لا علاقة لها باللائحة الرمادية ولكنها مؤشر غير مريح
لبنان على اللائحة الأوروبية السوداء: تهرّب ضريبي وامتناع عن تبادُل المعلومات
باتريسيا جلاد -"نداء الوطن"
رغم التقدّم الذي تحرزه السلطات اللبنانية، وتحديداً الحكومة والنواب، في مجال القوانين الإصلاحية المطلوبة - باعتراف صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى خطوات إيجابية، منها تعديل قانون السرية المصرفية، واقتراب إقرار قانون إصلاح القطاع المصرفي من خواتيمه، والمساعي الجارية لإعادة هيكلة هذا القطاع وهي خطوات من شأنها تمهيد الطريق لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية"-، ها هي المفوضية الأوروبية تدرج لبنان على اللائحة السوداء. ما الذي تعنيه هذه الخطوة؟ وما الفرق بين إدراج لبنان على اللائحة السوداء من قبل الاتحاد الأوروبي وبين إدراجه سابقاً على اللائحة الرمادية ضمن تصنيفات مجموعة العمل المالي "فاتف"؟
لبنان ليس البلد الوحيد الذي تمّ إدراجه على اللائحة السوداء من قبل المفوضية الأوروبية وإنما أخرجت المفوضية دولاً من اللائحة الرمادية وأضافت أخرى، فيما رأت أن دولاً أخرى غير متعاونة يجب إدراجها على اللائحة السوداء وهي عدا لبنان، موناكو، الجزائر، أنغولا، كينيا، لاوس، ناميبيا، النيبال، فنزويلا وشاطئ العاج.
ما هي المعايير التي اتّخذتها المفوضية الأوروبية لإدراج لبنان على اللائحة السوداء؟
يقول رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود لـ "نداء الوطن": "إن إدراج لبنان على اللائحة السوداء أو قائمة"الدول العالية المخاطر"يعود إلى ضعف أو تدنّي أدائه في تبادل المعلومات الضريبية مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وصولاً إلى الدخول في مجال توحيد الرقم الضريبي للأفراد والمؤسسات".
وبذلك هناك فرق بين معايير المفوضية الأوربية والمعايير المتّبعة من مجموعة العمل المالي "فاتف" في تصنيف الدول.
بغض النظر عن تسميتها باللائحة السوداء أو الرمادية، ورغم أن كلاً من "فاتف" والمفوضية الأوروبية متساويتان في التسمية، إلا أن إدراج لبنان على اللائحة السوداء من الاتحاد الأوروبي يُعتبر مؤشراً غير مريح.
المعايير المعتمدة عالمياً
بالنسبة إلى العوامل التي ركّزت عليها المفوضية لانحدار لبنان إلى اللائحة السوداء يقول حمّود: "تركّز المفوضية الأوروبية في تصنيف الدول "على القدرة والإجراءات والنظم التي تتّبعها أي دولة في مكافحة التهرّب الضريبي بالدرجة الأولى.
فالتهرّب من الضريبة يعتبره الأوروبيون من مراحل تبييض الأموال لأنه يؤدي إلى إثراء غير مشروع. فأدرجوا لبنان وغيره من الدول على اللائحة السوداء، بينما بالنسبة إلى مجموعة "فاتف"، فالدول الواردة على اللائحة السوداء هي ثلاثة: إيران وكوريا الشمالية وميانمار".
الاختلاف إذاً واضح في معايير التصنيف بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي و"فاتف". مجموعة "فاتف" تأخذ بالاعتبار كل أنواع التهرّب أو مكافحة الجريمة أو الإرهاب أو تبييض الأموال. وبذلك فإن المعيار الأهم الذي تأخذه المصارف المراسلة بالاعتبار هو "فاتف"، أكثر من معيار الاتّحاد الأوروبي".
إجراءات متّخذة قبل التصنيف
استناداً إلى حمّود "لا ننتظر إدراجنا على اللائحة السوداء في "فاتف" أو حتى الوصول إلى اللائحة الرمادية، لاتّخاذ المصارف المراسلة إجراءات تجاه لبنان. فالقيود التي اتّخذتها المصارف المراسلة على المصارف اللبنانية أو وقف التعامل معها، جاء قبل إدراج لبنان على لائحة "فاتف" الرمادية. وقلّة من المصارف اللبنانية لا يزال لديها مصرف مراسل تتعامل معه، بل إن المصارف تبحث عن مصارف مراسلة تتعامل معها".
اين يتأثّر لبنان؟
وبذلك ليس هناك من تأثير مباشر وكبير من إدراج لبنان على اللائحة السوداء من المفوضية الأوروبية، ولكن سيؤثّر ذلك، كما يقول حمّود، "على العلاقات وعلى السلاسة أو التعقيد في التعامل. في تعامل لبنان مع الـ OECD أي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، العلاقة مبنية على عقود موقّعة مع لبنان كما سائر الدول، واتفاقيات وتبادل المعلومات الضريبية، ولكن البلد الذي لم يتجاوب بالسرعة المطلوبة وبشكل كلّي، يعتبر غير متعاون وبالتالي يتمّ وضع إشارة عليه، ولهذا السبب أدرجت أيضاً موناكو على اللائحة السوداء ".
وفي السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أن معايير تبادل المعلومات الضريبية أساسية في ظلّ الاتّجاه العالمي نحو توحيد الرقم الضريبي، فكل فرد أو مؤسسة يجب أن يحدّد الـ Tax residence أي المكان الضريبي الذي يتبع له في لبنان أو في سويسرا... وبذلك يقول حمّود: "هذا التبادل في الضريبة أو الاسم الضريبي يتّبع بشكل أساسي للوصول إلى توحيد الرقم الضريبي".
إلى ذلك نشير إلى أنه لا تأثير من تصنيف الاتحاد الأوروبي لبنان على اللائحة السوداء، لا على على العلاقات التجارية مع الدول ولا على العلاقات المالية ولا حتى على عمليات التحويل.
الخروج من اللائحة الرمادية
ماذا عن اللائحة الرمادية هل يمكن للبنان الخروج منها في تشرين الأول المقبل؟
في الزيارة الأخيرة التي قامت بها بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان تناول رئيس البعثة إرنيستو راميريز ريغو مسألة إقدام"فاتف" على إخراج لبنان عن اللائحة الرمادية وضرورة إقرار لبنان القوانين المطلوبة من الصندوق، والخروج من اقتصاد الـ"كاش" للحدّ من تبييض الأموال وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد، والتفاوض مع حاملي سندات الـ "يوروبوندز" ... من هنا فإن الخروج من تلك اللائحة أمر ممكن إذا ما تابعت الحكومة عملها الإصلاحي. وإذ يستبعد حمّود انحدار لبنان إلى اللائحة السوداء في مجموعة"فاتف" يرى أن "لبنان قد يخرج من اللائحة الرمادية إذا ما تبدّدت الأسباب الموجبة لإدراجه عليها وتلك الأسباب هي:
- إقتصاد الـ"كاش" المعتمد طوال السنوات الست الماضية منذ بدء الأزمة.
- عدم وجود نظام مصرفي.
- لا رقابة على شركات تحويل الأموال.
دور مصرف لبنان والمصارف الـ "ضعيف". إذ لا يتمّ الأخذ بقرارات المجلس المركزي في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. عدا عن عدم اتّخاذ إجراءات محاسبية تجاه أي مصرف متقاعس.
في المحصّلة، فإن إخراج لبنان من اللائحة الرمادية ليس صعباً إذا ما تمّ الحدّ من السوق النقدي أو الـ "كاش إيكونومي" إلى أقصى الحدود. أما اللائحة السوداء التي أدرجته عليها "المفوضية " فتتطلّب مسألة الرجوع عنها التعاون في الإجراءات الضريبية المتّبعة بالسرعة والشفافية المطلوبة وهذه مسألة أساسية في تصنيف الدول، ما سيحدّ من تبييض الأموال.
أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في تصريح أن إدراج المفوضية الأوروبية للبنان على قائمة الدول عالية المخاطر في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) يعود إلى قرار اتُّخذ في تشرين الأول 2024، وذلك نتيجة لإدراج لبنان على قائمة مجموعة العمل المالي (FATF).
وأوضحت البعثة أن هذا القرار يُرسَّخ رسمياً في الوقت الراهن، وهو لا يعكس أداء الحكومة اللبنانية الحالية، سواء من ناحية التقدّم في الإصلاحات أو التقصير فيها.