المطلوب أن يستوعب "الحزب" لا استيعابه
حرب الطوفان أخرجت الأذرع الإيرانية من الخدمة
شارل جبور - "نداء الوطن"
التحوُّل الجذري الوحيد في حرب الطوفان حصل في سوريا من خلال سقوط نظام الأسد الحليف للثورة الخمينية، وقيام نظام معاد تمامًا لهذه الثورة، فيما التحولات الأخرى أدّت إلى تعطيل أذرع الممانعة، بدءًا من حركة "حماس" التي فقدت قوتها وتأثيرها ولن يُسمح لها بأن تكون جزءًا من حكم غزة، مرورًا بـ "حزب الله" الذي دمِّر وحوصر ولم يتجرأ على إسناد إيران في حشرتها، وصولًا إلى الحوثي الذي أنهكته الضربات الأميركية والإسرائيلية، انتهاءً بإيران التي انتقلت بأشهر قليلة من إمبراطورية إلى دولة عادية من دون دور إقليمي ولا قنبلة نووية.
فالهدف الأساس للردّ الإسرائيلي واستطرادًا الأميركي على حرب الطوفان نزع القدرات العسكرية لإيران وأذرعها، وهذا ما حصل، ولن تسمح تل أبيب بعد اليوم بأن يعيد هذا المحور بناء ترسانته، وأقوى دليل الاستهداف اليومي لـ "حزب الله" الذي لا يجرؤ على مجرّد الرد في مؤشر إلى ضعفه العسكري وخشيته من انتفاضة بيئته ضده.
وقد أخرجت حرب الطوفان الأذرع الإيرانية من الخدمة، ولا بل أصبح استمرارها عاملًا سلبيًا على بيئتها والبقعة الجغرافية المتواجدة فيها، حيث أن استمرار "حماس" يُبقي أهل غزة في الحرب والمأساة والكوارث والتهجير، واستمرار "حزب الله" يُبقي بيئته مهجرة أو معرضة للتهجير، ويُبقي لبنان معزولًا دوليًا ومن دون مساعدات.
ولم يكن مطروحًا أميركيًا إسقاط النظام الإيراني لأسباب تبدأ بعقدة اليوم التالي التي أدخلت العراق والمنطقة في الفوضى بعد إسقاط صدام حسين، علمًا أن اليوم التالي في إيران، وبمعزل عن شكله، أفضل بكثير من اليوم الحالي، ولا تنتهي بالتوازنات الإقليمية، وما كان مطروحًا تحديدًا يكمن في إخراج إيران من الخريطة النووية العالمية، وإخراجها من الخريطة السياسية الشرق أوسطية، ولكن لم يكن مطروحًا إخراج النظام من الجغرافيا الإيرانية.
لن تتمكّن إيران بعد اليوم من إعادة بناء قدراتها النووية والعسكرية التي دمّرت بصورة واسعة، وقد أعادتها الحرب الأخيرة عشرات السنوات إلى الوراء، كما أن واشنطن وتل أبيب لن تسمحا لطهران بإعادة بناء قدراتها، فلا عودة إلى الوراء، وإيران ما قبل الضربة العسكرية والنووية غير ما بعدها، والمواقف الإيرانية المتحدثة عن انتصارات لا تخرج عن سياق التعبئة الموجهة إلى الداخل، في ظل الخشية من أن تتجرأ الشرائح المعارضة للنظام على البدء بحملاتها ضده، متكئة على اغتيال قادة الصف الأول في الحرس وهزيمته العسكرية والنووية، وبالتالي يدعي القوة حفاظًا على النظام من الداخل الإيراني.
وفي مطلق الأحوال، لم يعد بإمكان "حزب الله" تجاهل الوقائع المتصلة بانهيار المشروع الإيراني، ولا تجاهل أن المجتمع الدولي لن يتهاون مع مسألة احتكار الدولة للسلاح، فلا مساعدات ولا إعادة إعمار ولا ضغط على إسرائيل للانسحاب أو لوقف استهدافاتها في لبنان قبل أن يسلِّم سلاحه، والتذاكي لم يعد ينفع، لأنه افتراضًا أن الدولة لن تنزع سلاحه بالقوة، فإنه سيبقى عرضة للاستهداف الإسرائيلي اليومي وبلا عودة لناسه وفي ظل أفق تهجير إضافي.
والكلام عن استيعاب "حزب الله" مرفوض، لأن المطلوب أن يستوعب "الحزب" بأن مشروعه انتهى في لبنان وفي الإقليم، وأنه انتهى من منشأه الأساسي، ولا يستطيع ان يُبقي البلد بحالة عدم استقرار تحول دون الاستثمار وتدفُّق المساعدات، وكأنه لا يكفي الكوارث التي ألمّت بلبنان وشعبه بسبب سلاحه ودوره من أجل أن يواصل تمسكه بسلاح يُبقي لبنان ساحة فوضى ونزاع.
وكيف يمكن الكلام أساسًا عن استيعاب وما زال الأمين العام لـ "الحزب" الشيخ نعيم قاسم يكرِّر بأن ما يسمى "المقاومة ومستمرة وأعادت ترميم قوتها"؟ فالكلام الوحيد الذي يجب توجيهه لهذا "الحزب" هو أن يعلن انتهاء مشروعه المسلّح وأن يستوعب بأن هذا المشروع انتهى، وأن الدولة أصبحت أقوى منه بكثير، وبأنه الحلقة الأضعف في لبنان التي تُلحق الضرر بجميع اللبنانيين.
المطلوب أن يستوعب "حزب الله" وليس استيعابه، أي أن يستوعب بأن مشروعه انتهى وأن يتصرّف على هذا الأساس من خلال تسليمه بالدولة والدستور، الأمر الذي لم يحصل لغاية اليوم في ظل تمسكه بأدبياته وخطابه وسرديته التي تنتمي إلى حقبة طويت في لبنان والمنطقة، وعلى رغم النوايا الصادقة لكل من يتحدّث عن استيعاب ومصالحة واحتواء سعيًا لتبديد أي هواجس جدية يمكن أن تكون موجودة لديه، والقول له إن اللبنانيين يريدون مد اليدّ له لا مدّ اليد عليه من أجل التشفي منه، إلا أن خطورتها تكمن في أن "الحزب" يقرأ هذه الدعوات أو المواقف بشكل خاطئ باعتبارها تنم عن ضعف، فيستخدمها للحفاظ على سلاحه ودوره وأدبياته، فيما المطلوب لا استيعاب أحد ولا المصالحة مع أحد، لأن لا خلاف بين اللبنانيين، والخلاف سببه خطف "الحزب" للدولة، والمطلوب منه بكل بساطة أن يعود إلى الدولة التي يجتمع الشعب اللبناني تحت سقفها، وأن يستوعب بأن مشروع ربط لبنان بإيران انتهى، وأن مشروع إبقاء لبنان ساحة لإيران انتهى.