الوزيرة الزين: مستحقات المقالع والكسارات... هذه أسباب «التجميد»
وجود أخطاء جوهرية كأرقام العقارات أو المنطقة أو المالك والمستثمر
شربل البيسري - الجمهورية
منذ انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990، نشأت علاقة شائكة بين إعادة الإعمار وقطاع المقالع الذي وُضع في الواجهة لتأمين المواد الأولية لصناعة البناء. إلّا أنّ هذا القطاع الذي يشكّل مصدراً اقتصادياً حيَوياً، تحوّل تدريجاً إلى معضلة بيئية-تشريعية بسبب التمدّد العشوائي، ضعف الرقابة، وتداخل النفوذ السياسي.
قطاع المقالع في لبنان لم يكن مجرّد فوضى تنظيمية، بل مظهراً من مظاهر انهيار الحَوكمة البيئية والمؤسساتية، ومعالجته تتطلّب مقاربةً شاملةً تدمج التكنولوجيا، التشريع، العدالة البيئية، والمشاركة المجتمعية.
في عهد الوزير السابق دميانوس قطار صدر مرسوم إجراء الجيش اللبناني للمسح بمؤازرة قوى الأمن الداخلي، مسحاً للكسارات والمقالع التي تغطي أكثر من 26,6 كلم²، ما يعادل 70% من مساحة بيروت. وعلى رغم من صدور مراسيم تنظيمية عدة منذ عام 1996، لم نشهد نتائج فعلية على الأرض، بل مقالع غير مرخصة، فواتير بيئية غير مدفوعة، وتواطؤ رسمي حوّل الدولة إلى شاهد عاجز.
بين عامي 2007 و2018، سُجّل استخراج أكثر من 198 مليون م³ من الصخور والمواد، في ظل وجود أكثر من 1,247 مقلعاً، بينما لا يملك الترخيص القانوني سوى مقلع واحد.
في ظل هذه الوقائع، أصدرت UNDP تقريرها، ثم دخل برنامج Y4G بالتعاون مع وزارة البيئة ومنظمة Siren وكلية الحقوق في جامعة القديس يوسف، مشروعاً استند إلى رقمنة الرقابة عبر نموذج يعتمد الصور الجوية ويرصد المقالع - لكن لا يمكن أن يُحلّل توسعاتها وأثرها البيئي لأنّها صور منخفضة الدقة.
وعلى رغم من وجود قوانين واضحة أبرزها المرسوم 8803 /2002 وقانون البيئة 444 /2002، ظلّ التنفيذ غائباً. وقد صدر في العام 2020 المرسوم 6569 لوضع آلية لتحصيل الرسوم، لكنّ التنفيذ تأخّر حتى 2024.
لتعويض هذا الغياب، أنشأت وزارة البيئة منصة رقمية تُصدر أوامر التحصيل، وتُرسَل عبر LibanPost، على أن يتابعها المدّعي العام البيئي ودائرة القضايا.
وتؤكّد كارول شرباتي، الأستاذة المحاضرة في جامعة القديس يوسف وأحد المسؤولين المشرفين على برنامج Y4G، أنّهم لم يواجهوا أي ضغط، «أعددنا التقرير وقدّمنا الأمور كما هي». وتُضيف، أنّ الفريق لم يعمل كجهة رقابية «فالرقابة لم تكن موجودة. لكنّني أفترض، كما يعرف الجميع، هناك نقص في القدرات، وربما ضغوط سياسية».
بحسب التقديرات الأولية وفي ما يتعلّق بالخسائر المالية، فإنّ الدولة اللبنانية مطالبة بتحصيل ما مجموعه 3,7 مليارات دولار من المخالفين، من بينها 588 مليون دولار كلفة التدهور البيئي الناتج من المقالع، و1,9 مليار دولار كلفة تأهيل المواقع المتضرّرة، وهي كلفة لا تزال بمعظمها غير محصّلة.
عن منصة الذكاء الاصطناعي وآلية المسوحات، تؤكّد شرباتي: «استخدمنا Google Earth، ودُرِّبنا على التعرّف على المقالع، تحديد حدودها، تقدير مساحتها، وعمقها. كأنّ لديك كاميرا تُحدِّد مواقع المقالع وتتبّع تطوّرها، أهدافها، وما إلى ذلك. دُمِجَت النتائج في النظام، واستُخدِمت لمقارنة نتائج الذكاء الاصطناعي مع نتائج الجيش، ممّا يُمكِّن وزارة البيئة لاحقاً من مراقبة التغيّرات في المقالع، أو ظهور مقالع جديدة، وما إلى ذلك».
ولمّا أنّه لم يرد أي ذكر صريح لمسؤولية شركات الإسمنت الكبرى، على رغم من أنّها المستفيدة الأساسية، توضّح شرباتي أنّ «فريقنا، وتحديداً الطلاب الشباب، زاروا بعضاً من أكبر شركات الإسمنت، وأجروا نقاشات معهم لفهم وجهة نظرهم واستيعاب الديناميكيات. لكنّ التقرير لم يذكر ذلك، إذ جرى الحديث فقط عن النظام: الإطار القانوني، وكيف تُعَدّ أوامر جمع تكلفة الأضرار البيئية وتُنشر وتُطبَّق».
أين أصبح الملف؟
كشفت وزيرة البيئة تمارا الزين، في مقابلة لـ «الجمهورية»، أنّ الوزارة لا تزال تعمل في الملف ولم تتوقف، موضّحةً أنّ ما ورد في إحدى الصحف عن إيقاف العمل في أوامر التحصيل لضغوط سياسية غير صحيح، بل «جُمِّدَت موقتاً الأوامر التي سبق وصدرت خلال شهر كانون الثاني 2025 (وعددها فقط 71) لحين تصحيح بعض الأخطاء الواردة فيها، ممّا حال أصلاً دون تسديد أي من هذه الأوامر لخزينة الدولة طيلة الأشهر المنصرمة».
وعند سؤال وزيرة البيئة عن أسباب تجميد أوامر التحصيل، كشفت أنّه «أثناء المباشرة بالعمل على متابعة تسديد أوامر التحصيل الصادرة سابقاً والمباشرة بإصدار أوامر التحصيل المتبقية (يفوق عددها 1430)، تبيّن لنا أنّه لدى إرسال أوامر التحصيل البالغ عددها 71، أُعيد 51 أمر تحصيل (بريد مرتجع/غير صالح للتوزيع) مقابل استلام 20 أمر تحصيل تخصّ 7 مكلّفين فقط، ومنهم إثنان عادا وتقدّما باعتراضات على 13 أمر تحصيل يخصّهما».
وتُضيف الزين: «تبيّن في بعض الحالات وجود أخطاء جوهرية، منها مثلاً أخطاء في أرقام العقارات، أو المنطقة العقارية، أو مالكي ومستثمري المقالع» عند إدخال المعلومات، ممّا أدّى إلى أخطاء في احتساب المبالغ المتوجّبة أو اعتبار أوامر التحصيل غير قانونية وفقاً لأبسط أصول الاستدعاء أو التحصيل. علماً أنّ ذلك كان ليُكلّف الدولة اللبنانية مستقبلاً مبالغ طائلة عبر دعاوى المخاصمة أو المماطلة، لو أنّ أوامر التحصيل غير الدقيقة استُكمِلت بهذه الطريقة.
ولذلك، تؤكّد الوزيرة الزين، أنّه توجّب تصحيح أوامر التحصيل ومعالجة الشوائب المعلوماتية والقانونية «حرصاً على حقوق الخزينة وتفادياً لأي شكاوى ودعاوى قضائية قد تطال الوزارة. علماً أنّ أحداً لم يُسدِّد أياً من هذه المبالغ حتى اللحظة بسبب هذه الأخطاء وبسبب ارتجاع الأوامر».
كما أنّ بعض الأخطاء التي ارتكبت كانت بسبب غياب الخبرة الكافية لدى الطلاب الذين عملوا على هذا الملف، من دون أي تدقيق من قبل خبراء متخصّصين بمجال تحليل صور الأقماء الصناعية، عدا عن أنّ هكذا مسوحات جوية تتطلّب صور أقمار صناعية عالية الدقة أو مسيّرات مخصّصة لهذا الغرض، ممّا فرض بحسب الوزيرة الزين أن «يعود اعتمادنا إلى بيانات الجيش أو أي مسوحات إضافية إذا لزم الأمر، ومراجعة شاملة للمنصة الرقمية على رغم من أنّ Siren تتمنّع عن تسليمنا الداتا التي هي مُلك الدولة وليست مُلكاً خاصاً».
يُشار إلى أنّ المجلس الوطني للبحوث العلمية كان قد عمل على مسوحات جوية عالية الدقة من الأقمار الصناعية خلال تقييم آثار الحرب على لبنان، فاعتمدها البنك الدولي لتصويب أرقامه لتقييم حجم الضرر.
بناءً على ذلك، تؤكّد الزين «تشكيل فريق تقني للعمل على تصحيح الأخطاء والتدقيق بباقي الأوامر الصادرة، لإزالة أي شوائب قد يستند عليها مالكو ومستثمرو المقالع للتهرّب من الدفع، وبهدف العمل بشكل صحيح على باقي المقالع التي لم تَصدُر بحقها أي أوامر تحصيل»، مشدّدةً على أنّ كل أمر تحصيل يُنجَز سيُرسل أمر تحصيله مباشرةً من دون أي مماطلة.
كما أنّ أحد أسباب التأخّر في إرسال أوامر التحصيل كان إيضاح وزارة المال بأنّه «حفاظاً على حقوق الخزينة لجهة تمكين وحدات التحصيل المعنية من القيام بمهام التبليغ وتحصيل المبالغ المترتبة على المكلّفين بأوامر التحصيل واتخاذ إجراءات التحصيل اللازمة في حال التخلّف عن الدفع، على وزارة البيئة إرسال التفاصيل وفق نموذج خاص أعدّته وزارة المال، يحمل أرقاماً تسلسلية بهدف توحيده بين مختلف الإدارات العامة التي تصدر أوامر تحصيل».
وتؤكّد الزين، أنّ العمل جارٍ لتحصيل هذه الأموال التي يمكن أن تعوّض الحكومة عن إقرار أي ضرائب أو رسوم، إنّما «لتكون رافداً للخزينة العامة ودفع حقوق موظفي القطاع العام والأسلاك الأمنية والعسكرية، التي لم تألو جهداً في إعداد الملف والقيام بالمسوحات».
على خطٍّ موازٍ، تؤكّد الزين بأنّه بناءً على طلبها، ألغى مجلس الوزراء (قرار رقم 17 تاريخ 2/5/2025) القرار السابق (قرار رقم 56 تاريخ 4/12/2024) الذي تُمنح بموجبه شركات الترابة أذونات ومُهَل لاستثمار مقالعها من دون اتباع مسار التراخيص القانوني، وذلك حرصاً على حقوق الدولة.