لبنان "يتحضّر" لسيناريو انفجار ديمونا منذ العام 2012 و

لبنان "يتحضّر" لسيناريو انفجار ديمونا منذ العام 2012 و

image

لبنان "يتحضّر" لسيناريو انفجار ديمونا منذ العام 2012
وهذا ما يخفف من حدّة انتشار الغيمة النووية

فتات عيّاد - "نداء الوطن"

"لا نريد سلاحًا نوويًا في الشرق الأوسط". كانت هذه عبارة رئيس الحكومة نواف سلام الشهيرة، في مؤتمره المشترك مع نظيره القطريّ، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بعد أقل من 24 ساعة على ضرب إيران "قاعدة العديد" الأميركية في قطر. فالضربة التي تسبّبت في هبوط قسري لطائرة الرئاسة الثالثة في البحرين، تبقى أقلّ "تأثيرًا" من "تأثر" لبنان برمّته بتلوّث إشعاعيّ، مصدره ضرب منشآت إيرانية نووية أو مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
وبينما كان سلام في قطر، عقد اجتماع في السراي الحكومي، وضعت فيه "الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية" الجهات الأمنية والوزارية المعنية بكل جديد لناحية شبكة الإنذار المبكر وبيانات الخلفية الإشعاعية في لبنان، وسط تصاعد التخوّف الإقليمي من عدم ثبات قرار وقف إطلاق النار، وحدوث تلوّث إشعاعيّ، يغيّر مجرى الحرب.

ووفق رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، بلال نصولي، إن أيّ تلوث نووي آتٍ من إيران، سيأخذ 5 أيام ليصل للبنان، بينما سيأخذ يومًا واحدًا للوصول في حال ضرب مفاعل ديمونا في إسرائيل. في السياق، تكشف "نداء الوطن" عن سيناريو محاكاة simulation لانفجار ديمونا، وضعه لبنان بالفعل عام 2012، إلى جانب مسوّدة "خطة طوارئ" متكاملة.
هذه الخطة، إذ تستوجب تفعيلًا من قبل وحدة إدارة مخاطر الكوارث، تنتظر "ضوءًا أخضر" من الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية. فيما الضوء الأخضر اليوم هو لأجهزة الإنذار المبكر المنتشرة على الأراضي اللبنانية، والتي تشير إلى "صفر تلوّث نووي"، والخوف من تحوّله إلى "ضوء أحمر". فماذا عن أسوأ احتمالات انفجار مفاعل ديمونا على لبنان إن في "حرب" مفترضة أو من خلال "حادث نووي"؟ وماذا عن "شبكة الرصد المبكر"؟ وما تقييم المرحلة؟ ومن هي الجهات المسؤولة في حال تفعيل خطة الطوارئ؟

سيناريو انفجار "ديمونا"

في وقت علت فيه أصوات في الداخل، أوحت بأنه لا خطة طوارئ، أو جاهزية رسمية لبنانية، لاحتمال تعرّض لبنان لتلوث نووي ناشئ عن ضربة على منشأة نووية، زارت "نداء الوطن"، الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، حيث كشف لنا رئيس الهيئة، بلال نصولي عن "خطة شاملة للردّ والاستجابة في حالات الطوارئ غير الاعتيادية والمنضوية على مواد كيميائية، بيولوجية، إشعاعية أو نووية CBRN، تم وضعها في العام 2012 من قبل لجنة متخصّصة".

ولعلّ أهمّ ما نصّت عليه خلاصة عمل اللجنة هو "تفعيل الخطة الوطنية للطوارئ"، في حال انفجار ديمونا. خطة وضعتها الهيئة آنذاك، وهي معدّة لوضعها على سكة التنفيذ مباشرة، وفق درجة خطورة التلوّث النووي في حال حدوثه.

ويشرح نصولي "حرصنا من خلال تلك اللجنة عام 2012، على وضع محاكاة لـ 3 سيناريوات قد تهدّد لبنان، أحدها، خطر نووي، وقد أسمينا السيناريو "انفجار ديمونا". هذا السيناريو، كان محاكاة لانفجار المفاعل النووي البحثي في إسرائيل، كونه الأقرب للبنان، والأشد تأثيرًا عليه (يبعد 250-350 كلم عن لبنان بحسب المناطق اللبنانية).


وقد ضمّت اللجنة يومها، ممثلين عن أكثر من 10 جهات رسمية معنية: بين وزارات كوزارة الدفاع، البيئة، الصحة والطاقة، وأجهزة أمنية كالجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، وجهات معنية أخرى كفوج إطفاء بيروت والدفاع المدني والصليب الأحمر...

وتتدرّج مسوّدة "الخطة الوطنية للطوارئ"، التي حصلت "نداء الوطن" على نسخة منها، في حال انفجار ديمونا، بحسب حجم الخطر الإشعاعي، علمًا أنه ليس بالضرورة أن تطبق كلها. وتبدأ الخطة: بدءًا بـ "الاكتشاف والإنذار"، وصولًا إلى "التقييم، التبليغ وتفعيل الخطة"، مرورًا بـ "الاحتواء والتدابير المضادة"، وصولًا في أسوأ الحالات "للتطهير وإزالة التلوث".

وأهمية هذه الخطة الاستباقية، أنها نصّت بالتفصيل، على أدوار الجهات المعنية: دور الجيش، قوى الأمن، الصليب الأحمر، وزارة الصحة، الطاقة، البيئة، والهيئة الوطنية للطاقة الذرية، وغيرها، وهي قابلة للتنفيذ اليوم، في حال ضرب أو انفجار مفاعل ديمونا.


السيناريو "الأسوأ": مماثل لـ "شيرنوبيل"

نصولي، يطمئن إلى أن تأثر لبنان بأيّ تلوّث نووي ناتج عن انفجار نووي في إيران يبقى أقل خطورة من مفاعل ديمونا على لبنان، بسبب بعد المسافة، إذ تتطلّب مسافة وصول الغيمة النووية من أصفهان للبنان 5 أيام، بينما تتطلّب يومًا واحدًا من إسرائيل للبنان، كما أنه في المنشآت النووية نطنز وفوردو، لم تصب إيران حتى بتلوث نووي، فاليورانيوم المخصّب، الموجود في مسافة أمتار تحت الأرض، جزء كبير منه "صلب"، ما يجعل التلوّث عند ضربه محدودًا. أما مفاعل أبو شهر، لتوليد الكهرباء، فيسبتعد نصولي ضربه نظرًا لخصوصيّته، إن لطبيعة عمله السلمية، أو تأثر الخليج مباشرة بضربه.
يبقى مفاعل ديمونا. ولعلّ أسوأ ما في سيناريو ضرب مفاعل ديمونا البحثي، العامل بالماء الثقيل في إسرائيل، بالنسبة للبنان ودول الجوار، ليس أنه المفاعل النووي الأقرب للبنان وحسب بالمعنى الجغرافي، بل هو أننا "لا نعرف ما يحويه بدقة".

في السياق، يقول نصولي "إن إسرائيل لم توقّع إلى اليوم على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي لا يستطيع مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الولوج لمفاعل ديمونا النووي، ما يجعله خارج إطار الرقابة الدولية، ما ينطوي على مخاطر قد لا نحتسبها في حال انفجاره".
ولعلّ أخطر ما في المفاعل الذي بدأت إسرائيل بإنشائه في خمسينات القرن الماضي، لولا تسريبات بسيطة من العالم النووي الإسرائيلي مردخاي فعنونو (Mordechaï Vanunu)، هو أنّه ينتج البلوتونيوم 239، وهي تعتبر حلقة أساسية ببرنامج إسرائيل النووي الذي يحظى بتعتيم عالمي، وهي مادة أخطر بكثير من اليورانيوم 235، حيث يستخدم البلوتونيوم 239 لإنتاج القنابل الذرية.

هذه المعطيات، لم يكتف لبنان بها عام 2012 لوضع "محاكاة" لانفجار ديمونا، بل ذهب أبعد بوضعه "السيناريو الأسوأ" the worst-case scenario.


يشرح نصولي "اعتبرنا في محاكاتنا أن الهواء سيأتي مباشرة باتجاه لبنان، ولن يتشتّت، وأن طبيعة أرض لبنان صحراء، لا تضاريس فيها، ومع أن الواقع مخالف، ما يخفف من حدّة انتشار الغيمة النووية.
كما حرصنا على تضخيم "معطيات الحدّ الأدنى" التي نعرفها عن ديمونا. فهو مفاعل تبريد على المياه الثقيلة، بقدرة 26 ميغاواطًا. أما في محاكاتنا، فافترضنا أن قدرته 1 جيغاواط، أي 100 ميغاواط. وفي حين تقدر نسبة الوقود داخل المفاعل، بأقل من 5 % يورانيوم مخصب، فقد افترضنا أن اليورانيوم المخصّب، قد يصل إلى 30 %.

ورغم كل هذا التضخيم، لم ترفع الخلفية الإشعاعية المتوقعة وفق السيناريو المفترض في لبنان، والتي تحدّد حدوث تلوّث نووي من عدمه، إلّا بشكل بسيط، ينطوي إما على "صفر إجراءات"، أو في أسوأ السيناريوات، على "إجراءات" بسيطة، تحاكي تأثر لبنان بحادثة انفجار شيرنوبيل عام 1986، أو كارثة مفاعل فوكوشيما عام 2011، حيث كانت نسبة اليود 131 (الذي يؤثر على الغدة الدرقية) في ليتر مياه الشتاء 0.5 Bq بيكريل، ولا تستدعي أي إجراءات تذكر، في حين أن التأثر الخطر بهذه المادة، يبدأ مع وجودها بنسبة 10 آلاف Bq بالمتر المكعّب بالهواء.

