خفايا "الأسد الصاعد": كيف هرّب الموساد أجزاء مسيّرات مفخّخة لمهاجمة إيران من الداخل؟
استخدام حقائب وشاحنات وحاويات شحن... وهذا ما ساعد إسرائيل على فرض سيطرة جوية سريعة
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها اليوم الأحد عن أن "إسرائيل أمضت أشهراً في تهريب أجزاء مئات الطائرات الرباعية المسيّرة (quadcopter) المفخخة عبر حقائب سفر وشاحنات وحاويات شحن إلى داخل إيران، إضافة إلى ذخائر يمكن إطلاقها من منصات غير مأهولة"، وذلك وفقاً لأشخاص مطّلعين على العملية.
وذكرت المصادر أن "فرقاً صغيرة مسلّحة بهذه المعدات تمركزت قرب مواقع الدفاع الجوي الإيراني ومنصاّت إطلاق الصواريخ. وعندما بدأت الضربات الإسرائيلية، قامت بعض الفرق بتدمير الدفاعات الجوية، بينما استهدفت فرق أخرى منصّات الصواريخ أثناء خروجها من مخابئها وتحضيرها للإطلاق"، بحسب أحد المطلعين.
وفق الصحيفة الأميركية، "تساعد هذه العملية في تفسير محدودية الرد الإيراني حتى الآن على الضربات الإسرائيلية وتقدّم دليلاً إضافياً على كيفية تغيير التكنولوجيا التجارية الجاهزة لساحات القتال، وخلقها تحدّيات أمنية خطيرة وجديدة للحكومات".
وذكرت الصحيفة أن "هذا الإنجاز جاء بعد أسابيع فقط من لجوء أوكرانيا إلى تكتيكات مشابهة، حيث استخدمت طائرات مسيّرة مهرّبة إلى داخل روسيا عبر أسطح حاويات الشحن لمهاجمة عشرات الطائرات الحربية التي استخدمتها موسكو لقصف المدن الأوكرانية. وتُظهر هذه العمليات الاستخباراتية كيف يلجأ المهاجمون إلى الإبداع والطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، وتدمير أهداف استراتيجية بطرق يصعب التصدي لها".
وقد هدفت عملية جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" إلى القضاء على التهديدات التي تواجه الطائرات الحربية الإسرائيلية وتدمير الصواريخ قبل أن يتم إطلاقها على المدن. وقال أحد المصادر إن الفرق الأرضية تمكّنت من ضرب عشرات الصواريخ قبل إطلاقها، وذلك في الساعات الأولى من الهجوم. وركّز سلاح الجو الإسرائيلي بشدّة على الدفاعات الجوية والصواريخ خلال الأيام الأولى للحملة.
في نهاية المطاف، أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ على إسرائيل خلال 4 موجات بين مساء الجمعة وصباح السبت.
وقالت سيما شاين، المسؤولة السابقة في الموساد ورئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن إسرائيل كانت تتوقّع ردّاً أعنف بكثير".
ومع ذلك، فإن لدى إيران موارد هائلة يمكن أن تستدعيها لتنفيذ هجمات أكثر شراسة.
وقد كانت الهجمات على الدفاعات الجوية الإيرانية حاسمة، وساعدت إسرائيل على فرض سيطرة جوية سريعة، بحسب شاين، مضيفة أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف تلك الدفاعات بشكل مكثف.
وقد دمجت إسرائيل بعمق عمليات استخباراتية طموحة في استراتيجيتها الحربية. ففي الخريف الماضي، بدأت حملة ضد "حزب الله" اللبناني بعملية فجّرت آلاف أجهزة النداء اللاسلكي التي كانت بحوزة عناصره.
وأظهرت إسرائيل كذلك أن عملاءها تمكّنوا من التغلغل بعمق داخل إيران. ففي الصيف الماضي، اغتالت إسرائيل زعيم حركة "حماس" إسماعيل هنية عبر تهريب قنبلة إلى غرفته المحمية داخل دار ضيافة تابعة للحرس الثوري، وفجّرتها أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
وفي الحملة الجارية حالياً، شملت عمليات الموساد داخل إيران البحث عن أهداف قيادية في طهران، بحسب أحد المطلعين على مجريات العمليات.
وكانت الطائرات المسيّرة جزءاً دائماً من عمليات إسرائيل داخل إيران. ففي عام 2022، استخدمت إسرائيل طائرات رباعية مفخخة لضرب موقع إنتاج طائرات مسيّرة في مدينة كرمانشاه غرب البلاد. وبعد عام، استخدمت طائرات مسيّرة لاستهداف مصنع ذخيرة في أصفهان.
وبحسب المصادر، بدأ الموساد الإعداد لعملية الطائرات المسيّرة الحالية قبل سنوات. فقد كان يعلم أماكن تخزين إيران لصواريخ جاهزة للإطلاق، لكنه كان بحاجة إلى التمركز بالقرب منها بسبب كبر مساحة إيران وبعدها عن إسرائيل.
وقد جرى تهريب الطائرات المسيّرة عبر قنوات تجارية، غالباً باستخدام شركاء أعمال غير مدركين لطبيعة العملية. وكان عملاء الموساد يجمعون الذخائر ويوزّعونها على الفرق الميدانية. وتم تدريب قادة هذه الفرق في دول ثالثة، ثم نقلوا التدريب إلى فرقهم داخل إيران.
وذكر أحد المصادر أن الفرق كانت تراقب لحظة إخراج الصواريخ من المخازن، ثم تضربها قبل أن يتم نصبها للإطلاق. وكان الموساد يعرف أن الشاحنات التي تنقل الصواريخ من المخازن إلى منصات الإطلاق تمثل نقطة اختناق لإيران، حيث أن عدد الصواريخ يفوق عدد الشاحنات المتاحة بأربع مرات.
وقال أحد الأشخاص إن الفرق دمّرت عشرات الشاحنات، وكانت لا تزال تعمل ميدانيًا حتى مساء الجمعة.
وختمت شاين "إن لهذه العمليات، ولإعلانها العلني، تأثيراً نفسياً بالغ الأهمية: لا أحد في المستويات العليا داخل إيران يستطيع أن يطمئن بأنه خارج رادار الاستخبارات الإسرائيلية أو أنه لن يكون هدفاً مقبلاً. الأمر لا يتعلق فقط بحجم الضرر، بل بالتوتر الذي تزرعه".