من بكركي نداء الى الدولة: أوقفوا النزيف المسيحي وابدؤوا مسيرة الإنقاذ
أين يجد الشباب الرجاء وسط المعاناة والألم والمصير المجهول في لبنان والمنطقة؟!
دوللي بشعلاني - الديار
يأتي البيان الختامي لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية الذي التأم في دورته العادية في بكركي من 4 الى 14 حزيران الجاري بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وحضور 44 مطرانا وإكسرخوس وخورأسقف وفدوا من أبرشيات لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار، على وقع الحرب بين "إسرائيل" وإيران، والتي أثّرت منذ اليوم الأول، أي الجمعة الفائت، بشكل سلبي في الوضع الداخلي في لبنان، لا سيما في حركة المسافرين، من وافدين ومغادرين، من والى مطار بيروت الدولي. فبعد كلّ الوعود الداخلية والخارجية، بصيف هادىء وناشط سياحيا واقتصاديا، جاءت الضربة "الإسرائيلية" على إيران، (وتوقّع الردّ عليها)، لتقلب كلّ المعادلات وتعيد خلط الأوراق في لبنان والشرق الأوسط.
على الصعيد الديني، لا شيء يتغيّر، فالرجاء بالله هو أمر ثابت، على ما تقول مصادر كنسية عليمة، رغم أن الحرب تؤثر بشكل أو بآخر في الشعوب. فالعنف غير مقبول، واستخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ يهدد المجتمعات في الشرق الأوسط. وما حصل أخيرا جعل البابا لاوُون الرابع عشر يدعو الى "التحلّي بالمسؤولية والعقلانية، مشدّدا على أنّه "لا يجب أن يهدد أي من الطرفين أبدا وجود الآخر. ومن واجب جميع الدول دعم قضية السلام من خلال سلوك دروب المصالحة، وتشجيع الحلول التي تضمن الأمن والكرامة للجميع". أمّا البطريرك الراعي فقال في قدّاس اختتام السينودس: "كم من الأموال الطائلة تُصرّف على الأسلحة والتسّلح، بينما الملايين من الشعوب يموتون جوعا".
وبالعودة الى السينودس، ذكرت المصادر أنه تناول شؤونا رعوية واجتماعية وتربوية ووطنية، تهمّ المسيحيين في لبنان والشرق وبلدان الانتشار، وكيفية خدمة المحبة في الأبرشيات والرعايا. كما جرت مناقشة شؤون الشباب وشجونهم وتطلّعاتهم وانتظاراتهم، لا سيما في سنة الرجاء اليوبيلية التي أعلنها البابا فرنسيس "سنة حجّاج الرجاء".
فأين يجد الشباب الرجاء وسط المعاناة والألم والمصير المجهول في لبنان والمنطقة، تجيب المصادر: "في الرجاء بالرب يسوع المسيح. صحيح أن ما يُصيب الشباب اليوم صعب، ما يدفعهم الى الهجرة طلبا للعلم والدراسة في دول الخارج، إِلَّا أنّه يبقى مدعوّا للحفاظ على دوره المسيحي أينما كان. ولا بدّ للدولة، في الوقت نفسه، من تحسين الأوضاع العامَّة ككلّ وتأمين فرص العمل لكي يبقى اللبنانيون في أرضهم. فالحروب مؤقتة، ولا بدّ من أن تنتهي مهما طال أمدها، والأهمّ هو أن تبدأ الدولة بوضع الأسس الثابتة التي تحافظ على شعبها في أرضه".
وأشارت المصادر الى أنّ المجتمعين توقّفوا عند ظاهرة هجرة الشباب المسيحي الماروني من لبنان ودول الشرق الأوسط نحو بلدان الانتشار، سيما أنّ الإحصاءات تظهر انها تتعاظم باستمرار، ما يطرح إشكالية تناقص عددهم في الاوطان الأم، وتزايد الحاجات الرعوية لخدمتهم في الدول المضيفة، في كلّ من أوروبا وأفريقيا، وأميركا وأستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا. الأمر الذي من شأنه توطيد التواصل بين الأبرشيات في بلدان الانتشار والأبرياء والرهبانيات في لبنان، بهدف توطيد التواصل وشدّ أواصر الروابط.
وأوضحت المصادر الكنسية بأنّ السينودس قرّر تأليف لجنة أسقفية لتهيئة الأجواء للمسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة، التي سبق وأن أطلقها البطريرك الراعي في 14 نيسان الفائت خلال اللقاء الذي جمعه بالنواب المسيحيين في مزار سيدة لبنان في حريصا، وكلَّف اللجنة البدء بعملها.. وهذه المسيرة مهمّة جدّا لأنّه يُفترض أن تشمل الجميع، كونها وطنية بهدف تنقية الذاكرة، ما يُسهِّل مسيرة المصالحة الوطنية والسلام والوحدة بين جميع اللبنانيين. الأمر الضروري لإعادة بناء لبنان كوطن، وكبلد-الرسالة الذي تحدّث عنها البابا القديس يوحنا بولس الثاني. على أن يتمّ تباعا صدور بيانات عن بكركي، عن نشاطات هذه اللجنة، وأجندة عملها ما الى ذلك.
أمّا التدابير الكنسية الصادرة عن السينودس، المتعلّقة بالشأن الكنسي مثل الإصلاح الليتورجي، والتنشئة الكهنوتية، فسيبدأ بتطبيقها في الأبرشيات والمؤسسات الكنسية. فضلاً عن تطبيق توصيات السينودس (الذي عقد في روما على دورتين تشرين الأول 2023 وتشرين الثاني 2024) الواردة في الوثيقة الختامية، وفق خطة عملية، و"بطريقة تتناسب مع الثقافات المحلية واحتياجات الكنائس"، على ما ورد في البيان الختامي.
كذلك فإنّ السينودس، على ما لفتت، تطرّق الى الشؤون القانونية وخدمة العدالة في المحاكم الروحية، ولا سيما أن المشاكل العائلية تتكاثر في هذه الآونة. وتعمل الكنيسة على الإصغاء الى المتقاضين، ومرافقتها قبل السير بالدعاوى. كما تقترح المصالحات وتخفيف التشنجات والنظر الى مصلحة الأولاد، وتسريع إصدار الأحكام. وتمنح بالتالي معونات قضائية لمن هم بحاجة. فتفاقم الأزمات الأخلاقية والنفسية والمادية غالبا ما يؤدّي الى تفكُّك العائلة، وتعمل الكنيسة على تنظيم دورات تنشئة للإكليروس والعلمانيين لتولّيهم مسؤوليات مثل الاصغاء والمرافقة القانونية والنفسية وما الى ذلك.
كما جرى التطرّف الى الشؤون الإدارية والرعوية التي تؤديها المكاتب والمؤسسات الرعوية، في سبيل تأدية الخدمة الروحية والإنسانية والإجتماعية والوطنية المطلوبة منها تحت إشراف غبطة البطريرك. وناقش المجتمعون الحرب الجارية بين "إسرائيل" وإيران، وأقلتهم تداعياتها على المنطقة، ولهذا دعوا الى "وقف الحرب والعودة الى منطق الحوار والحلول الديبلوماسية"، ولا سيما في غزّة.
وبحث السينودس في الشؤون الاجتماعية والتربوية وخدمة المحبة، وفي واقع المؤسسات الحكومية والرسمية العاجزة عن القيام بواجباتها لتسهيل حياة المواطنين. كما في واقع المؤسسات الكنسية، لا سيما التربوية والصحية التي تمرّ في مرحلة صعبة ماليا. وطالب المجتمعون الدولة بتحمّل مسؤولياتها كاملة، ومساعدة الأهالي في التحديات التي يواجهونها في ظلّ الظروف الصعبة.
وأكّدت المصادر الكنسية بأنّه من مهام الكنيسة الدعوة دائما كلّ المتنازعين الى وقف العنف، وإنهاء الحرب. وصحيح أنّه ليس لديها سلطة سياسية أو عسكرية، لكن سلطتها الدينية والروحية تكفي لدعوة المجتمع الدولي الى اتخاذ القرارات المناسبة لحماية الشعوب وحقوقها.
وبالنسبة الى لبنان، تقول إن "هناك أزمة خطرة تُهدّد كيانه، وهويته، وتضعه في مأزق وجودي مصيري بالغ الخطورة"، ولكن علامات الرجاء بدأت تظهر اليوم مع العهد الجديد الذي وعد ببناء دولة القانون وإعادة الثقة الى اللبنانيين. الأمر الذي يتطلّب إطلاق عجلة التعيينات والتشكيلات تنفيذا للاصلاحات المطلوبة، وتسريع الخطوات في اتخاذ القرارات الجريئة والصائبة، مثل إعادة الودائع كاملة، وتنفيذ القرار 1701، وحصر السلاح بيد الدولة، وإصلاح القطاع المصرفي، وضبط المعابر ووقف التهريب، ومكافحة الفساد وما الى ذلك.