حزب الله من الذراع الأقوى إلى ورقة في ملف؟

حزب الله من الذراع الأقوى إلى ورقة في ملف؟

image

حزب الله من الذراع الأقوى إلى ورقة في ملف؟
لبنان لن يكون بعيدًا عن تداعيات تلك الصفقة الكبرى ... انتصار حقيقي وآخر مفتعل 

إبراهيم الرز - المدن
بعد اثني عشر يوماً من حربٍ كانت تُنذر بطول أمدها، خاصةً في ظل الضربة النوعية التي وجّهتها الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية، أتى الرد الإيراني محدوداً، واقتصر على استهداف قاعدة "العديد" الأميركية في قطر. ردٌّ وُصف بالرمزي، وكأن هدفه حفظ ماء الوجه أكثر من كونه ردًا استراتيجيًا، ليمهّد بعدها لإعلان مفاجئ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي خرج على العالم بتغريدة أعلن فيها وقف إطلاق النار، دون اتفاق مكتوب أو حتى تفاهم مُعلن، بل بمجرد تغريدة.
مشهد غير مألوف، لا سيما أن التصعيد الأخير بدا وكأنه يتجه نحو مواجهة إقليمية شاملة، وسط استعدادات كانت توحي بموجات متصاعدة من العنف.

لكن الإعلان الأميركي أوقف كل شيء فجأة. وهنا يُطرح سؤال بديهي: كيف يمكن لحرب إقليمية بهذا الحجم أن تتوقف بتغريدة؟ أين هو الاتفاق؟ أين الشروط؟ وأين الضمانات؟ وما الذي يُفسّر هذا التراجع المفاجئ في منسوب النار؟

وقف النار... ولكن إلى متى؟
وقف إطلاق النار هذا، حتى اللحظة، لا يزال هشاً وملغوماً بالاحتمالات. لم تُطرح التنازلات بعد، ولم تُعلن أي تفاهمات واضحة. كل طرف لا يزال متمسكًا بمطالبه القصوى.

الإيرانيون، حتى عشية وقف النار، لم يتزحزحوا عن مطلبهم المتمثل في الاحتفاظ بحق التخصيب النووي على أراضيهم. في المقابل، ما زالت إسرائيل تتمسّك بموقفها المعلن: "صفر تخصيب"، وتفكيك البرنامج النووي بالكامل (على الطريقة الليبية)، فضلاً عن تفكيك البرنامج الصاروخي الباليستي، الذي كبّدها خسائر ملموسة في الجولة الأخيرة من المواجهة. أما الهدف غير المُعلن، فهو تغيير النظام الإيراني.

من المنتصر؟
رغم الغموض الذي يلفّ مسار المفاوضات المقبلة، يبدو ان هناك انتصاراً حقيقياً وآخر مفتعلاً على طريقة الممانعة.

الإيراني طالما ان النظام باقٍ فهو منتصر. تذكروا ان صدام حسين عندما أُخرج بالقوة من الكويت عام 1991 في إحدى أكبر المذلات لجيشه عاش حتى 2003 على نغمات الانتصار فقط لأن نظامه بقي موجوداً.

الايراني فسر انتصاره ليس بحجم الخسائر في القيادات ولا في المنشآت العسكرية أو النووية بل بأنه فرض شرطه الأساسي: وقف النار أولاً، ثم التفاوض، وواصل إطلاق صواريخه حتى اللحظة الأخيرة بل دخل في عملية شبه منسقة بأن ضرب للمرة الأولى قاعدة أميركية في الخليج لم تصب شيئا ولم تجرح أحدا.

المنطق الايراني بالانتصار كان شبيهاً بمنطق حزب الله الذي أعلن الانتصار فوق الكارثة التي تسببت بها حرب الإسناد استناداً إلى أن إسرائيل لم تحقق هدفها بإزالته.

الأميركي، انتصر عبر ضرب منشآت حساسة كفوردو، ونطنز، واصفهان، وفرض شرط ترامب باستحالة حصول إيران على القنبلة نووية، أكد مجددًا أنه الوحيد القادر على فرض التوازن في الإقليم. كما أن أميركا خرجت بما يسمى في المفهوم العسكري "العملية النظيفة" أي لم تسقط أي طائرة ولم يجرح حتى جندي واحد .

الإسرائيلي يرى نفسه في موقع التفوق العسكري والتقني: تم تدمير البرنامج النووي الإيراني عمليًا بالاتفاق مع الاميركيين، ونفّذ عمليات دقيقة داخل العمق الإيراني وكشف إيران على أكبر فضيحة أمنية عبر قتل وتصفية قادتها العسكريين وعلمائها النوويين.

كان نتنياهو بحاجة إلى ضرب أميركا للمفاعلات الايرانية كونه يريد ورقة لوقف العملية العسكرية والقول للإسرائيليين الذين تعرضوا للمرة الأولى إلى هذا الكم من دمار أبنية وخوف بأن مستقبلهم أفضل في غياب الخطر النووي. الميدان سكت، إنما الأسئلة لم تهدأ.

مفاوضات بلا شروط؟
الأنظار تتجه إلى طاولة المفاوضات. هل نحن على عتبة نسخة معدّلة من اتفاق 2005؟ هل تُمنح إيران حق التخصيب لكن تحت إشراف مباشر من روسيا مثلا؟ أم تُعاد صياغة اتفاق نووي–إقليمي أوسع يشمل الباليستي والأذرع الإقليمية؟

الأكيد أن لا طرف أعلن حتى الآن أي تراجع ملموس. ومع ذلك، يسير الجميع نحو حوار يبقي باب التسوية مفتوحًا، لكنه لا يقفله أمام احتمالات العودة إلى التصعيد.

حزب الله: من ذراع إلى ورقة تفاوض؟
أمام هذه الوقائع، قد تتحول ورقة حزب الله إلى بند تفاوضي جدي على طاولة الإيرانيين. لا يعني ذلك بالضرورة أن طهران تتخلى عن حليفها اللبناني، لكنها قد تعرض تفكيك الذراع العسكرية للحزب ـ جزئيًا أو تدريجيًا ـ كجزء من تسوية كبرى تضمن لها احتفاظًا ببعض مكاسبها في الملفين النووي والباليستي. فحزب الله اليوم هو الورقة الإيرانية الأضعف، وذلك لعدة أسباب.

فبعد الحرب الأخيرة، بات الحزب محصورًا فعليًا شمال نهر الليطاني، فيما فقد القدرة على العمل العسكري جنوبًا، وفق القرار 1701.  القدرات الاستراتيجية تضررت، خطوط الإمداد شُلّت، والساحة اللبنانية ضاقت بالحزب عسكريًا وشعبيًا وسياسيًا.

التفاوض هنا لا يدور حول تهدئة ظرفية أو تجميد مؤقت للجبهة مع إسرائيل، بل حول تفكيك منظّم للقدرة العسكرية المستقلة للحزب، بما يشبه إنهاء دوره كمكوّن مسلّح خارج إطار الدولة. خطوة بهذا الحجم، إن طُرحت بغطاء إيراني تفاوضي، ستكون مكسبًا غربيًا وإسرائيليًا واضحًا، ويمكن لطهران أن توظفها لتحصيل تنازلات مقابلة في ملفات أكثر حيوية بالنسبة لها.

مهما تكن وجهة المفاوضات المقبلة، فإن ما بعد هذه الحرب ليس كما قبلها. التصعيد الذي بدا بلا سقف، توقف فجأة بتغريدة. الأطراف جميعها تتصرّف وكأنها ربحت، فيما الحقيقة أن أحداً لم يحسم شيئاً بعد. لكن ما تغيّر فعليًا هو طبيعة الأوراق الموضوعة على الطاولة: منشآت مدمّرة وتحولات ميدانية فتحت باب التفاوض على أسس جديدة.

وفي هذا السياق، يبدو أن لبنان لن يكون بعيدًا عن تداعيات تلك الصفقة الكبرى، لا كميدان مواجهة، بل كمساحة اختبار لقدرة إيران على تقديم "تنازلات فعلية" تبدأ من حزب الله، الذي بات — بحسابات الحرب والسياسة — الورقة الأضعف في يد طهران.

فهل نشهد بداية نهاية حزب الله كقوة عسكرية مستقلة؟ أم أن ما جرى ليس سوى استراحة مؤقتة في صراع طويل؟


مقالات عن

حزب الله