مسيرات إيران.. هدّدت وحدة موقف لبنان | أخبار اليوم

مسيرات إيران.. هدّدت وحدة موقف لبنان

| الجمعة 08 يوليو 2022

الحزب يخوض اتّصالات بالواسطة مع هوكستين نفسه

وليد شقير - اساس ميديا
تكاثرت الأسباب التي تستدعي الريبة من شنّ إعلام "حزب الله" هجومه على بيان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب إثر إطلاق "الحزب" المسيَّرات الثلاث غير المسلّحة نحو حقل "كاريش" الإسرائيلي، وإسقاطها من قبل إسرائيل السبت الماضي. تساءل البيان "عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي، خصوصاً أنّ المفاوضات الجارية (لترسيم الحدود البحرية) بمساعٍ من الوسيط الأميركي أموس هوكستين بلغت مراحل متقدّمة". واعتبر البيان هذا الأمر "غير مقبول"، مجدّداً دعمه "مساعي الوسيط الأميركي للتوصّل إلى حلّ يحفظ الحقوق اللبنانية كاملة".

أبرز أسباب الريبة حيال هذه الحملة أنّها جاءت فيما كان الحزب يخوض اتّصالات بالواسطة مع هوكستين نفسه. وقد برّر قيامه بالعمليّة، وتطرّق إلى التهدئة وخفض التوتّر مع إسرائيل، من دون أن يُخفي الوظيفة الإيرانية لهذه العملية، وصولاً إلى تسريب معلومات عن أنّه سيُطلق المزيد من المسيَّرات فوق "كاريش" والمنصّة العائمة "إنرجين باور" المخصّصة لاستخراج النفط والغاز منه.

موافقة عون وافتعال استثنائه من الحملة

لكنّ الحملة على ميقاتي وبوحبيب، فضلاً عن أنّها توخّت ترهيبهما وتسخيف ردّهما على العملية الخارجة عن نطاق الشرعية، فإنّها تضمّنت الكثير من قلب الحقائق، بدءاً بالقول إنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان منزعجاً من البيان. أمّا الحقيقة فهي أنّه حين اتّصل هوكستين والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بكبار المسؤولين للاستفسار عن موافقتهم على ما حصل، ولإبلاغهم بأنّ المسيّرات قد تنسف المفاوضات، أوفد عون الوزير بوحبيب المحسوب عليه في الحكومة إلى ميقاتي من أجل التنسيق واتّخاذ الموقف المناسب، فجرت صياغة البيان في شكل مشترك، وتمّ تنميق بعض عباراته قبل إذاعته. ومع ذلك سرّب الحزب لمن اتّصل به بأنّ عون قال للجانب الأميركي: "لماذا لا تتّصلون بميقاتي"، للإيحاء بأنّه تهرّب من إصدار بيان كان مطلوباً أن تصدره السلطة للتبرّؤ من العملية وتأكيد استمرار المفاوضات.

تلفت مصادر رسمية إلى دليل آخر على موافقة الرئاسة على البيان، وهو ما قاله نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب في حديث لصحيفة "نداء الوطن" من أنّ "إطلاق "حزب الله" المسيَّرات وجب أن لا يحصل في هذه المرحلة بالتحديد لأنّ المفاوضات تسير بوتيرة سريعة، وموضوع المسيّرات أعادنا إلى نقطة معالجة إمكانية استكمال المفاوضات بدل الاستمرار في مناقشة النقاط التي توصّلنا إليها".

رأى بوصعب المحسوب على عون، والذي تلقّى اتصالاً من هوكستين، أنّ "الحكومة عبّرت عن موقفها بلسان رئيسها مساهِمةً في تطويق التداعيات وتجنّب الدخول في ردّات فعل نحن في غنى عنها".

"الحزب" ينسب الاعتراض إلى "جهات سياسيّة"

من عوامل الريبة من الحملة على ميقاتي وبوحبيب، التي استُخدمت فيها تعابير مهينة، أنّ مصادر الحزب التي وقفت وراءها تجنّبت القول إنّ الحزب نفسه اتّصل بميقاتي لنقل رسالة وُصفت بأنّها "قاسية" حيال إصداره بيان التنصّل من إطلاق المسيّرات. فنسبت الأمر إلى "جهات سياسية"، لأنّ الحزب بات محرجاً بسبب أنّه سبق أن كرّر وقوفه خلف الدولة في مفاوضات الترسيم. والمفارقة أنّ أوساطاً مطّلعة على حيثيّات صدور البيان قالت إنّ ميقاتي تساءل حين راجعه بعض من سألوه عن خلفيّة إصداره البيان، عن أسباب اعتراضهم، فاكتفوا بإجابته بأنّه "كان يجب ألّا يصدر". واهتمّ بعض زوّار ميقاتي بمعرفة ما قاله لـ"حزب الله" حين اتّصل به معترضاً على البيان، فنفى أن يكون "الحزب" قد اتّصل به، مؤكّداً أنّ "كلّ ما في الأمر أنّي حين زرت الرئيس نبيه برّي (الثلاثاء) سألني عن البيان، فكان جوابي: ألا نريد استئناف المفاوضات من أجل الترسيم؟ فردّ بري بالإيجاب، وعقّبت قائلاً له إنّ "هذا ما قلناه في البيان لأنّنا جميعاً نريد أن تستمرّ المفاوضات"، واكتفى ميقاتي بهذا القدر من الإفصاح عمّا دار بينه وبين رئيس البرلمان.