شبكة إنذار مبكر

العام 2012، لم تكتف الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية بوضع سيناريو لانفجار ديمونا، وخطة طوارئ للاستجابة له، بل تقدّمت كذلك بمشروع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتجهيز لبنان بنظام إنذار مبكر Early Warning System، يجعل الهيئة قادرة على رصد أي إشعاع نووي عبر بيانات دورية، تخوّلها معرفة وقوع التلوث النووي، ومدّ الجهات المعنية بتفعيل خطة الطوارئ، ومواكبتها. "إذ من دون عملية رصد الإشعاعات النووية، تكون حالة الطوارئ معميّة، وعاجزة عن رصد الموجة الإشعاعية، اتجاهها، وقعها، خطورتها والإجراءات المتوجّب أخذها".

العام 2013، أي بعد عام على وضع فرضية انفجار ديمونا، تم تزويد لبنان بشبكة الإنذار المبكر Early Warning System من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية،من خلال 20 محطة موزعة على 20 منطقة لبنانية اليوم، تغطي كل لبنان.
تعمل هذه الأجهزة اليوم على رصد الخلفية الإشعاعية في الهواء. وفي حال كانت الخلفية الإشعاعية ضمن الهامش الطبيعي، يعمل الجهاز على الـ normal mode. علمًا أن الخلفية الإشعاعية تأتي على شكل "موجات". فكل نقطة في لبنان، لديها هامش خاص، حيث تتأثر بالرطوبة والارتفاع عن سطح الأرض وسرعة الهواء، (ففي صيدا مثلًا تكون الخلفية الإشعاعية قرابة 50 nSv/h بينما في عيون السيمان nSv/h 100). أما الخلفية الإشعاعية غير الطبيعية، فيبدأ رصدها في حال تضاعفت الخلفية الإشعاعية في نقطة ما (×2). وهنا يصبح جهاز الرصد في حالة الطوارئ. كأن تصبح الخلفية الإشعاعية في صيدا أعلى من 100 nSv/h وفي عيون السيمان أعلى من 200 nSv/h.


"حالة تأهّب قصوى"

والحال أنّ ارتفاع الخلفية الإشعاعية "غير الطبيعي" لا يعني بالضرورة أن كل السيناريوات "كارثية". في السياق، يقول نصولي "إن الإجراء الذي يصل إلى إخلاء فوري للمنطقة، يتطلب وصول الخلفية الإشعاعية غير الطبيعية إلى مليون و 10 ملايين نانو سيفرت بالساعة.
من جهتها، تعمل الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، ضمن حالة تأهب قصوى، لتواكب المرحلة. وأمس، كان اجتماع في السراي الحكومي، وضع فيه نصولي الجهات المعنية من وزارات وأجهزة أمنية بمعطيات الأيام العشرة الأخيرة للخلفية الإشعاعية.

وليس لبنان وحده في حالة "تأهب" فالمنطقة كلها كذلك. في السياق، يقول نصولي "كل 24 ساعة، نجري اجتماعًا مع الوكالة العربية للطاقة الذرية (مركزها تونس)، ونحن معهم على خط ساخن ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وإذ ينتقد "التهويل على اللبنانيين" بالإيحاء لهم بضرورة البدء بإجراءات صارمة، يذكّر بأنه في داخل إيران نفسها لم يقع تلوّث إشعاعي، ودورنا كهيئة رسمية، هو بإعطاء التوجيهات والأرقام ودلالات الأرقام للمعنيين الرسميين، ودورهم هم بإصدار الإرشادات للمواطنين عبر غرفة إدارة الكوارث الحكومية.


لبنان والخطط الإستباقية

صحيح أن وقف إطلاق النار، تم تأكيده "أميركيا"، "إيرانيا" و"إسرائيليا" أمس، ما يعزز فرص انتهاء الحرب والذهاب إلى استقرار طويل في الشرق الأوسط بعد مسار من المفاوضات مع النظام الإيراني، لكن خطر تسرب إشعاعات نووية في المفاعلات النووية في المنطقة، قد يحصل عبر "حوادث" وليس عبر حروب بالضرورة.

من هنا، فإن أهمية تجربة وضع لبنان سيناريو لإنفجار ديمونا وتحضير خطة طوارئ وطنية مسبقة منذ العام 2012، تكمن في استباق لبنان للكوارث، والتخطيط للإستجابة لها، عوض الاصطدام بها كل مرة، والفشل في إدارتها، بل وأحيانا، التسبب بها، كانفجار مرفأ بيروت، ثالث أكبر انفجار كيميائي في العالم.