هل تغيّر زيارة "الحزب" للرابية ضبابية لقاء ميرنا الشالوحي؟ | أخبار اليوم

هل تغيّر زيارة "الحزب" للرابية ضبابية لقاء ميرنا الشالوحي؟

| الجمعة 03 فبراير 2023

  لم يجد الحزب مبرّراً لرفع شعار "وحدنا" لأن السعي إلى الانفتاح والتفاهم هو البطولة

"النهار"- ابراهيم بيرم

هل يمكن الاتكاء على فرضية أن زيارة وفد قيادة "حزب الله" لمقر إقامة الرئيس السابق العماد ميشال عون في الرابية أمس يمكن أن تشكل تطوّراً نوعياً في مسار العلاقة المرتجّة بين "التيار الوطني الحر" والحزب؟

في مناخات الحزب من يسارع لبسط الإجابة عن هذا السؤال بالتشديد على التفريق والتمييز بين زيارة أمس وتالياً مستقبل التفاهم المبرم بين الطرفين وبين محطة اللقاء الأخير في ميرنا الشالوحي قبيل أيام بين رئيس التيار جبران باسيل ووفد الحزب الذي ضمّ المعاون السياسي لأمينه العام حسين الخليل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، وهو اللقاء الذي بُني على نتائجه الكثير.

صاحب هذه الدعوة (التفريق والتمييز والفصل) يعتبر أن زيارة الساعات الأخيرة هي في جوهرها زيارة بروتوكولية كان القرار متخذاً بإتمامها منذ ما قبل خروج الرئيس عون من قصر بعبدا في نهاية ولايته الرئاسية، لكن التطورات الدراماتيكية المستجدة فرضت تأجيل تحديد موعد الزيارة أكثر من مرة ومع ذلك فإن ثمة من يرى أنها متأخرة عن موعدها بناءً على حسابات وغايات مكتومة.

ومع ذلك كله فإن ثمة من سارع إلى إدراج هذه الزيارة في خانة سعي الحزب المكشوف إلى الحيلولة بأي شكل من الأشكال دون فصم عرى العلاقة التفاهمية القديمة مع التيار البرتقالي، بل سيضعها في سياق محاولاته المتعددة لكي لا يبدو الحزب في موقع المبادر إلى سحب يده من يد طرف آخر مدّها ذات يوم رمزاً لميثاق تحالفي، إيذاناً وعلامة على رغبته في طيّ صفحة علاقة لا ينكر الحزب يوماً أنها كانت ثانوية الأهمية بالنسبة إليه.

وبناءً على ذلك فإن مراد الحزب من زيارة الرئيس عون يرمي في الجوهر إلى:

- إيصال رسالة تقدير وشكر من سيد الحزب السيد نصرالله ومن الحزب قيادة وقاعدة إلى الرئيس عون "على كل مواقفه وجهوده وتضحياته وعلى ما تحمّله إبان سني رئاسته دفاعاً عن الوطن والمقاومة، وتأكيداً بأن الحزب ليس من النوع الذي ينسى أصحاب الفضل".
- إن الحزب استتباعاً ليس من الصنف الذي "يدير الظهر" لمن "عقد الراية" ومدّ يد التعاون عن سابق وعي وتصميم ذات مرحلة مثقلة بالصعوبات والخيارات الشاقة. وهذا بحد ذاته قرينة على أن الحزب منفتح على أي بحث مستقبلي حول سبل المفضية إلى إدامة التعاون والتنسيق.

وإن كانت تلك الزيارة موسومة بطابع أخلاقي وتقديري فإن ذلك على بلاغته ودلالته لا يعني بالضرورة أن العلاقة التفاهمية التي انطلقت في مراحلها الأولى من التفاهم لتبلغ في بعض مراحلها عقد التحالف بين طرفين، على وشك أن تعود سيرتها الأولى أي إلى فترتها الذهبية الواعدة، ولا يعني استتباعاً أنها على وشك أن تُنعى وتصير نسياً منسيّاً في أرشيف التحالفات اللبنانية الحافلة.

ففي القرءاة المعمّقة عند الذين هم على صلة مباشرة بالحزب، إن هذا التفاهم ما انفكّ ضمن مرحلة "تكتنفها الضبابية والالتباس" أي إنها لم تستقر بعد على صورة نهائية يمكن البناء عليها واعتبارها معياراً لما سيلي ويستجد، إذ لم يعد مفاجئاً الكشف عن أن لقاء ميرنا الشالوحي (المقر العام للتيار) في الآونة الأخيرة، الذي جمع على مدى ثلاث ساعات باسيل إلى الخليل وصفا، لم ينته إلى إعادة تركيز العلاقة بينهما على أسس ثابتة وجليّة. فوفق ما صار رائجاً فإن هذا اللقاء أفلح في تأدية ثلاثة أهداف أساسية تبقي العلاقة في منطقتها الرمادية وهي:
– تأكيد الطرفين اقتناعهما بالحاجة إلى استمرار التواصل بينهما وضرورة البحث عن السبل الكفيلة بذلك.

كان اللقاء مناسبة لكي يعرض كل طرف سرديّته وروايته ورؤيته لمسار العلاقة مذ بدأت في كنيسة مار مخايل وصولاً إلى الأمس القريب، وقد كان واضحاً افتراق الرؤى وتباين التقييم، وهو ما أوحى بأن الأمور لم تعد إلى مربّعها الآمن.

– ثمّة في كنف الحزب من يؤثر أن يدخل نتائج هذا اللقاء من مدخل مختلف، إذ يتبنّى استنتاجاً فحواه أن اللقاء أنتج معياراً جديداً لمستقبل التعاطي بين الطرفين، إذ لم يعد هناك ضوابط محدّدة وملزمة للتفاهم فصار الطرفان بعدها مطلقي السراح سياسياً يتبنّى كل منهما الخيار الذي يراه مناسباً وخصوصاً في موضوعَي الرئاسة الأولى ومسار العمل الحكومي. أما ما يبقى في دائرة الثبات والرسوخ فهو التوافق على الخطوط العامة المتصلة بوحدة البلاد وبدور المقاومة إلى ترسيم الحدود والعمل الدائم لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.

ثمّة ولا ريب من يدرج الصيغة المنقّحة التي أنتجها اللقاء تفاهماً بأنها تعزيز لمنطق "التفاهم على القطعة" وتسويغ للتباين وتحرير لكل طرف من إسار مقاربة الملفات الساخنة وهي بالإجمال تطبيق لنظرية معمول بها قديماً وتقوم على قاعدة: فلنعمل بما نتفق عليه وليعذر أحدنا الآخر في المواضيع المختلف عليها. وثمة ولا شك من يسمّي هذه الصيغة "ربط النزاع" فيما آخرون يرون أنها صيغة المنطقة الوسطى التي قد تفتح الأبواب لاحقاً أمام الخروج النهائي من إطار التفاهم عندما يريد أحدهما أو الاثنان معاً، لكنه من ناحية ثانية لا يوصد الباب بإحكام أمام احتمالات العودة إلى صيغة أكثر تطوّراً.

وما أضاف إلى اقتناع الحزب بأن ثمة مصالح وحسابات عند الطرف الآخر تزيّن له عدم العودة إلى المربّع الأصلي للتفاهم، هو مسارعة باسيل بعد لقاء ميرنا الشالوحي إلى لعبة "فضح" مضامين اللقاء ونقاط بحثه والتركيز على نقاط التعارض في إطلالته الأخيرة مكرّراً ما أقدم عليه بُعيد اللقاء الأخير الذي جمعه في الضاحية الجنوبية بالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، حيث تعمّد حينها الخروج عن قاعدة "المجالس بالأمانات" كاشفاً عن نقاط التباين والاختلاف بينهما خصوصاً لجهة خيارات الحزب الرئاسية قاطعاً بذلك الطريق على استئناف البحث في الموضوع الذي تمنّى السيد نصرالله أن يظل النقاش حوله مفتوحاً وأن يكون للبحث صلة.

وبطبيعة الحال، فإن الحزب يرى ضمناً أن باسيل يتعمّد إظهار التباينات من جهة ويضع التفاهم برمّته على المحك مع علمه بأن الحزب يتبع عادة نهج إبقاء النقاش حيال القضايا الخلافية في إطار الغرف الموصدة من دون إخراجها إلى الضوء واستخدامها مادة استعراض.

وفي كل الأحوال، فإن الحزب ما انفك مقيماً عند منطلقاته الجوهرية في مقاربة الموضوع والقائمة على معادلة تنظيم الاختلاف والافتراق إن أخفقت جهود إعادة بعث الروح فيه، خصوصاً أن أحداً من طرفي التفاهم لا يمكن أن يتنكر لعوائد هذا التفاهم عليه بغضّ النظر عن الإحجام.

لذا، لم يجد الحزب مبرّراً لرفع شعار "وحدنا" لأن السعي إلى الانفتاح والتفاهم هو البطولة، أما العودة إلى التقوقع فهي وإن كانت متاحةً لهواة النوع فإنها ليست بالضرورة خياراً بطولياً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار