مغامرة العلاقات في لبنان: إما الشريكان قد الحملة وإما بلا
حتى الأهل الذين لديهم ولد واحد يعيشون ضغوطات حياتية جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية
مازن مجوز - نداء الوطن"
تتعدد الأسباب الكامنة وراء رفض أو عدم القدرة أو التحفظ حيال قرار دخول الشاب اللبناني في علاقة مع شابة لبنانية، فهي لا تنحصر في الخوف من الفشل، بل تتعداها إلى مدى قدرته على المجازفة ومواجهة المخاطر المتأتية من العوامل التي يخاف منها، علمًا أن هذه العوامل تختلف بين شاب وآخر، وفي حال بقائه في دوامة الخوف، فإنّه من الأفضل له أن يتقبل نفسه من دون علاقة.
وفي المجمل، تحمل العلاقة تعريفات عدة منها أنها «عِبارة عن مشروع، يتضمن احتمالاتٍ كثيرة»، منها أن يكون عمره قصيرًا أو طويلًا، الفشل أو النجاح، لكن في حال أردنا التحدث عن علاقة سليمة ومتوازنة ومستدامة، فإنه يتوجب على كل من الرجال والنساء على حد سواء السعي لتوفير معايير صحية للعلاقة الزوجية قبل الارتباط بشكل رسمي، وإن كان ذلك مطلوبًا من «رب الأسرة المستقبلي» أكثر نسبيًا من «شريكة حياته المستقبلية».
وفي هذا السياق ترى الدكتورة في علم النفس العيادي إيمان رزق أن أي علاقة كانت تقوم في الماضي على الرجل والمرأة، لكننا نشهد اليوم علاقة بين رجل ورجل، وامرأة وامرأة، و«ما يهمنا في الحالة الأولى هو أن المشكلة حاليًا تتمثل في الثقافة، الثقافة عند الشباب والرجال والثقافة عند الشابات والنساء، فيما مشكلة تراجع الإنجاب تعود إلى المشكلة الاقتصادية التي يمر فيها لبنان أكثر من ارتباطها بمعايير العلاقة الصحية».
وتتابع، إن المرأة في لبنان ازدادت رغبتها في استكمال مسارها التعليمي الجامعي، وزاد طموحها في نيل شهادة الدكتوراه أو الشهادات الجامعية العليا، بالتزامن مع عملها أو وصولًا إلى المباشرة بالعمل أو الوظيفة التي ترغب بمزاولته/ ها، وهذا ما يؤدي إلى التأخر في الزواج والإنجاب، لافتة إلى أن الذي يحصل مع الشباب اللبناني اليوم هو نجاحه في المسار التعليمي، ومباشرته العمل في مجال معين، لكن الأغلبية من الشباب غير قادرة على شراء شقة، وتحمل مسؤوليات الزواج الكبيرة، ما يؤخره عن الدخول في الزواج.
ففي بعض التعريفات للمرأة المتزوجة الناجحة نجد أنها تلك التي تعرف كيف تخلق توازنًا ما بين نجاحها المهني ومتطلبات أسرتها، وكيف تحافظ على تواضعها تجاه زوجها مهما بلغت من مراكز، فيما تسعى المرأة العاملة (العزباء) إلى تحقيق ذاتها وكيانها من خلال عملها، فهو يشعرها بالرضا والسرور والنجاح.
وتتوقف رزق عند الثقافة والتوعية عند المرأة كعاملَين يزيدان من نسبة الزواج، مشيرة إلى أن الإنجاب قرار يتخذه الطرفان، فهما سيكونان مسؤولين عن أطفالهما، وما يحتاجونه من متطلبات ورفاهية اقتصادية وصحية، معتبرة أن الرفاهية النفسية تختلف بدرجاتها عندما يكون لدى العائلة ولد واحد أو ولدين أو ثلاثة. واليوم بتنا نلاحظ من خلال الدراسات التي نقوم بها، أنه حتى الأهل الذين لديهم ولد واحد يعيشون ضغوطات حياتية جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها لبنان.
