هل تتخطّى باريس سلبيات فشل مبادرتها في الاستحقاق الرئاسي؟ | أخبار اليوم

هل تتخطّى باريس سلبيات فشل مبادرتها في الاستحقاق الرئاسي؟

| الأربعاء 24 أغسطس 2022

من المهم  أن يصل الى سدّة الرئاسة الشخص القادر على أن يكون المحرّك الأساسي

"النهار" - سمير تويني

في أول أيلول المقبل سيفتتح مجلس النواب اللبناني المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فكيف ستتعامل باريس مع هذه الانتخابات الرئاسية التي لم تتوضّح حتى الآن معالمها؟ وهل سيكون لباريس الدور الذي تطمح إليه في تأمين حصول هذه الانتخابات في موعدها؟ وهل ستتخطى السلبيات التي تركها فشل تطبيق مبادرتها؟

لقد ضغطت باريس ودول أخرى داعمة للبنان لإجراء الانتخابات النيابية معتبرة أن المجلس الجديد الذي سيولد بعد انتفاضة ١٧ تشرين يمكنه إحداث تغيير. وقد حصل هذا التغيير بفقدان فريق ٨ آذار الأغلبية في مجلس النواب لكن أكثرية الطبقة الحاكمة أعيد انتخابها رغم أن المعارضة الشعبية تعارضها لأنها أوصلت البلد الى الانهيار الكامل.
الديبلوماسية الفرنسية التي تطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهل القانونية تعي الواقع اللبناني الذي عرقل تنفيذ المبادرة الإصلاحية التي عرضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار المرفأ. وبدا في حينه أن الرئيس ماكرون قلل من شأن تقويض الطبقة السياسية عموماً التي تمنع إعادة انطلاق البلد، ولكنه ما زال يرفض الاستسلام لأنه يعتبر أن لا وجود لمبادرة أخرى لاستنهاض لبنان فيما الوضع يتفاقم خشية فراغ على صعيد السلطة. وقال ماكرون في مقابلة صحافية في الرابع من آب الجاري "لن أتخلى عن لبنان أبداً ولن أدع لبنان ينهار ويختفي". فهو يؤكد عزمه على مساعدة لبنان ووضعه على سكّة حلّ أزماته.
ورغم بعض الملل الفرنسي من الملف اللبناني الذي لا يتقدم إيجاباً تحاول فرنسا تخطي "قوّة جمود" النظام اللبناني والجهات الفاعلة فيه. فباريس كما دول الاتحاد الاوروبي ودول مجموعة الدعم الدولية للبنان تطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها لأنها تخشى الفراغ. وهي تطالب ببلد متّحد في تنوّعه، سيد، مستقل، ومزدهر، وبسلطة تقوم بالإصلاحات الضرورية، أي بلد يحتلّ مكانه في بيئته المتوسّطية والشرق أوسطية. فلا يمكن وجود أي استقرار للبنان دون الاندماج في بيئته الإقليمية حيث من الواضح أن دول الخليج قوة رائدة، ولا ازدهار ولا نموّ لبنانياً من دون علاقات كثيفة معها، لذلك التزم ماكرون حصول خفض التصعيد مع هذه الدول وعودة سفرائها الى لبنان وإنشاء صندوق ائتماني مع المملكة العربية السعودية لمساعدة لبنان إنسانياً من خلال اتصالاته المكثفة مع المملكة والإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى.

والديبلوماسية الفرنسية ترى لأن المهم بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية المقبلة أن يصل الى سدّة الرئاسة الشخص القادر على أن يكون المحرّك الأساسي بالتعاون مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب لإطلاق العملية الإصلاحية التي حدّدتها المبادرة الفرنسية لانتشال البلد من أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والإنسانية.

وذلك يتطلب رئيساً جامعاً تتفق عليه أكثرية القوى السياسية الفاعلة للخروج من الصراع السياسي الذي يشهده البلد حالياً والذي سيؤدّي الى فنائه إذا استمرّ التقويض السياسي الذي يعيشه لبنان، ويكون رمزاً لوحدة لبنان وعلى مستوى الكيان والشعب يبعث روح النهضة و يسير بالبلد باتجاه الإنقاذ ويعيد إحياء الثقة المفقودة.

ومن جهة أخرى تتخوّف باريس من المبادرات السلبية لترسيم الحدود البحرية، وكان الرئيس ماكرون قد "حذر من أن لبنان لن ينجو من صراع جديد على حدوده الجنوبية لأنه سيكون أكثر فتكاً وتدميراً من حرب عام ٢٠٠٦"، وأضاف "هذا ليس من مصلحة أيّ فريق"، وهذا الكلام موجّه بالطبع الى المزايدين داخلياً وخارجياً.

وماكرون في هذا السياق يرى "أن الملف اللبناني منفصل عن الملف النووي الإيراني" ولكنه في المقابل يوضح "أنه يجب العمل على دعم الأمن والاستقرار الإقليمي، فالاتفاق النووي عام ٢٠١٥ لم يمنع تصاعد التوترات في المنطقة والاتفاق الجديد لن يزيلها".
الرئيس الفرنسي أخطأ وفق العديد من منتقديه، فقال الكثير بالنسبة الى لبنان ولم يفعل إلا القليل، فاستخدم كلاماً نارياً كـ"نظام فاسد" و"خيانة جماعية" و"سياسيون فاسدون" فخيّب الآمال لأنه أعطى انطباعاً بأنه يقدّم دروساً أخلاقية بقيت فارغة لأنه لم ينفّذ تهديداته بفرض عقوبات بعد عام من اعتماد ترسانة قانونية تسمح بمعاقبة السياسيين ولم يضع الاتحاد الأوروبي الذي ترأسه أيّ اسم على قائمته السوداء كما لو أنه تجاهل مصالحهم السياسية التي تواجه موقفه. وما زال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتردّد في إنشاء لجنة تحقيق في انفجار المرفأ رغم دعوته لإحلال العدالة ولتحقيق دولي.

باريس تتفهّم نفاد الصبر والإحباط داخل المجتمع اللبناني ولكن ماكرون يرى "أنه لا ينبغي أن نخطئ في الهدف بانتقاد فرنسا حيال ما تفعله أو لا تفعله بما فيه الكفاية". فقد قدّمت باريس كثيراً من المساعدات وهي دائماً على استعداد لتقديم المزيد للبنان وشعبه، وسيكون لها دورها رغم الانتقادات الموجهة الى رئيسها في إدارة الملف اللبناني، وستسهم بتأمين حصول الانتخابات الرئاسية التي تعتبرها مفترق طريق مهماً في مستقبل لبنان.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار