العودة الخليجية إلى لبنان: فرصة مشروطة وقلق دائم

العودة الخليجية إلى لبنان: فرصة مشروطة وقلق دائم

image

المدن- صالح حديفه

وسط العواصف الاقتصادية والسياسية والأمنية المتلاحقة، يطلّ صيف 2025 على لبنان محمّلاً بإشارات واعدة من دول الخليج، مع تزايد الحديث عن انتعاش مرتقب في القطاع السياحي، لا سيما بعد قرار الإمارات العربية المتحدة برفع الحظر عن سفر رعاياها إلى بيروت، واستعداد العديد من وكالات السياحة والسفر الخليجية لتسيير رحلات منظمة نحو لبنان.
غير أن هذا التطور، رغم ما يحمله من مؤشرات إيجابية، لا يمكن مقاربته بوصفه تحوّلاً معزول عن المسار السياسي العام، بل يُفهم في سياق مرحلة انتقالية تمرّ بها البلاد، وفي ضوء متغيرات دقيقة تتجاوز الحسابات السياحية والاقتصادية إلى ما هو أعمق وأكثر تعقيدًا.
مرحلة ترميم الجسور
من حيث الشكل، أتى القرار الإماراتي في أعقاب زيارة رسمية ناجحة قام بها رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون إلى أبوظبي، سبقتها محطات مماثلة إلى الرياض والدوحة والكويت، حيث بدا واضحاً أن العهد الرئاسي الجديد يسعى إلى ترميم الجسور مع العواصم الخليجية بعد سنوات من التوتر والقطيعة السياسية. وقد عبّرت هذه العواصم، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن استعداد مشروط للعودة إلى لبنان، من بوابة الدعم السياحي والاستثماري، على أن يُستكمل هذا الانفتاح في حال أبدت بيروت جدّية ملموسة في التعاطي مع الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف سلاح حزب الله.
عملياً، ترى دول الخليج أن تراجع نفوذ الحزب في الحياة السياسية والأمنية اللبنانية هو المعيار الأساس لتحديد مدى الانفتاح ومدّ اليد من جديد، وأن الدعم لا يمكن أن يعود إلى مستوياته السابقة ما لم تُترجم "المرحلة الجديدة" بخطوات فعلية على الأرض، تتجاوز الشكل إلى المضمون. وهنا تحديداً تبرز المعادلة الصعبة: استكمال مسار الانفتاح الخليجي لا يمكن فصله عن النقاش العميق حول ملف السلاح في لبنان، وهو النقاش المؤجّل والمعلّق منذ سنوات بسبب تعقيدات الداخل والانقسامات السياسية، وقد فرضته بقوة أجندة الحرب التي اندلعت في ٧ أكتوبر ٢٠٢٤، ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية جنوباً، وقد عادت لتطال الضاحية الجنوبية خلال الأسبوع الماضي عبر غاراتٍ أعادت التذكير بأن لبنان، وإن شهد تبدلاً على مستوى السلطة السياسية، لا يزال يعيش في دائرة التهديد المفتوح.

ومع أن معظم الزوار الخليجيين باتوا يتعاملون مع هذه الضربات كوقائع محصورة جغرافياً، فإن ذلك لا يلغي تأثيرها السلبي على المزاج العام، ولا على ثقة المستثمرين والسيّاح، خصوصاً حين تترافق مع رسائل عسكرية وأمنية موجهة من تل أبيب تتجاوز الحساب اللبناني إلى حسابات إقليمية ودولية أوسع.



اختبار للقدرة اللبنانية
وعلى الرغم من هذه التحدّيات، فإنّ عودة السياح الخليجيين تُعَد بمثابة اختبار مبكر للقدرة اللبنانية على استثمار الفرص المتاحة، إن توفّرت مقومات الاستقرار. لكن الأهم من الاستفادة من موسمية هذه العودة، هو تثبيت حضورها المستدام، وتطويرها لتُصبح جزءاً من استراتيجية اقتصادية شاملة، لا مجرد إنعاش مؤقت لقطاع الفنادق والمطاعم والخدمات. وهنا، يتقدم السؤال: هل لدى الدولة اللبنانية خطّة فعليّة لحماية السياحة، وتقديم ضمانات أمنية واقتصادية متكاملة للسائح والمستثمر، أم أن هذه اللحظة ستُهدر كما أُهدرت سابقاتها؟

الفرصة المشروطة
من جهة أخرى، فإن هذا الانفتاح الخليجي، وإن بقي جزئيًا ومشروطًا، يعكس إدراكًا إقليميًا لخطورة ترك لبنان في مهب الانهيار، لا سيما أن الاستقرار فيه يرتبط مباشرة باستقرار المنطقة، ومصالح الأمن الجماعي. لكن هذا الإدراك لا يلغي التريّث، بل يعمّق مشروطيته.

في الخلاصة، لا يمكن قراءة موسم الصيف والسياحة من زاوية تقنية فقط، بل هو فصل من فصول التوازن الإقليمي الجاري رسمه على نار هادئة. فرصة موجودة، لكنها مشروطة، ومعلّقة على قدرة اللبنانيين على صون الحد الأدنى من الاستقرار، السياسي والأمني، وعلى إدارة لحظة التحول الرئاسي بما يتجاوز الخطاب إلى القرارات الصعبة.