الأزمة الرئاسية في الحلقة المقفلة... | أخبار اليوم

الأزمة الرئاسية في الحلقة المقفلة...

| الثلاثاء 10 يناير 2023

الراي- ستعادتْ بيروت ديناميتَها السياسية بعد عطلة الأعياد المتتالية التي ملأها صخبُ الحركة السياحية التي أعطاها المغتربون جرعةَ دعم ضخّت مئات آلاف الدولارات في قطاعاتٍ اقتصادية مترابطة ومدّت عائلاتٍ بمزيد من «أوكسجين الصمود» بوجه العواصف المالية التي لا تهدأ.

ولم تكد استراحةُ الأعياد أن تنتهي، حتى عاجَلَتْ لبنان اهتزازاتٌ نقدية جديدة فيما الواقع السياسي يعيش على «ارتجاجاتِ» الأزمة الرئاسية وتشظياتها التي تتطاير على الواقع الحكومي وعلى ملفاتٍ حياتية باتت أسيرةَ لعبة «تكسير رؤوس» متعددة الجبهة.

وكي لا يذهب «سدى» دخولُ لبنان لائحة الدول الأسوأ عالمياً لناحية تصنيف الحياة فيه، هو الذي سبق أن تربّع على عرش البلدان الأكثر تعاسة والأقل أماناً والأكثر فساداً والأكثر ارتفاعاً لتكلفة المعيشة فيه، عاود الدولار قفزاته المجنونة مسجِّلاً ارتفاعاً صاروخياً بنحو 3500 ليرة في أقلّ من 24 ساعة حيث تجاوز 46500 ليرة بعدما حجّم مصرف لبنان المداولات عبر منصة «صيرفة» (أي دولار 38 الف ليرة) لتقتصر على الأفراد (بحدود 100 مليون ليرة شهرياً) دون المؤسسات والشركات، وهي «الوثبة» التي أعطت إشارةً قوية إلى قرب انتهاء كل مفاعيل «إبرة التخدير» التي شكّلها قرار «المركزي» عشية الأعياد برفْع سعر دولار «صيرفة» من 31 ألف إلى 38 ألف ليرة وفتْح الباب وبلا سقوف أمام الحصول عليه (بنكنوت) عبر المصارف، لتتجاوز المبادلات النقدية على هذه المنصة 1.2 مليار دولار في أيام قليلة.

 

وفي موازاة الاضطرابات المستعادة في سوق الدولار، يستمر التعثّر في ملفاتٍ حيوية لا يَظهر حتى الآن أنها يمكن ان تنفرج سريعاً. فإذا كان اللبنانيون وُعدوا بساعاتِ تغذية كهربائية بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون وقبل نهاية 2022، فإن أوضاع الكهرباء تدهورت في صورة سريعة بعدما فشلتْ كل المحاولات حتى الساعة بين مصرف لبنان ورئاستيْ مجلس النواب والحكومة ووزارتيْ الطاقة والمال لإيجاد حل لتمويل التغذية الكهربائية الإضافية (بما بين 4 و5 ساعات).

والأدهى أن اللبنانيين على موعد بدءاً من نهاية هذا الشهر مع أسعار إضافية على فواتير الكهرباء وثمن الخدمات الأساسية في وقتٍ لا تزال الكهرباء مقطوعة. وهذا يعني أن الحكومةَ، ورغم أنها تحمل صفة تصريف أعمال، ضاعفتْ ثمن الكهرباء والانترنت وخدمات الهاتف الخليوي، لكنها في المقابل عاجزة عن توفير الخدمات الضرورية.

... طريق الكهرباء معتمة

ولا يَظْهر أن أي تسوية جديدة قادرة حالياً وسط الخلافات العالقة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى على استنباط حلول سريعةٍ لتوفير آلية لتمويل سلفة الكهرباء التي يصرّ ميقاتي - بري على أن تمرّ بجلسةٍ لمجلس الوزراء يعدّ لها الأول ويعارضها بشراسة التيار الذي سبق أن قابَل الجلسة السابقة للحكومة المستقيلة (قاطعها وزراؤه) بشبه عملية «ارتدادٍ» سياسي على حليفه «حزب الله» الذي غطى الجلسة والذي يحاذر هذه المَرة الانجرار إلى تكرار سيناريو من شأنه أن يعمّق الخلاف - ذات الجذور الرئاسية - مع حليفه المسيحي الذي يرفض أن تمارس حكومة تصريف أعمال مهماتها «كالمعتاد» في ظل شغور رئاسي وكأنها مكتملة الصلاحيات.