بين رواية المقرّبين من "حزب الله" عن الرسالة "القاسية" لميقاتي، وبين رواية الأخير عن لقائه مع برّي، تبقى الوقائع ناقصة لأنّ من الطبيعي ألّا يكشف المعنيّون عنها بالكامل لأن إطلاق المسيّرات حمل معه مخاطر مواجهة مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، لا يريدها أيّ من الأطراف، واستنفر عواصم عدّة بدليل ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد مع الرئيس إيمانويل ماكرون حين زار فرنسا، وسط معلومات أنّه عرض له معطيات تتعلّق بما يقوم به الحزب من تعزيز مواقعه في الجنوب.

من جهتها، برّرت أوساط ميقاتي البيان بالقول إنّ التشديد على استمرار مهمّة هوكستين يساعد في تجنّب نشوب نزاع عسكري لا يحتمله البلد في ظروفه المأساوية الراهنة، فيكفي لبنان ما يعانيه. وقد يتمكّن "حزب الله" من إلحاق الأذى الشديد بإسرائيل في حال وقوع حرب، لكن ما الذي سيحلّ بلبنان من دمار وكوارث في هذه الحال؟ ألا يكفيه ما هو فيه؟

بيد أنّ مفارقة أخرى تتّصل بالحملة على ميقاتي وبوحبيب هي المعلومات عن خطّ خلفيّ فُتح بين "حزب الله" والجانب الأميركي، عبر أحد الوسطاء اللبنانيين، امتنعت المصادر الواسعة الاطّلاع على جانب منه، عن الكشف عن هويّته. ربّما كان هدف الحملة التغطية على تلك الاتصالات غير المباشرة بين واشنطن والحزب.


الاستعداد للتصعيد قبل زيارة هوكستين وبعدها

 تقول الرواية إنّ الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل، كبير مستشاري أمن الطاقة في وزارة الخارجية، آموس هوكستين، حين زار بيروت في 13 حزيران الماضي ليتسلّم الاقتراح اللبناني المتعلّق بالخط البحري الذي يطالب لبنان باعتماده للحدود البحرية، التقى شخصية تتولّى نقل الرسائل بين واشنطن و"حزب الله"، من أجل أن يستفسر عن التهديدات التي كان أمينه العام السيد حسن نصر الله قد أطلقها في كلمة ألقاها في 9 حزيران، أي قبل أربعة أيام من وصوله.

كان نصر الله قام بمطالعة مطوّلة عن حقوق لبنان في النفط والغاز في البحر، ملوّحاً بأنّ "الحزب" لن يقف مكتوف الأيدي إزاء وصول السفينة-المنصة العائمة التابعة لشركة "إنرجين باور" من أجل الاستعداد لبدء استخراج الغاز من حقل "كاريش" الإسرائيلي. وممّا قاله نصر الله حينئذٍ أنّ "المقاومة قطعاً تملك القدرة المادية والعسكرية والأمنية والمعلوماتية واللوجستية والبشرية لمنع العدو من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش"، ما دامت المفاوضات حول الحدود لم تصل إلى اتفاق، وما دامت الدولة اللبنانية تعتبر وصول السفينة عملاً عدائياً في منطقة متنازَع عليها. وأنذر نصر الله الشركة المالكة للسفينة و"العدو وحكومته" بأنّ "عليهم أن ينتظروا نتيجة المفاوضات كما يفعل لبنان". ولمّح إلى أنّ المقاومة قد ترسل مسيّرات فوق حقل كاريش من أجل "الإنذار". استدرج كلام نصر الله ردّاً من رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي قال فيه إنّ "التوتّر المقبل مع لبنان سيشهد قصفاً غير مسبوق"، وإنّ جيشه "بلور آلاف الأهداف لتدميرها بمنظومة الصواريخ والقذائف...".

نصر الله للتفاوض بالاتّكال على الله وتحرّك وسيط الوسيط

إلا أنّ نصر الله قال في الكلمة نفسها إنّ "الدولة تريد أن تفاوض فلتتّكل على الله"، مبدياً ثقته بصلابة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

على ذمّة الراوي طلب هوكستين من الشخصيّة أن تنقل أسئلة عن سبب هذا التصعيد في موقف نصر الله في خطابين سبقا وصوله، فيما يطالب لبنان باستئناف المفاوضات، فنُقلت الأسئلة وكان جواب الحزب أنّه لا يمكن لإسرائيل أن تبدأ باستخراج الغاز والنفط في حين لبنان لا يستطيع ذلك في انتظار التفاوض الذي ما دام غير منجز يبقى "كاريش" في منطقة متنازَع عليها. طلب هوكستين التهدئة، مشيراً إلى أنّ كاريش يقع في منطقة تابعة لإسرائيل، وأنّ لبنان يتفاوض على تكريس حقّه في الخط 23 والاحتفاظ بحقل قانا كاملاً. واستنجد هوكستين بالسفيرة الفرنسية آن غريو التي التقاها لعلمه بأنّ السفارة الفرنسية تحتفظ باتصالات مستمرّة مع الحزب، وكانت غريو التقت مسؤولين في الحزب قبل أسبوعين من وصول هوكستين، طالباً منها حضّ الحزب على التهدئة وإفساح المجال للمفاوضات، فقام طاقم السفارة بالمهمّة، وكان جواب الحزب أنّه لا يريد حرباً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار