من العدلية إلى "إكس": الاستثمار مشروط بإصلاح تشريعيّ

من العدلية إلى "إكس": الاستثمار مشروط بإصلاح تشريعيّ

image


"نفضة" تشريعية لإنقاذ مشاريع الرقمنة من عبث التغيير الوزاري

من العدلية إلى "إكس": الاستثمار مشروط بإصلاح تشريعيّ

طوني كرم - "نداء الوطن"

شكّل كشف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن اهتمام الرئيس التنفيذيّ لمجموعة شركات "تيسلا"، و "سبيس إكس"، ومنصة "إكس"، إيلون ماسك، بقطاع الاتصالات والإنترنت في لبنان، ورغبته في أن يكون لشركاته موطئ قدم في السوق اللبنانية، محطة أساسيّة لتسليط الضوء على الحاجة إلى "نفضة" تشريعية تُواكب مخرجات المؤتمرات والندوات والخطط المرتبطة بـ "الذكاء الاصطناعي" في لبنان، وتمهّد الطريق أمام استقطاب الشركات والمستثمرين، وتأمين البيئة والديمومة اللازمة لعملها.

وتأتي مطالبة النوّاب بأداء دورهم التشريعي تفاديًا لتكرار مشهد تبدّل الخطط والبرامج مع تغيّر الوزراء، كما حدث في مرفق العدالة. فبعدما كان وزير العدل السابق هنري الخوري قد أطلق مشروع مكننة العدلية وسط شبهات شابت طريقة تلزيمه، جاء خلفه الوزير الحالي عادل نصار ليُعلّق العمل بالمشروع، مطالبًا بإعادة صياغته وفق معايير مختلفة. وفي خطوة متقدّمة تهدف إلى تجاوز مزيد من "الإرهاصات"، طُرق باب وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا، بصفتها الجهة الأقدر على تحديد التقنيات والخطط الملائمة لمكننة وتطوير عمل الوزارة والمحاكم في لبنان، ضمن إطار تنسيقيّ متكامل.

هذا التغيير ليس حدثًا معزولًا، بل يعكس خللًا مزمنًا في الإدارة اللبنانية، حيث تُهدَر دراسات وخطط وأموال عامة مع كلّ انتقال سياسيّ في الوزارات، ليُعاد وضع تصوّرات جديدة فوق أنقاض سابقتها، من دون أيّ إطار تشريعي ملزم يضمن استمرارية السياسات العامة.

وفي حالة مشروع مكننة العدلية، تقرّر اليوم السير بمسار مختلف يقوم على إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل تدريجيّ، من خلال التعاون بين وزارة العدل ووزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا. إلّا أنّ هذا المسار، على أهميته، سيبقى عرضة للعرقلة والتعطيل ما لم يُرفَق بتعديلات قانونية ومراسيم تطبيقية تحصّن الخطة وتجعلها ملزمة للأجهزة الإدارية، وتمنع أي وزير لاحق من تعطيلها أو نسفها عند أول تغيير سياسيّ.

تجربة العدلية ليست سوى مثال واحد على أزمة أعمق في النظام اللبناني، حيث يسمح غياب القوانين الناظمة الصارمة بجعل الخطط الإصلاحية رهينة التبدّلات الوزارية، الأمر الذي يقضي عمليًا على أي تراكم إصلاحيّ جدّي. فالمشاريع الكبرى، كعملية التحوّل الرقمي في القضاء، وإنشاء منصّات الدفع الإلكتروني وربطها بوزارة المالية، وإطلاق مشروع "المحاكم الإلكترونية (E-Courts)"، لا يمكن أن تكتمل بقرارات إدارية ظرفيّة، بل تحتاج إلى إطار تشريعيّ ثابت يُكرّسها، ويمنحها الحصانة القانونية اللازمة لحمايتها من الهدم وإعادة البناء مع كل وزير جديد.

وأكّدت مصادر متابعة لـ "نداء الوطن" أنّ حماية هذا المسار تفرض إشراك مجلس النواب بشكل مباشر، عبر تحديث القوانين والإسراع في إصدار المراسيم التطبيقية، التي من شأنها أن تجعل التحوّل الرقميّ جزءًا من سياسة الدولة، لا سياسة وزير.

حينها فقط يمكن ضمان الشفافية، والمنافسة العادلة في تلزيم المشاريع، وتأمين استدامة الإصلاح، ومنع تكرار مشاهد التلزيم المحصور بشركة وحيدة، كما حصل سابقًا في مشروع الهوية الرقمية المعزّزة والتوقيع الإلكتروني.


إنّ العدالة الرقميّة ليست شعارًا، بل ركيزة من ركائز الدولة الحديثة، التي تُمكّنها من استقطاب إيلون ماسك وأمثاله للاستثمار فيها. وإذا لم تتحوّل إلى خطة محصّنة بقوانين ملزمة، ستظلّ تدور في حلقة مفرغة من التبديل والتعطيل. والمطلوب اليوم أن تتحمّل السلطة التشريعية مسؤوليّتها الكاملة، لتثبيت رؤية إصلاحيّة واضحة تنقل لبنان إلى مستوى العدالة الإلكترونية، وتمنع إضاعة الوقت والجهد والمال العام مع كلّ تغيير حكومي.