وفيما ينتظر اللبنانيون مرة أخرى إقرار مشروع الكابيتول كونترول الذي كما بدأ يتضح من بعض تفاصيله أنه سيشرّع خسارة اللبنانيين لأموالهم، لا يلوح في الأفق أي تقدُّم لإنتاج تسوية سياسية يمكن أن تساهم في إحداث خرق أساسي في الأزمة الخانقة التي بات القفل والمفتاح فيها الاستحقاق الرئاسي.

الأزمة الرئاسية في الحلقة المقفلة

وإذ برز أن بري «يعدّ للعشرة» قبل أن يدعو الى عقد الجلسة 11 لانتخاب رئيس للجمهورية التي سرى اعتقادٌ أنها ستكون الخميس، فإن لا شيء يوحي بوجود تطور استثنائي في ما يتعلق بتغيير خريطة الانتخابات الرئاسية التي لا تزال تراوح مكانها بين مرشّح للمعارضة في مقابل الورقة البيضاء لحزب الله وحلفائه، وسط رصْدٍ لِما إذا كان التيار الحر سيعمد اليوم الثلثاء إلى كسْر حال «اللعب على حبليْ» الأبيض والأسماء «الملغومة» ويتجّه لتسمية شخصيةٍ ما يكرّس معها «افتراقاً رئاسياً» عن حليفه «حزب الله» الذي يصرّ على دعْم ترشيح سليمان فرنجية ويلوّح في الوقت نفسه بورقة قائد الجيش العماد جوزف عون.

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة أكثر وضوحاً من ذي قبل في تحديد مواصفات رئيس الجمهورية الذي على أساسه يمكن أن يتم التوافق، والصفة الأهمّ بالنسبة إلى الحزب ألا يأتي رئيسٌ يطعن بالمقاومة «يعني ألا يذهب بالبلد الى حرب أهلية، ورئيس يريد الوفاق والحوار ويساعد في حماية لبنان أمام التهديدات والمخاطر، فهذه مصلحة وطنية لكل البلد»، مضيفاً «مَن ينتظر المفاوضات بين أميركا وايران حول النووي يمكن ان ينتظر عشرات السنين فنبقى بلا رئيس للجمهورية».

يصر «حزب الله» على التوافق، وهو كلام نقله وفد الحزب الى بكركي في لقاء مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. لكن إصراره على تحديد المواصفات التي ورد ذكرها، لا يعني التوافق على شخصية حيادية أو مستقلة بل اختيار شخصية أقرب إلى الحزب ويَطْمئن إليها بعدم استهدافه، ما يُترجم بتفضيله حتى الآن المرشح فرنجية على ما عداه، أقله في المفاوضات الأولية لأن الحزب لم يعلن ترشيح فرنجية رسمياً.

فالإصرار على الدعوة الى التوافق الداخلي حول شخصيةٍ لا تطعن المقاومة يعني أن الحزب حدد سلفاً تموْضع الرئيس الجديد سياسياً. وبمجرد أن رَبَط نصرالله ملف الرئاسة في لبنان ولو بطريقة سلبية بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، فهذا يعني تسليماً بأن الجمود الرئاسي طويل الأمد، لأن كل الأفرقاء ينتظرون ضمناً ما ستسفر عنه المفاوضات الدولية والاقليمية. ومن هنا فإن التلويح المستمر بلقاءات رباعية في باريس تشمل قطر وباريس وواشنطن والسعودية، والاتصالات الايرانية - السعودية، يعطي للقادة السياسيين مزيداً من الوقت الضائع، في انتظار أن تتبلور أكثر ماهية هذه المفاوضات ونتيجتها.

واللافت أن أي أمر رسمي لم يصدر بعد عن الجهات المعنية حول احتمال عقد هذه اللقاءات التي عوّل عليها اللبنانيون بعد كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى عودته من قمة الأردن عن مبادرات ينوي القيام بها، مع أنه نفى إمكان عقد مؤتمر دولي حول لبنان. علماً أن الرياض حتى الساعة لم تقل كلمتها مطلقاً في شأن الانتخابات الرئاسية ولا التسوية التي يتردّد الحديث عنها في بيروت حول رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة.

