"ذهب لبنان السائل" في خطر...عوامل وتحدّيات خطرة تواجه قطاع النحل

"ذهب لبنان السائل" في خطر...عوامل وتحدّيات خطرة تواجه قطاع النحل

image


"ذهب لبنان السائل" في خطر...عوامل وتحدّيات خطرة تواجه قطاع النحل
من أقدم الممارسات الزراعية التي تم توارثها عبر الأجيال ... وهذا ما تشير اليه الادلة!

ربى أبو فاضل - الديار
 
هي أزمة طارئة، لكن يصح القول فيها إنها قديمة- جديدة، تضاف إلى الأزمات الأخرى التي يعاني منها لبنان على مدى عقود من الزمن، فلم يسلم أي قطاع من القطاعات في البلاد من تداعيات كل الازمات، إن سياسية ام اجتماعية أو اقتصادية. وقطاع النحل الذي يعد من القطاعات الزراعية الحيوية التي تمتاز بأهمية بيئية واقتصادية وغذائية، يواجه هو أيضا تحديات كبيرة تهدد استدامته.

يشار إلى أن تربية النحل في لبنان، هي من أقدم الممارسات الزراعية التي تم توارثها عبر الأجيال، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين، وتشير الأدلة الأثرية والنقوش في المواقع القديمة مثل بعلبك وجبيل، إلى أن النحل كان جزءا أساسيا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الحضارات، التي ازدهرت في لبنان منذ العصور الفينيقية والرومانية.

تواجه النحلة اللبنانية أخطارًا شديدة، تهدد بقاءها بفعل عوامل بيئية متعددة، ناهيك  بالتلوث بفعل ظاهرة المولدات الكهربائية، التي اعتبرتها وزيرة البيئة تمارا الزين "أكبر مصدر للتلوث".

مربي النحل إبراهيم وهبه أكد لـ "الديار" أن "قطاع تربية النحل في لبنان يواجه تحديات متزايدة، نتيجة للتغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية المستمرة، فالتغير المناخي يؤدي إلى تقلبات في درجات الحرارة ومواسم الأمطار، واختلال توقيت الإزهار يربك دورات التغذية، إضافة إلى الجفاف الطويل الذي يقلل من توافر الرحيق، كما ان ارتفاع درجات الحرارة يقلل من موارد الأزهار، ويزيد من انتشار الأمراض والآفات التي تصيب النحل، كما انه يؤثر في نمو الحضنة مما يزيد من نفوق النحل، إضافة إلى الاستخدام العشوائي للمبيدات والمواد الكيميائية الزراعية، والذي يؤثر في النحل بشكل قاتل أو شبه قاتل، حيث لا توجد سياسات صارمة بشأن استخدام المبيدات".

يشار إلى أن 65 % من مربي النحل بحسب تقرير وزارة الزراعة اللبنانية لعام 2023، أفادوا بانخفاض في إنتاج العسل مقارنة بالسنوات السابقة، وأرجع 72% منهم ذلك إلى التغيرات المناخية مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، خصوصا في مناطق البقاع والجنوب، كما أفاد 40% من المربين باضطرارهم إلى نقل خلاياهم إلى مواقع أعلى ارتفاعًا بحثًا عن مصادر أزهار بديلة.

ولفت وهبة الى ان" الدراسات تشير إلى أن المبيدات مثل الإيميداكلوبريد والكلوربيريفوس، تضعف قدرة النحل على الملاحة والتغذية وتؤثر في تطور المستعمرات".

وعن تأثير العسل الملوث ببقايا هذه المواد في صحة الإنسان، أشار إلى "احتمالية تأثيرها في الصحة وبخاصة الجهاز العصبي والغدد الصماء، إذا تجاوزت البقايا الحد اليومي المقبول، لان المراقبة للاسف في لبنان لا تزال محدودة".

لا تقتصر الأخطار التي تتعرض لها النحلة اللبنانية على العوامل المناخية فبحسب وهبة، فإن "التوسع العمراني وإزالة الغابات، إضافة إلى الحرائق التي تدمر مناطق الرعي وتقتل المستعمرات، يقلل من تنوع النباتات ومساحات تعشيش النحل، وهذه كلها عوامل تهدد ذهب لبنان السائل".

يشار إلى أن النحلة اللبنانية تمتاز بأنها مزيج هجين، بين النحلة الأوروبية ذات الإنتاج الوفير ولسعتها غير سامة، والنحلة الأفريقية ذات اللسعة القاسية والإنتاج القليل والمقاومة للأمراض، وهنا يشير المتخصص في مجال دراسة الحشرات الأحفورية وتطورها البروفيسور داني عازار، إلى أن لبنان يضم بين 1250 و1500 نوع مختلف من أنواع النحل المختلفة، التي تنتشر في مختلف المناطق والبلدات الجبلية والساحلية، وتتغذى من الغطاء النباتي المتنوع.

وبحسب وهبة فإن العسل في لبنان متنوع بين عسل الزعتر، عسل البلوط ،عسل الحمضيات، عسل أزهار الربيع/ عسل الأوكاليبتوس – كينا، وعسل الشوك الذي ينتج من أزهار نباتات الشوك البري. فالتنوع البيولوجي في لبنان الذي يحتوي على أكثر من 2600 نوع نباتي بري غني بالرحيق، وحبوب الطلع تتيح إنتاج أنواع مختلفة من العسل، كما ان التنوع الجغرافي والمناخي يتيح إنتاج العسل في عدة مواسم. إضافة إلى انتاج شمع العسل، والبروبوليس، والغذاء الملكي، وحبوب الطلع، ومستحضرات التجميل الطبيعية.

اما عن أسباب تفاوت أسعار العسل، فقد أكد وهبة أن نوع الأزهار له دور كبير في تحديد السعر، فالزعتر والبلوط أغلى من غيرهما، كما ان المناطق النائية أغلى من حيث التكلفة، إضافة إلى كمية الانتاج والتغليف والعلامة التجارية، والشهادات البيئية أو العضوية تزيد من السعر، وسعر الخام أغلى من المبستر".

قطاع النحل في لبنان ليس مجرد نشاط زراعي، بل هو ركيزة بيئية وصحية واقتصادية مهمة، لكن الأزمة التي ضربت لبنان عام 2019 أثرت بشكل كبير في قطاع تربية النحل، فارتفاع تكاليف المدخلات مثل الشمع والأدوية والمعدات، بالإضافة إلى تقلبات سعر صرف الليرة اللبنانية، التي فقدت 90% من قيمتها، جعلت من الصعب على العديد من المربين الحفاظ على استدامة مشاريعهم. لكن رغم التحديات، بقي قطاع العسل مصدرا مها للدخل في المناطق الريفية، حيث يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الأفراد، كما يسهم في تعزيز الصادرات الزراعية، مما يساهم في تحسين ميزان المدفوعات، وتوفير عملة صعبة للاقتصاد الوطني.

 ووفقا لوزارة الزراعة اللبنانية ومنظمة الأغذية والزراعة الفاوFAO”" ، فإن تربية النحل تساهم بشكل مباشر في دخل الأسر، وتدعم الاقتصاد الزراعي من خلال زيادة غلة المحاصيل. وأشار وهبة إلى اختلاف إجمالي إنتاج العسل السنوي من سنة لأخرى، نظرا الى اعتماده على التغيرات المناخية، حيث بلغ حوالى 3800 طن في عام 2021، وتم تصدير 14 طنا منها فقط.

يذكر أن الأمم المتحدة أعلنت يوم 20 أيار يوما عالميا للنحل، لتسليط الضوء على دوره الحيوي في الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي. ويصادف هذا التاريخ ذكرى ميلاد أنطون جانيس، وهو أحد أبرز القائمين على تربية النحل في جمهورية سلوفينيا والخبراء في هذا المجال.

