إعادة الإعمار و”الشّروط” السّعوديّة

إعادة الإعمار و”الشّروط” السّعوديّة

image

إعادة الإعمار و”الشّروط” السّعوديّة
ضرورة تثبيت مسار حصر السلاح بيد الدولة من دون ربط إعادة الإعمار بشروط مقيّدة

ملاك عقيل - اساس ميديا
تراجَع ملفّ إعادة الإعمار خطوات إلى الوراء بعدما أدّت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية إلى ما يُشبِه “تسونامي” ضرب المنطقة. على الساحة اللبنانية لا يزال الهمّ الرئاسي الأكبر لجم تداعيات “الصراع النووي” على أجندة الداخل، حتّى بعد الإعلان الرسمي لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، مع تخوّف رسمي كبير من جدّية التسريبات التي تتحدّث عن قرار مُتّخذ بعدم السماح، على المدى البعيد، بعودة الجنوبيّين إلى قراهم.

خلال زيارته الأولى للبنان لم يتطرّق المبعوث الأميركي الخاصّ إلى سوريا، سفير واشنطن لدى تركيا، توماس بارّاك إلى ملفّ إعادة إعمار الجنوب، بل أسهب، وفق المعلومات، في الحديث عن الإصلاحات والوضع الاقتصادي، والعلاقة مع سوريا الجديدة، والمؤتمر الدولي لدعم لبنان، وشروطه، من دون التطرّق إلى ملفّ إعادة إعمار الجنوب بالمفهوم “المحلّي” للكلمة.

كان الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان آخر الموفدين الدوليّين الذين تحدّثوا مع المسؤولين اللبنانيين عن ملفّ إعادة الإعمار، وتزامنت زيارته مع عقد مؤتمر الدول المانحة في السراي الحكومي في التاسع من الجاري، الذي بدا كـ”بروفا” محلّية للمؤتمر الدولي المزمع عقده في فرنسا في أيلول المقبل لدعم لبنان، والذي تُرجّح مصادر مطّلعة أن يبقى رهينة الظرف الإقليمي، وتطوّرات “تفاعل” الجانب اللبناني مع المطلوب منه دوليّاً.

تُشدّد المصادر على أنّ “لودريان، خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، لم يربط ملفّ إعادة الإعمار بنزع سلاح “الحزب”، بل استفاض أكثر في ربطه بتنفيذ الإصلاحات، مطالباً بإصدار قانون إعادة هيكلة المصارف الذي أقرّته الحكومة وأرسلته إلى مجلس النوّاب لمناقشته، مع إشارة إلى عدم ربطه بالضرورة بمسألة الفجوة الماليّة. وهو الموضوع نفسه الذي شكّل أحد محاور النقاش للمستشار الاقتصادي للموفد الرئاسي الفرنسي جان جاك دو لاجوجيه مع رئيس الحكومة، وعدّة مسؤولين لبنانيين في الأيّام الماضية، في شأن الإصلاحات الاقتصادية والماليّة، والتحضيرات لمؤتمر الدول المانحة لمساعدة لبنان، الذي تضغط باريس لإجرائه في موعده في أيلول المقبل”.

تطرّق لودريان، وفق المصادر، إلى “ضرورة تثبيت مسار  حصر السلاح بيد الدولة، من دون أن يربط إعادة الإعمار بشروط مقيّدة، باستثناء توفير التمويل الدوليّ اللازم، وانطلاق المبادرة من قبل القادة اللبنانيين”.

لكن في حديث إعلامي، خلال وجوده في لبنان، قال لودريان: “لا أرى كيف يمكننا الشروع في إعادة إعمار الجنوب، إذا لم يكن هناك أمن في الجنوب، وما لم يُحصَر السلاح بيد الدولة، وتتولّى القوّات المسلّحة اللبنانية وحدها هذه المُهمّة لضمان الأمن وتمكين إعادة الإعمار”.

لا ربط بين السّلاح والإعمار!

المفارقة أنّ أوساطاً مقرّبة من مرجعيّات رئاسية تؤكّد لـ”أساس” أنّ “أيّاً من الموفدين الدوليّين لم يربط، طوال الأشهر الماضية، بين إعادة الإعمار ونزع السلاح، بما في ذلك الموفدة الأميركية السابقة إلى لبنان مورغان أورتاغوس التي كانت تركّز على موضوع السلاح، ربّما لكون واشنطن تعتبر أنّ حلّ مسألة السلاح هو الممرّ الإلزامي لكلّ الملفّات الأخرى”.

في السياق نفسه، برزت محلّيّاً الزيارة العلنيّة الأولى التي قام بها الوزير السابق علي حمية للرئيس نبيه برّي، بصفته مستشار رئيس الجمهورية لشؤون إعادة الإعمار، وتشير المعلومات إلى أنّ هذا الملفّ يلقى تركيزاً داخليّاً أكبر بكثير من الخارج.

في مطلق الأحوال، فإنّ الدول الأكثر اندفاعاً حتّى الآن نحو ملفّ إعادة إعمار الجنوب، هي فرنسا وإيران والعراق. فخلال زيارته لبنان بداية حزيران، طلب وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي من رئيسَي الجمهورية والحكومة تحديد الآليّة الرسمية و”طهران جاهزة لتقديم أيّ دعم ماليّ”، فيما أبلغ العراق رئيس الجمهورية إبّان زيارته بغداد بأنّه جاهز لتجيير أموال الفيول العراقي في مشروع إعادة الإعمار.

تصوّر سعوديّ لإعادة الإعمار

في مقابل واشنطن التي تدير ظهرها راهناً لملفّ إعادة الإعمار، ودول الخليج التي تنتظر استقراراً أمنيّاً أكبر، ودول الاتّحاد الأوروبي التي تقف خلف فرنسا كي تتحرّك، كانت للسعوديّة منذ البداية مقاربتها الأكثر تفصيلاً حيال الملفّ.

هناك تصوّر سعوديّ واضح لملفّ إعادة الإعمار ينطلق من مواكبة المملكة لتجربة عام 2006 في الإعمار، التي سلّمت الرياض بحصول أخطاء فيها أوقعت الدولة في سوء الإدارة. وتوزّع التعثّر على ثلاثة مستويات أساسية تُشكّل خلاصة سعوديّة لتجربة عام 2006 في إعادة الإعمار، من غير المفترض تكرارها.

وفق معلومات “أساس” اطّلعت مرجعيّة رئاسية بشكل وافٍ على الموقف السعودي الذي يشمل النقاط الآتية، بغضّ النظر عن نتائج الحرب العسكرية في المنطقة بين تل أبيب وطهران:

– تعدّد الجهات التي تولّت مهمّة الكشف عن الأضرار، ومعظمها كان خارج نطاق أجهزة الدولة الرسمية، فقلّت معايير الشفافية في التنفيذ.

– تعدّد آليّات التمويل. هناك جهات دفعت للحكومة، وأخرى للمصارف، وأخرى للأحزاب، وأخرى لمنظّمات غير حكومية، فحصل هدرٌ كبير.

– سوء الإدارة على مستوى التنفيذ، وعدم حصول مناقصات، أو اعتماد خارطة طريق تنفيذية وشفّافة.

تستخلص جهات رسمية أنّ السعوديّة ستجهد لتجنّب الأخطاء على هذه المستويات، معتبرة أنّ المؤتمر الدولي، إذا توافرت مقوّماته السياسية والماليّة، سيعالج هذه الثغراث الثلاث بشكل علميّ.

الجيش وكشف الأضرار

تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ في مرحلة انطلاق العهد طرح السعوديّون أن يتولّى الجيش مهمّة الكشف عن الأضرار، جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية، لكنّ ردّ رئاسة الجمهورية كان أنّ هذا الأمر صعب نظراً للمهامّ الكبيرة جدّاً الملقاة على عاتق المؤسّسة العسكرية في هذه المرحلة المصيريّة.

كلّ هذه التفاصيل، السابقة لاندلاع المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل وتتبّع نتائجها، ستبقى على الورق ما لم يكن من قرار دوليّ بفتح ملفّ إعادة الإعمار بشكل جدّيّ ربطاً بتنفيذ لبنان دفتر الشروط المطلوب منه، وفي ظلّ تنامي المؤشّرات إلى الرغبة الإسرائيلية الصريحة بإبقاء الجنوبيّين خارج أرضهم، من ضمن أوراق الضغط على “الحزب”، وتوسيع دائرة الاستهدافات في شمال الليطاني، بشكل منظّم، لخلق واقع مضطرب يُصعّب العودة، التي لا مال دوليّاً لها بعد، ويدفع “الحزب” إلى مزيد من التنازلات، في ظلّ تمسّك إسرائيلي بتكريس حالة الاحتلال للنقاط الحدودية جنوباً.