وفي هذا الوقت الضائع، تظهر الحركةُ السياسية ضعيفةً في مواكبة الاتصالات الخارجية. ورغم حركة زوارٍ الى بيروت، كالأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط أخيراً ومن ثم وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في مهمة معايدةٍ للقوات الفرنسية العاملة في الجنوب ضمن «اليونيفيل»، إلا أن أي ملامح مبادرات جديدة لا تلوح في الأفق، لينشغل لبنان بحِراك محلي لتوحيد جهود المعارضة والانتقال من خطة ألف الى خطة باء باختيار شخصية لترشيحها تتوافق عليها كافة أطياف المعارضة، ومراقبة تطور العلاقات بين التيار الوطني الحر وحزب الله ربْطاً بالتوترات الاخيرة بينهما.

مهمة الوفد الأوروبي آمنة ومؤجَّلة

وما عدا ذلك جمود كلي، يخرقه تحرك قضائي أوروبي في بيروت كان مقرَّراً أن يبدأ أمس الاثنين في ملفات تتصل بقضية اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي تتمحور بالدرجة الأولى حول رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحويلات من لبنان استُخدمت فيها مصارف في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ.

ولكن مهمة الوفد الثلاثي الأوروبي المؤلف من قضاة تحقيق ومدّعين عامين وضباط أرجئت حتى الاثنين المقبل لأسباب قيل إنها لوجستية وتتصل باستكمال تبليغ الأشخاص الـ 15 المطلوب الاستماع إليهم (14 منهم كشهود وشخص من آل عون هو صاحب شركة وساطة مالية كمشتبه فيه) والذين ليس من بينهم حاكم «المركزي»، أقلّه ليس في هذه المرحلة، وغالبيتهم مسؤولون كبار في مصارف «عودة»، «البحر المتوسط»، «سرادار»، «الموارد»، «الاعتماد اللبناني»، و«بنك مصر ولبنان»، ومدققون ومدراء في مصرف لبنان.

وأشارت تقارير أمس إلى أن الاجتماعاتِ التحضيرية بين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات والوفد القضائي الأوروبي ستُستكمل في اليومين المقبلين لإنهاء تنظيم عمل الوفد الذي سلّم بأن تمرّ الأسئلة التي سيوجّهها إلى مَن سيستمع إليهم بالقضاء اللبناني عبر القاضية ميرنا كلاس، لافتة إلى أن طلب المساعدة القضائية من الدول الثلاث يرتبط بالتحويلات المالية في الملف الذي سبق أن فُتح في بيروت ويتصل بشبهة الإثراء غير المشروع والذي تم الاستماع فيه الى حاكم مصرف لبنان وشقيقه، علماً أن أحد القضاة الفرنسيين سيتولى أيضاً متابعة قضية انفجار مرفأ بيروت والموقوفين فيه ربْطاً بتحقيق فرنسي يرتكز على سقوط ضحية فرنسية في «بيروتشيما».

وإذ استوقف أوساطاً متابعة في بيروت أن الوفدَ الفرنسي يضمّ القاضية أود بوريسي التي سبق أن تولّت التحقيق في ملف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي حتى إدانته ما يعكس جدية هذا المسار الذي أطلقته الدول الثلاث باعتبار أن «أراضيها» (عبر مصارف فيها) قد تكون استُخدمت في عمليات تبييض أموال وفساد، فإن لبنان بدا نظرياً وكأنه تجاوز «قطوعاً» من خلال توفير «ممر آمن» لهذا الملف على قاعدة التوفيق بين التعاون مع هذه البلدان وتحقيقاتها، وبين مراعاة المرتكزات الأساسية لسيادة الدولة في القانون المحلي بما ينسجم مع أحكام المادة /49/ من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والموقّعة من لبنان عام 2009.

وفي انتظار تبيان مآل مهمة الوفود الأوروبية، ثمة مَن اعتبر أن هذه الحركة لا يؤمل منها الكثير محلياً، في وقتٍ يعود الحديثُ حول احتمال التجديد لحاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولايته (يوليو المقبل)، رغم كل الشوائب القضائية والاعتراضات على سياساته وملفات تلاحقه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار