حلول بمثابة مراهم لا جراحة إنقاذية | أخبار اليوم

حلول بمثابة مراهم لا جراحة إنقاذية

| الثلاثاء 10 يناير 2023

"حزب الله" القيّم على الحصة الشيعية الحاسمة لا يمكنه تعطيل الحكومة العتيدة فقط بل أيضاً الرئيس المقبل

 "النهار"- روزانا بومنصف

يخشى مراقبون ديبلوماسيون أن السقف المرتفع الذي أعاد التذكير به الرئيس إيمانويل ماكرون في حديثه مع الزميلة رندة تقي الدين لصحيفة "النهار" من خلال قوله بضرورة تغيير الطبقة السياسية في لبنان، قد يعطي مجدداً فكرة خاطئة عن طبيعة المسعى الفرنسي الذي يتفاوت بين حماسة متقدمة في اتجاه انتخاب رئيس إصلاحي باتت تتطلبه المرحلة في لبنان وتراجع الحماسة تحت وطأة جملة اعتبارات.

فرنسا خاصةً، باعتبارها من أكثر الدول اهتماماً بلبنان حتى الآن، تجد نفسها عاجزة أمام قوى سياسية تتناتش الرئاسة الاولى وشخص الرئيس المحتمل على نحو يعيد التذكير كما في أيلول 2020 على أثر الطاولة المستديرة التي دعا إليها ماكرون القوى السياسية اللبنانية في قصر الصنوبر، عبر الزبائنية السياسية والتحاصص، ولا سيما أن المرحلة المقبلة مفتوحة على تعيينات كبيرة ومتعددة. فكما أن ما بعد الطاولة المستديرة انتهى الى أزمة حكومية طويلة نجح من خلالها أهل السلطة في تعويم أنفسهم وقدراتهم وحصصهم بدلاً من حكومة كفايات تخرج البلد من الأزمة، من غير المرجح أن تنجح الجهود في إيصال رئيس إصلاحي ينفذ برنامجاً مطلوباً لإنقاذ البلد. فحتى من ضمن السيناريو الأكثر تفاؤلاً يُحمَّل الرئيس المقبل – أياً يكن – أكثر بكثير ممّا يحتمل، ليس لأن صلاحياته بعد اتفاق الطائف قد اختلفت بل لأن "حزب الله" القيّم على الحصة الشيعية الحاسمة لا يمكنه تعطيل الحكومة العتيدة فقط بل أيضاً الرئيس المقبل. وحتى الرئيس ميشال عون الحليف المسيحي للحزب الذي انتُخب بعد عامين ونصف من التعطيل اشتكى من تعطيل رئاسته بغضّ النظر عن الاتهامات التي يرميها على خصومه، فيما حليفه الشيعي كان الخصم والحكم.

وهذا الدور للحزب يبقى كما هو ولا سيما في ظل اعتقاد بأن المحور الذي ينتمي إليه متمكن وقادر على فرض شروطه تحت وطأة تعطيل ما لا يناسبه أولاً في الوصول الى انتخابات الرئاسة ومن ثم على نحو متدرّج تعطيل الرئيس نفسه إن لم يناسبه ذلك، ثم تعطيل الحكومة ككل من تأليفها الى تركيبتها. ويكابر المسيحيون في الإقرار بأن الرئاسة المسيحية أصبحت رهناً بالحزب أكثر من ارتهانها لمصالحهم وحساباتهم هم. لا بل إن بعض المراقبين الذين توقفوا طويلاً عند الجدل الذي أثاره الخلاف بين "حزب الله" والتيار العوني على خلفية إصرار الحزب على مرشح لا يريده التيار وإمكان فك تفاهم مار مخايل، فإن أحداً لم يذكر كيف يمكن عكس المفاعيل الكارثية التي حصلت من هذا التفاهم إذا قرر الطرفان فك تحالفهما. فالزواج بينهما الذي سُمّي تفاهماً لم يكن من ثماره رئاسة عون فحسب بل وجود أولاد هم رمزياً تكريس مسألة التغطية المسيحية التي أمّنها التيار للحزب الثلث المعطل في الحكومة وحتى اختيار رئيس الجمهورية المسيحي وتسليم البلد للمحور الإيراني وإبعاده عن محيطه العربي.

وفيما يعمد التيار الى انتزاع موقع الرئاسة الأولى من الحزب تحت عنوان رفض ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فإنه لا يعترض عملانياً على صلاحية وضعها الحزب في جيبه حين أتى بعون بل يعترض على الاسم فحسب ولذلك لا يمكنه أن يصطف مع القوى المسيحية الأخرى على الدرجة نفسها في رفض مرشح الحزب ولن يعود إليه الفضل، وإن حاول ذلك، إذا أدت المساومات الإقليمية والمحلية الى انتخاب رئيس غير فرنجية على سبيل المثال، إذ إن الأخير وإن كانت لديه مجموعة من الأصوات التي قد توصله الى سدة الرئاسة، فإن العائق أمامه يظل أن اعتباره محسوباً أو مرشحاً من "حزب الله" قد يترجم تسليماً داخلياً وخارجياً بما يريده الحزب أو ربما التسليم بسيطرة الأخير على البلد بإقرار من الخارج كذلك لا من الداخل فحسب، فيما رئاسته قد لا تكون سهلة لإنقاذ البلد، تماماً كما ستكون حال أي رئيس لا يوافق عليه الحزب في اتجاه تنفيذ هذه النقطة الأخيرة.

الخشية لدى هؤلاء المراقبين أن الاندفاع الفرنسي في الدرجة الاولى يوماً لرئيس إصلاحي في لبنان وخفوت ذلك في اليوم التالي على نحو مثير لإحباط كثيرين، إنما يتصل بجملة عوامل تبدأ من الهموم الفرنسية المتزايدة من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على كل الصعد والمستويات ولا تنتهي بتفكك أوروبا والتحديات التي تواجه القارة الأوروبية ككل، فيما بين هذين الحدّين فريق مدعوم إقليمياً ويعتبر لبنان موقعاً متقدماً لاستراتيجيته الإقليمية ويستطيع استخدام عامل الوقت الى الحد الأقصى وكذلك عامل التعطيل، بينما فرنسا والدول المشابهة التي لا تزال مهتمة لا تملك هذه العناصر بين أيديها. ما يؤدي الى تراجع اهتمامها مع الوقت واحباطها وعدم الممانعة في حلول قد تبدو متاحة لمواصلة تأمين الاستقرار وعدم تدفق اللاجئين الى أوروبا وعدم التعكير على تدفق الطاقة من المنطقة. وهذا دوماً كان وراء مخاوف القوى الخصم للحزب، ما سمح له بالاستقواء على الأقل في العقد الماضي وأتاح له تعميق سيطرته على القرار السياسي. فهذه كانت مسؤولية الداخل ولكن كثراً أيضاً يعتبرونها مسؤولية الخارج الذي يخشى أن يصل الى مرحلة إعادة اعتماد المراهم بدلاً من العملية الجراحية التي يحتاج إليها لبنان لأن لا أحد في وارد الاهتمام بعملية مماثلة في هذه الظروف وحتى إشعار آخر. فأزمات التعطيل غالباً ما أدّت الى حلول بمثابة مراهم ليس إلا.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار