دور "أمّ الصبيّ" لن يؤدّيه السنّة أو العرب مجدّداً | أخبار اليوم

دور "أمّ الصبيّ" لن يؤدّيه السنّة أو العرب مجدّداً

| الجمعة 03 ديسمبر 2021

الإصرار الخارجي على الانتخابات النيابية محاولة لتطويق الحزب وإضعاف القبضة الإيرانية

 "النهار"- روزانا بومنصف

حين أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون ما اعتُبر مبادرة فرنسية في أيلول 2020 ما بعد انفجار مرفأ بيروت، من أجل منع المزيد من الانهيار وبدء مسار النهوض الاقتصادي، أثار البعض مع فريقه عقم المحاولة والانطلاق من هذه النقطة نظراً للحاجة الى اتفاق سياسي غير موجود ويعوق الذهاب الى الأمام. لم يوافق الفريق المحيط بماكرون على ذلك لاعتبارين، أحدهما عدم امتلاك فرنسا الوقت الكافي والقدرة على القيام بذلك أي عقد مؤتمر على غرار مؤتمر سان كلو الذي فشل في أيّ حال، وثانياً عدم القدرة على تأمين توافق إقليمي يساعد الأفرقاء الداخليين.

اليوم، مع عودة الفكرة الى الواجهة لرصد إمكان حصولها ونتائجها المحتملة في ظلّ الأزمة السياسية العميقة والمقلقة على مستقبل الكيان اللبناني، من المفيد انتظار إن كانت الفكرة جدّية وهل ثمّة صدى إيجابي لها في ظلّ طلاق عربي مع لبنان أولاً والأهم عدم تطيير الانتخابات النيابية أو تسخيف نتائجها مسبقاً عبر تسوية سياسية تعيد تكريس أفرقاء السلطة والأحزاب باعتبارهم أطراف التسوية الإنقاذية للمرحلة المقبلة بعيداً من إشراك الآخرين.

إن كان من إيجابية لعدم ترؤس الرئيس سعد الحريري الحكومة في هذه المرحلة، اضطراراً أو قسراً، فهي تكمن كما تراها مصادر سياسية، في غياب الدور الذي اخترعه الرئيس الشهيد رفيق الحريري للطائفة السنّية لأن تؤدّيه في زمن تحمل الوصاية السورية المباشرة أو المقنّعة، هو دور "أمّ الصبيّ" الذي كان يقضي بالمساومة أو التنازل من أجل إيجاد المخارج للأزمات المتكرّرة. هذا الدور استحضره الحريري الابن في مراحل عدة سابقة، ولو أنه كان اليوم رئيساً للحكومة لانهالت عليه كلّ الانتقادات والاتهام بالضعف والعجز والمناكفة.

هذه المناكفة أصبحت تجري على نحو واضح بين قوى 8 آذار نفسها وبين رئيس الجمهورية وتيّاره في التعطيل الذي لا يبتعد عن أن يكون نسخة معدّلة عن التعطيل الذي مارسه بين 2014 و2016 من أجل تأمين انتخابه لرئاسة الجمهورية على رغم كلّ مؤشرات الانهيار التي كان يبدو عليها الاقتصاد في لبنان من جهة، وبين الثنائي الشيعي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي تحديداً على خلفية التعطيل المقابل، باعتبار أن الأخير بات مضطرّاً الى أن يخوض المعارك مباشرة وأن يكون في واجهة المواجهة لمنع عون وفريقه من تنفيذ ما يريدانه أو يخططان له إزاء استمراره على رأس السلطة التشريعية. فكل من طرفي القوى نفسها ضليع في التعطيل بعيداً من الاهتمام بأيّ مترتبات خطيرة على البلد، فيما تشهد القوى الاخرى وهي تجلس في مقاعد المتفرّجين بقلق على الكباش المصيري الذي تخوضه هذه الأطراف من ضمن المشروع الواحد فيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأقرب الى برّي من عون لا يستطيع أن يؤدّي دور "أمّ الصبيّ" لاعتبارات كثيرة من بينها عدم امتلاكه الأوراق التي تسمح له بذلك، لا على مستوى الطائفة السنّية في لبنان ولا على المستوى العربي، حيث كانت الدول الخليجية تؤدّي دور أمّ الصبيّ بالنسبة الى لبنان، وباتت ترفض الابتزاز على هذا الصعيد.

غياب من يؤدّي دور أمّ الصبيّ ويتنازل في هذا الصراع سيقع على اللاعبين الشيعي والماروني في السلطة راهناً لجهة محاولة إقامة تسوية مماثلة لتفاهم مار مخايل بين الحزب والتيّار العوني تقود الى ثنائية شيعية مسيحية طويلة الأمد تحت طائلة إبعاد برّي عن المشهد السياسي أو الرهان على ذلك على الأقل، وهو رهان قام منذ وصول عون الى السلطة قبل خمس سنوات. في آخر حديث صحافي لجبران باسيل الى إحدى الصحف الكويتية يقول "في الإقليم يتكرّس انتصار فريق على الآخر... ومع ذلك لا نريد أن يتكرّس هذا الانتصار". هو يجزم إذن بانتصار المحور السوري الإيراني في موقف تحليلي غريب يتوجّه به الى الدول العربية، ويحاول أن يبيع هذه الدول عدم تكريسه هذا الانتصار في لبنان حسب تعبيره، فيما الواقع على الأرض يناقض ذلك.

هذا الكلام ليس كلام مصالحة أو كلام محاولة تطويق تداعيات موقف أحد الوزراء الذي يبرّر بدوره عدم الاستقالة بأسباب واهية وضعيفة، فيما هو بالحدّ الأدنى من الصدقية يجب أن يستقيل إن كان مسؤولاً بنسبة واحد في المليون فقط عن الأزمة مع الدول الخليجية من أجل نزع فتيل من فتائل تعميق الأزمة على الأقل.

أن تحل الأزمة في لبنان ومع الدول الخليجية يفترض أن يؤدّي أحد أطراف قوى 8 آذار دور أمّ الصبيّ من أجل إنقاذ لبنان، إن كان الأمر يهمّ أياً منهم. فمنذ ما بعد انفجار المرفأ بات هذا الفريق يقود لبنان من انهيار الى آخر أولاً عبر حكومة حسّان دياب التي قامت عليهم وحدهم دون سائر الأفرقاء الآخرين، ومن ثم عبر حكومة الرئيس ميقاتي التي تُعطّل.

والتسوية التي يحتاج إليها أطراف هذا الفريق لا يمكن أن تحصل من دون موافقة الأفرقاء الآخرين مهما كان موقعهم أو حجمهم راهناً في معادلة الصدام القائم، فيما النقطة الأساسية أن لا "حزب الله" يستطيع بعد الآن فرض تسوية لا يتنازل فيها على قاعدة أنّه رابح دوماً فيما الحواجز باتت كبيرة أمام باقي الأفرقاء للتعاطي معه ولا كذلك بالنسبة الى عون وفريقه. التسوية في 2016 احتاجت الى الحريري والقوّات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وهي لا تزال تحتاج الى ذلك حتى إشعار آخر، ولكن لا استعدادات لدى هؤلاء للمساومة بعد الأثمان الباهظة جداً لتسوية 2016 التي لم تنته فصولها بعد. فالرئيس عون يخوض معركة إيصال صهره الى الرئاسة ليس إلّا جنباً الى جنب مع تأمين فوزه في الانتخابات النيابية وحصوله على كتلة نيابية وازنة فيما حليفه الشيعي يواجه من أجل المحافظة على الأكثرية النيابية التي تكفل ضمان استمرار سيطرته الكلية على السلطة ويرى في الإصرار الخارجي على الانتخابات النيابية محاولة لتطويقه وإضعاف القبضة الإيرانية على البلد فيما البلد لم يعد في إمكانه مواصلة ذلك ولا تحمّله.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار