"الصرافة" اللبنانية على لوائح التهديد وقوائم الاغتيال: مرحلة جديدة
ملاحقة الحلقة المالية الداعمة لحزب الله
محمد علوش - المدن
في مشهد يكاد يتكرر بسيناريو واحد، عادت إسرائيل لتصوّب سهامها على ما تسميه "شبكات تمويل حزب الله". لكن هذه المرة بخطوات مزدوجة، بدأت بالاغتيال الميداني لأحد الصرافين البارزين، وقد لا تنتهي بالاغتيال المعنوي لعدد من الصرافين عبر منصات التهديد العلني.
لم تمرّ ساعات على قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي باغتيال الحاج هيثم بكري، الصرّاف اللبناني الذي وصفه الجيش الإسرائيلي برئيس شبكة "الصادق" للصرافة، التي يستخدمها حزب الله لنقل المال من إيران إلى بيروت، حتى خرج المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، ليضع على الطاولة أسماء جديدة من شركات الصيرفة اللبنانية، مدعومة بصور المكاتب وعناوينها في لبنان، ضمن ما بدا حملة تهويل وتخويف علنية، يُراد لها أن تستهدف الحلقة المالية الداعمة لحزب الله.
المال... ساحة المواجهة الجديدة
هذه ليست المرة الأولى التي تدرج فيها إسرائيل ملف تمويل حزب الله ضمن بنك أهدافها المباشرة. قبل أشهر، اغتالت فرقة من الموساد الإسرائيلي الصراف محمد سرور في بيت مري، في عملية فتحت الباب على الحرب التي يخوضها العدو بوجه من يصفهم "مشاركين بتمويل حزب الله"، واليوم، بعد النتيجة التي حققها العدو الإسرائيلي بحربه العسكرية والأمنية، بدا واضحاً أن استهداف المال دخل على الخط. فالمعركة لدى العدو ليست فقط بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بل بخنق شرايين التمويل وتفكيك البنية الاقتصادية التي يعتمد عليها الحزب في استمرارية عمله العسكري والأمني، بموازاة الضغط السياسي الهائل بوجه السلاح، والضغط الاقتصادي والاجتماعي الكبير بوجه "البيئة الحاضنة" من خلال تجميد ملف إعادة الإعمار.
شبكات الصرافة بمرمى الإتهامات
حسب الرواية الإسرائيلية، تُتهم شبكات صرافة لبنانية، نشر أسماءها أدرعي، بالإضافة إلى عناوين مكاتبها الموزعة بين قلب بيروت وشرقها وضاحيتها، منها شبكة "الصادق" التي كان بحسب أدرعي يترأسها بكري، بلعب دور مركزي في تدوير الأموال بين إيران، العراق، تركيا، الإمارات، ولبنان، عبر مسارات معقّدة تتيح وصول الأموال من فيلق القدس الإيراني إلى حزب الله، بعيداً عن أعين المنظومة المصرفية الدولية الرسمية.
وحسب معلومات "المدن"، من بين المؤسسات التي نشر أدرعي عناوينها شركة كانت سابقاً قد تعرضت لعقوبات أميركية ودعوى مدنية أميركية بسبب الاتهامات نفسها (تمويل الحزب وتبييض الأموال) منذ حوالى 14 عاماً. وتمكنت من العودة للعمل ضمن الأصول في لبنان، بعد أن "خرجت" من الدعوى المدنية من دون أن تتمكن من إزالة اسمها عن لائحة "أوفاك"، مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، رغم التواصل معه لوقت طويل والاستعانة بمحامين متخصصين بهذه المسائل.
لم يكن ممكناً الحصول على تصريحات من المعنيين لأسباب معروفة، ولكن حسب معلومات "المدن"، فإن إحدى الشركات التي أدرج العدو اسمها، وعمرها يبلغ حوالى 20 عاماً، كانت تعرضت لاستهداف إسرائيلي يوم 26 تشرين الثاني الماضي، أي قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار. ومن بين الشركات أيضاً، شركة حديثة نسبياً مقارنة بالبقية، وانتقلت ملكيتها من شخص لآخر عام 2017 بقرار صادر عن المجلس المركزي لمصرف لبنان.
نشر الأسماء والصور.. ما هي الرسائل؟
اللافت أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة بالكامل. الأميركيون فرضوا عقوبات سابقة على صرافين لبنانيين ومؤسسات مالية اعتُبرت أدوات تمويل للحزب، مثل "رميتي" و"حلاوي" و"البنك الكندي"، واليوم، تنتقل إسرائيل من الضغط المالي إلى الاستهداف الجسدي، ومن السرية إلى العلن بعد مستجدات الحرب الأخيرة وسقوط الردع. إذ باتت إسرائيل تتولى إلقاء الاتهامات، وإصدار النتائج، وتنفيذ الأحكام أيضاً.
إن نشر أفيخاي أدرعي صور مكاتب صرافة وأسمائها في مناطق لبنانية مختلفة، وكلها خاضعة للقوانين اللبنانية وتعمل تحت سلطة المصرف المركزي، بالتزامن مع الإعلان عن تنفيذ عملية اغتيال لأحد الصرافين، يهدف أولاً إلى تهديد المذكورين بالقتل والاستهداف بشكل مباشر. وثانياً، إصدار رسالة تهويل إلى من يفكر بالتعاون المالي مع حزب الله، إلى الدول التي تحتضن شبكات التحويل النقدي، إلى السوق النقدي اللبناني برمته، وحتى إلى الحزب نفسه، لأن هناك رأي يقول إن العدو لو أراد استهداف المواقع والأشخاص، لما كان نشر ما نشره، إنما لا يمكن بطبيعة الحال الحديث عن نوايا "حسنة" لدى العدو وقادته.
في السابق، ربما كانت إسرائيل تتردد باستهداف مواقع في لبنان أو شخصيات لبنانية، لكنها اليوم تمارس عدوانها بشكل يومي وعلنيّ وبغطاء دوليّ. لذلك فإن السؤال المطروح اليوم: من يحمي الشركات اللبنانية وأصحابها المذكورين بمنشور أفيخاي أدرعي، خصوصاً أنه يبدو بحسب المؤشرات أن الحملة الإسرائيلية على تمويل الحزب مرشّحة للتصاعد، وبالأخص مع ما أعلنه الجيش الإسرائيلي من اغتيال مسؤول وحدة التحويلات المالية في فيلق القدس، بهنام شهرياري، وأيضاً بالتزامن مع اغتيالات في لبنان تأتي بالسياق نفسه.