير شرعي». ويضيف المصدر ان حزب الله يملك كتلة نيابية وازنة وكبيرة منتخبة من الشعب، وان توصيفه بمثل هذا التوصيف يثير الاستهجان والسخرية في آن معا .
وفي خلاصة عرض هذين الخطين، يحضر كلام احد النواب المسيحيين غير الحزبيين حول نهج ومواقف الرئيس عون تجاه موضوع سلاح حزب الله، وقوله «فخامة الرئيس يعالج هذا الموضوع بحكمة وصمت وروية، وكل موقف استفزازي وتصعيدي يصب في اطار اعاقة مسار رئيس الجمهورية».