وتؤكد رزق على أنه من الضروري أن يكون الأهل يعيشون في رفاهية نفسية حتى يعيش أولادهم في رفاهية نفسية، كي نتمكن من تكوين مجتمع صالح، مشددة على أن مسألة دخول جيل الشباب اللبناني في علاقة لا تتعلق في ازدياد وعي النساء ومدى حاجتهنّ إلى الزواج بل بقلة وعي الشباب والرجال وبمستوى الحالة الاقتصادية التي يعيشها كل منهم .
بدورها تعلق الدكتورة زكية رشيدي، الباحثة في العلوم الاجتماعية أن توفر المعايير الصحية في العلاقة الزوجية من شأنه أن يساهم في النمو العاطفي والنفسي لكِلا الشريكين، ويتعلق توفرها بمدى تأمين علاقة زوجية تتسم بالديمومة، لا تجنب الشريكين الطلاق فحسب بل أيضًا تجنبهما الوقوع في فخ الطلاق العاطفي المنتشر لدى الكثير من الأزواج، مؤكدة أن هذا النوع من «الطلاق» من شأنه أن يؤثر سلبًا على بنية الأسرة من خلال انقطاع العلاقة العاطفية بين الزوجين بالرغم من ارتباطهما، وعلى الأطفال أيضًا.
وتضيف أن التأكد من توافر هذه المعايير هو واجب على الطرفين قبل الزواج، وتشرح «مع دخول المرأة اللبنانية إلى سوق العمل وازدياد وعيها بأهمية بناء علاقة زوجية صحية وغير سامة، تقوم بالدرجة الأولى على الاحترام والاهتمام المتبادل، المتأتي من تمتع الرجل بدرجة عالية من الوعي والذكاء العاطفي لابقاء العلاقة صحيّة بينهما»، وهذا يتجسد من خلال احترامه رأيها وقراراتها، وهي عادة غير متوفرة بدرجة كبيرة في عقلية الرجل الشرقي الذي ينظر للمرأة كتابعة له في موقع أدنى وفق تعبيرها.
وترى رشيدي بأن المرأة أصبحت اليوم أكثر وعيًا لأهمية العلاقة الزوجية الصحيحة، حيث لم تعد المرأة تنظر اليها كحاجة بل كإضافة، أي مع الاكتفاء المالي والذاتي أصبحت المرأة تتطلع إلى الرجل الذي يوفر لها الدعم النفسي والعاطفي في الأوقات التي تعاني منها من ضغوط حياتية ومهنية، يعتني بصحتها النفسية والجسدية، يحفظ خصوصيتها ويحترم حدودها الشخصية، لا يكون متسلطًا عليها، هذا من شأنه أن يجعل العلاقة بينهما تتسم بالتفاهم والثقة والتواصل الفعال في مرحلة الزواج.
وتختم رشيدي معتبرة أن هذه المعايير الجديدة لا بد أن يتفهمها الرجل اللبناني الذي يسعى لإيجاد شريكة يؤسس معها أسرة سليمة خالية من الشوائب كالتسلط والتهميش وحتى الخيانة، مضيفة أن هذه المعايير إلى جانب ما تم شرحه أعلاه، ساهمت في الحدّ من الدخول في علاقات جديّة بين الرجل والمرأة وانعكس ذلك على رفع سن الزواج لديهما، وحتى على ارتفاع نسب الطلاق أيضًا. ومع ارتفاع سن الزواج خاصة لدى المرأة تقل فرص الإنجاب لديها، وذلك لتقلص فترة الخصوبة عندها.
وأمام هذا الواقع الجديد، يبدو أن تراجع نسبة الولادات في لبنان سيؤثر حتمًا على التركيبة السكانية للبنان ويحوله رويدًا رويدًا من تركيبة سكانية فتية إلى هرمية، وأن هذا التحول سيؤثر على عدد سكان لبنان في ظل تنامي الولادات الأجنبية على أراضيه، ما يفتح الباب أمام تحديات سياسية، اقتصادية، ثقافية وهوياتية بات عدد من القيادات السياسية على دراية بها وبمخاطرها.