يعد قطاع النحل وتربيته تقليدا متجذرا في المجتمعات الريفية اللبنانية، والحفاظ عليه وتطويره يعزز الاستدامة البيئية، ويسهم في التنمية الريفية والصحة العامة. فهو بحاجة إلى دعم حكومي ومجتمعي أكبر في مواجهة التحديات. وفي هذا السياق اكد وهبة ضرورة "اعتماد الإدارة المتكاملة للآفات، لتقليل استخدام المبيدات الضارة، وتشجيع زراعة النباتات البرية المحلية، التي تزهر في أوقات مختلفة من السنة، إضافة إلى إطلاق حملات توعية حول أهمية النحل وتبلور العسل، وإطلاق أو الترويج لبرامج أو مبادرات، تتيح للأفراد أو المؤسسات رعاية خلايا نحل، وإنشاء أنظمة شهادة عضوية أو بيئية، ودعم السياحة البيئية المتعلقة بالنحل".

واشار الى "إن تبلور العسل " crystallization " لا يعني أنه مغشوش كما يعتقد بعض المستهلكين، بل هو دليل على جودة لبعسل وطبيعته".

أما عن دور وزارة الزراعة والدعم الحكومي، أكد أن الوزارة تنظم ورش عمل تدريبية متفرقة، إضافة إلى توزيع جزئي للخلايا والمعدات، وحملات محدودة لمكافحة الأمراض"، مضيفأً " ان هذا الدعم لا يزال غير منظم، وهناك حاجة إلى أطر سياسية واضحة، ودعم مالي استراتيجي، وأنظمة رقابة فعالة". وأشار إلى "وجود عدد من التعاونيات التي تقوم بشراء جماعي للمستلزمات بأسعار مخفضة، كما تسهم باستخدام مشترك للبنية التحتية، وتدعم التسويق بشكل محدود، من خلال العلامة التجارية الجماعية، لكنها تعاني من نقص التمويل وضعف الإدارة وصعوبات في التسويق".

الجدير بالذكر، وبحسب وزارة الزراعة يوجد في لبنان 8000 نحّال موزعين على كافة المناطق اللبنانية، وعدد خلايا النحل المسجلة في وزارة الزراعة نحو 417000 خلية، تنتج سنوياً 1500 طن من العسل ،ويختلف الانتاج باختلاف المواسم وكمية الامطار.

لم تسلم حلاوة العسل من نيران الحرب "الإسرائيلية" الاخيرة على لبنان، حيث تم تدمير وحرق عدد كبير من المناحل، فخسر النحالون بعضا من أرزاقهم جراء قصف العدو الهمجي في الجنوب اللبناني. وبحسب تقرير مشترك صادر عن البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، بلغ عدد قفران النحل التي دمرت كليا بفعل القصف "الإسرائيلي" الأخير حوالى 5 آلاف قفير.

وانطلاقاً من أهمية النحل في النظام البيئي، فقد أطلق الاتحاد الأوروبي عام 2023 عبر برنامج مِنح، أطلقه في خمس دول بالتعاون مع شركاء. وقد اختار أن يكون شريكه في لبنان غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع، التي أطلقت البرنامج بالتعاون مع وزارة الزراعة.

MedBeesinessHubs  برنامج يشمل إلى لبنان كلًا من قبرص، مصر، فلسطين وإيطاليا، ويهدف الى "المساهمة في تطوير إقتصاد متوسطي فعلي للنحل، يربط تجمعات البلدان الخمسة ببعضها بعضًا، وبالتالي يذهب إلى أبعد من إنتاج العسل وبيعه، نحو تشجيع منتجات جانبية كصناعة مستحضرات التجميل، الهدايا التذكارية المصنعة يدويًا، وأيضا تعزيز سياحة النحل". أما الهدف البيئي الأشمل للمشروع فهو "تشجيع مجموعات النحل على العودة إلى حيث تنتمي"، خصوصاً أنّ البرنامج انطلق من تلمس للانخفاض الحاد في أعداد النحل.

يشار إلى أن مشاركات لبنان في المعارض الدولية لا تزال محدودة، بسبب غياب التنسيق المؤسسي والتمويل بحسب وهبة، حيث شارك لبنان في معارض مثل أبيمونديا Apimondia ومعارض خليجية وأوروبية.