ماذا دفع "حزب الله" إلى الحديث عن "عرض" من واشنطن الآن؟ | أخبار اليوم

ماذا دفع "حزب الله" إلى الحديث عن "عرض" من واشنطن الآن؟

| السبت 22 يناير 2022

انفاذ متكامل للقاعدة السياسية التقليدية القديمة والمعروفة بـ"الجزرة والعصا "

 "النهار"- ابراهيم بيرم

لم يكن قد مر الا اقل من 36ساعة على "السر " الذي افشاه فجأة رئيس الهيئة التنفيذية في "حزب الله" السيد هاشم صفي الدين امام مجموعة واسعة من الاعلاميين والاكاديميين والمتمحور حول "عرض" أميركي قال ان الحزب تلقاه بالواسطة ومن وراء الحجب جوهره : نحن مستعدون لبدء حوار وتفاوض واياكم يتناول كل الملفات فهلموا وافتحوا الأبواب المؤصدة بيننا وبينكم ، عندما ورد خبر من واشنطن فحواه ان وزارة الخزانة الأميركية قد ادرجت في قرارات جديدة ثلاثة اشخاص ومؤسسة سياحية على قائمة المتهمين بشبهة الانتماء للحزب وادارة انشطة مالية وتجاري تعود بالنفع والفائدة على خزائن الحزب وماليته.

والذين يقيض لهم ان يرصدوا عن كثب مسار العلاقة المضطربة بين الادارة الأميركية والحزب لم يتفاجؤوا لا بحديث الحزب عن العرض الأميركي ولا بقرار واشنطن الجديد بإضافة اسماء جديدة إلى قائمة المعاقبين ماليا بتهمة اقامة صلات بالحزب.

فحسب خبراء بهذه العلاقة ذات الطبيعة التصادمية فان "العرض" الأميركي المحكي عنه يحمل الرقم السابع في سلسلة عروض اتت تباعا لقيادة الحزب وتحديدا منذ الجلاء الاسرائيلي عن ارض الجنوب في أيار عام 2000. وقد تنوعت مسالك هذه العروض فهي مرة اتت مباشرة وأحيانا بواسطة أميركيين من أصل #لبناني وبعضهم شيعة وأحيانا اخرى كما هو حال العرض الاخير عبر عواصم غربية وجهات دولية تحافظ على خطوط علاقة بالحزب.

وفي كل هذه العروض كان الجوهر واحدا: ليكن التفاوض على سجيته مفتوحا وبلا شروط مسبقة.

وفي المقابل كان الاعلان الأميركي عن اضافة اسماء جديدة إلى قائمة العقوبات الأميركية الطويلة على من تدرجهم في خانة اقامة العلاقة مع الحزب يحمل على وجه التحديد الرقم 86. وايضا منذ ما بعد زمن التحرير وتحديدا منذ ان صنفت الادارة الأميركية الحزب بجناحيه "منظمة ارهابية " وشرعت في تطبيق موجبات هذا التصنيف ووضعه موضع التنفيذ. ومن البديهي الاشارة إلى ان الحزب هو من كان يباشر عملية ما يسميه "فضح" العروض الأميركية ويبادر إلى اماطة اللثام عن مكنوناتها اما عبر التسريب الاعلامي او على لسان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله او عبر قادة اخرين. وفي كل مرة يكون كلام الحزب عن "العرض" جزءا من وظيفة سياسية معينة وخدمة توجه بعينه غب الحاجة والطلب لديه، تماما على غرار واقع الحال اخيرا، فصفي الدين الذي تصنفه اوساط غربية متابعة الشخص الثاني في الحزب والمهيأ لوراثة قيادته يشرف على الادارة اليومية وجهازه التنفيذي الضخم (المال والعسكر، والامن والحشد والتعبئة وامور التنظيم...).
وخلافا لسنوات عدة خلت كانت خلالها اطلالات الرجل الاعلامية مقلة، فانه في الاعوام الاربعة الماضية قرر الخروج من حال الستر والاحتجاب وشرع بالنطق بلسان فصيح بمواقف الحزب العميقة والاشكالية احيانا ما لفت اليه الاعلام المتخصص فشرع للتو في عملية رصد ومتابعة له لا تقل احيانا عن اطلالات السيد نصرالله وان كان البعض يصنف كلام صفي الدين (وهما بالمناسبة ابناء خالة) توضيحا وشرحا استكماليا لما يريد نصرالله ايصاله للقاعدة.

وفي كل الاحوال كان اللقاء المباشر والمفتوح معه لأكثر من ساعتين ونصف ساعة مع نحو 50 اعلاميا وأكاديميا من غير الحزبيين لقاء نادرا لكنه كان في النتيجة لقاء ذا اصداء.

وبالعودة إلى جوهر الموضوع فان ثمة من يجد اوجه مقاربة ومقارنة بين فك الحزب لمغاليق ما يصفها ب"العرض" الأميركي وبين تزامنه مع قرارات عقابية أميركية جديدة بحق محسوبين على الحزب (اشخاص وكيان). والواضح ان الحزب بادر إلى هذا الكشف لكي يبعث في لحظة يستشعر حراجتها وصعوبتها برسائل في أكثر من اتجاه فهو يريد ان يقول للأميركيين ان مفعول عروضكم لم يدم الا ساعات وردنا السلبي العاجل انما هو تطبيق لواحد من أبرز مواد علم السياسة التي تعرف بكشف معلومة ما بانها انهاء مبكر لمفعول هذه المعلومة وما انطوت عليه.

والجانب الاخر من الرسالة موجه لخصوم الحزب في الداخل والخارج على حد سواء وفحواها: ان من تعتمدون عليهم لمواجهتنا ومحاصرتنا يبعثون الينا بعروض باطنها العميق وعود واغراء لكي نفتح ابوابنا المؤصدة في وجوههم، وإننا استطرادا لسنا معزولين او محاصرين كما تتوهمون وتراهنون.

واذا كان من حق الحزب ان يستغل حاجة اعدائه للانفتاح واقامة خطوط اتصال وتواصل فيبادر إلى القاء الضوء على ما اراد الاخرون ان يبقونه تحت جنح العتمة، مادة مناورة ومساومة، فان السؤال المطروح ما سر اصرار واشنطن على مراسلة الحزب بالواسطة، كما يقول الحزب اقله، مع ادراكها سلفا بطبيعة رده السلبي على عروضها؟ ولماذا تختار هذا التوقيت بالذات لتقديم عروضها للحزب مع يقينها بانه لا يعيش اسعد اوقاته؟

ضالعون بطبيعة السياسة الأميركية واسرارها يعرفون تماما ان براغماتية واشنطن المصلحية تجعلها من النوع الذي لا يلد في العداوة او يقدم على طلب الانفتاح على الخصوم الا وفق ميزان المصالح وبناء على حسابات دقيقة للمكاسب والخسائر ليس الا. وبناء عليه فان المهتمين بأسرار التعاطي الأميركي مع الحزب ومنهم من هو قريب من اجواء الحزب يستنتجون من وراء رصدهم وقائع ومعطيات تشكل معالم طريق لهذا التعاطي أبرزها:

_ ان ايا من "العروض" الأميركية السبعة المحكي عنها للحزب لم ترد يوما في سماء صحو وصاف بل ما يحصل ان واشنطن تمارس قبل كل عرض كما كبيرا من الضغوط المصحوب بحملات تهويل على الحزب وبيئته الحاضنة تتدرج وتتنوع وفق الحاجة من حملات اعلامية مقرونة بمضبطة اتهامات لها واول وليس لها اخر بلوغا إلى مرحلة الحاق الاذى المباشر بشخصيات محورية بالحزب، ووسط كل ذلك ينبثق فجأة العرض الأميركي.

_ ان العرض الأميركي الجديد اتى بعد نحو عامين من عمليات متتالية وممنهجة بهدف "عصر الحزب " ووضع راسه تحت مقصلة الضغط والعقوبات اليومية التي كانت هذه المرة ذات طبيعة مختلفة عندما طاولت بيئة الحزب الواسعة وبيئة الحزب الضيقة اي حلفاء الحزب الاقربين وتحديدا حركة "امل" والتيار الوطني الحر وتيار المردة فمعنى ذلك ان الضغوط الأميركية قد بلغت الذروة وبات على واشنطن ان تجس نبض الحزب ومدى تأثير تلك الضغوط على قراره.

وبدا "العرض" الأميركي بمثابة انفاذ متكامل للقاعدة السياسية التقليدية القديمة والمعروفة بـ"سياسة الجزرة والعصا والعكس صحيح مادام الهدف الاقصى هو احتواء الخصم وقلع انيابه واظافره وتاليا تدجينه واستتباعه.

فاذا كان الحزب شاء ان يأتي رده السلبي على العرض الأميركي هذه المرة ضمن طقس مختلف وعلى لسان رجله الثاني فان السؤال ماذا عن الخطوة الأميركية التالية وما هي طبيعة ردها الحتمي؟

الواضح ان واشنطن لن تكف عن قرع جدار الحزب بلوغا لساعة الاستيعاب ومن البديهي ان عملية القرع هذه ستكون لها مستلزماتها والوان جديدة غير مرئية بعد من الضغوط ما دام الحزب يعلن انه ما برح بمقدوره المواجهة والاحتمال.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار