كم تكلّف حماية إمدادات النفط عالمياً؟
مؤشرات بالغة الدقة تكشف عن هشاشة السلاسل
باولا عطية - النهار
في ظل تزايد التوترات الإقليمية والدولية، وخصوصاً في مناطق مضيق هرمز وبحر العرب والخليج العربي، باتت تكلفة حماية إمدادات النفط العالمية عبئاً متعاظماً على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. وتشير البيانات التي قدّمتها شركة لويدز البريطانية للتأمين، إلى مؤشرات بالغة الدقة، تكشف عن هشاشة سلاسل إمداد الطاقة عالمياً، وارتباطها الوثيق بالتحولات الجيوسياسية والأمنية في مناطق العبور الاستراتيجية.
أهمية مضيق هرمز في تجارة النفط
بحسب البيانات، يمرّ 40% من تجارة النفط العالمية عبر مضيقي هرمز وباب المندب، ما يضع هذين الممرّين في قلب معادلة الطاقة العالمية. مضيق هرمز وحده يُعدّ الشريان الرئيسي لصادرات النفط الآتية من الخليج العربي إلى الأسواق العالمية، بينما يكتسب باب المندب أهميته لربطه بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما يجعله طريقاً حيوياً نحو أوروبا وأميركا.
الكلفة العسكرية لحماية الإمدادات
تكشف البيانات أن الإنفاق العسكري الأميركي في حماية طرق الإمداد النفطي في الشرق الأوسط يصل إلى نحو 81 مليار دولار سنوياً. هذا الرقم يعكس حجم الموارد المالية والبشرية التي تستثمرها واشنطن لحماية مصالحها الطاقوية وحلفائها في المنطقة. وبمعنى آخر، فإن فاتورة الطاقة لا تقتصر على تكلفة الاستخراج والنقل فقط، بل تشمل أيضًا تكلفة التأمين العسكري والسياسي.
تهديدات الملاحة وتأثيرها على السوق
كما أظهرت البيانات أن 16% من السفن التجارية تتعرض لتهديدات أو هجمات مباشرة في البحر الأحمر والممرات المجاورة. وهذا الرقم خطير للغاية، إذ يعكس هشاشة أمن النقل البحري وارتفاع درجة المخاطر المرتبطة بمرور السفن، خاصة بعد تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وارتفاع احتمال استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة.
ارتفاع تكاليف التأمين البحري
نتيجة لهذه التهديدات، ارتفعت تكاليف التأمين على شحنات النفط عبر مضيق هرمز والخليج العربي بنسبة تجاوزت 400%. هذا الارتفاع الهائل في التأمين لا يُحمَّل على شركات الشحن فقط، بل ينعكس مباشرة على أسعار النفط، وبالتالي على المستهلك النهائي في مختلف أنحاء العالم. فكل ناقلة نفط تمر من الخليج تُصبح عبئاً مالياً أكبر على السوق كلما ارتفعت درجة المخاطر.
الكلفة الخفية في سعر البرميل
تشير الدراسة كذلك إلى أن تكلفة الحماية العسكرية تُضيف ما يقارب "10 دولارات إلى كل برميل نفط يتم شحنه من الشرق الأوسط"، وهي كلفة غير مباشرة لكنها محسوسة في الأسواق العالمية. وهذا يعني أن الاضطرابات الأمنية لا تؤثر فقط على كميات المعروض، بل ترفع أسعار النفط حتى في حال ثبات الإنتاج.
أمن الطاقة العالمي قضية اقتصادية استراتيجية
البيانات الواردة تؤكد أن أمن الطاقة العالمي لم يعد مجرد قضية اقتصادية أو لوجستية، بل بات قضية استراتيجية تمسّ الأمن القومي للدول. ارتفاع تكاليف التأمين، وزيادة الإنفاق العسكري، وتصاعد الهجمات البحرية، كلها عوامل تهدّد استقرار أسواق النفط وتفرض ضغوطاً إضافية على الدول المستوردة والمستهلكين.
إن استمرار الاعتماد الكبير على ممرات بحرية محفوفة بالمخاطر، مثل مضيق هرمز وباب المندب، يضع العالم أمام معادلة غير متوازنة بين الطلب والاستقرار. وهو ما يفسّر سعي العديد من الدول إلى تنويع مصادر الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتطوير بدائل نقل آمنة للنفط والغاز مثل خطوط الأنابيب البرية.
في المحصلة، فإن السؤال لم يعد "كم يكلف استخراج النفط؟"، بل "كم يكلف تأمين وصوله؟"، وهذه الكلفة مرشحة للارتفاع مع كل أزمة سياسية جديدة في الشرق الأوسط، ومع كل توتر في الممرات البحرية.