الرواية الكاملة "المؤلمة"... هكذا اهدرت السلطة "الخانعة" حق لبنان في "كاريش" | أخبار اليوم

الرواية الكاملة "المؤلمة"... هكذا اهدرت السلطة "الخانعة" حق لبنان في "كاريش"

داود رمّال | الخميس 16 مارس 2023

عناصر قوة كثيرة لو استعملت لكنا نحن من يستخرج النفط والغاز من الحقل وليس العدو الإسرائيلي

داود رمال- "اخبار اليوم"

هي رواية مؤلمة ومخزية في آن تلك التي تتناول مسار ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، لقد فعلت الاحقاد والنكايات والتنازلات الخانعة لغايات شخصية في هذه القضية فعلها، وحققت للعدو الاسرائيلي ما كان لا يحلم بالحصول عليه اطلاقا.

 في العام 2009، رسّم لبنان حدوده البحرية الجنوبية بخطٍ يمثل الحد الأدنى من حقوقه في مياهه البحرية، سُمي هذا الخط بالخط 23. بعد مرور عامين، أي في العام 2011، قام العدو الإسرائيلي بترسيم حدوده البحرية مع لبنان، فبدلاً من أن يرسّم تلك الحدود باعتماد ذات الخط الذي رسّمه لبنان، كونه الرابح من هذا الترسيم، وبسبب طمعه المعروف قام بترسيم هذه الحدود بخط غير تقني وغير قانوني داخل المياه اللبنانية، سمي بالخط رقم 1، قاضما بذلك مساحة 860 كلم مربع من المياه اللبنانية. وبدأ يعمل منذ ذلك التاريخ على استكشاف النفط والغاز في المنطقة الحدودية جنوب الخط 23، ويمنع شركات النفط والغاز من العمل لصالح لبنان في مياهه شمال هذا الخط، وهذا موثق.

بعد تكليف الجيش اللبناني بالتدقيق في ملف الحدود البحرية، اكتشف أن حدود لبنان البحرية الجنوبية يمكن أن تمتد إلى ما بعد الخط 23 حيث تصل إلى الخط 29، وتم إثبات ذلك بالحجج والبراهين التقنية والقانونية بمساعدة أحد أهم الخبراء الدوليين المشهود لهم بكفاءتهم من أعلى المراجع الدولية، وهو الخبير الدولي نجيب مسيحي الذي كرس وقته الثمين على حساب عمله في خدمة لبنان دون أي مقابل.

مرّت عشر سنوات على النزاع الحدودي البحري الذي فرضه العدو الإسرائيلي في مياهنا البحرية، وهو يماطل ولا يأتي إلى المفاوضات، وبدأ يعمل في المياه التي يُسيطر عليها ويمنع العمل في مياهنا البحرية الحدودية، فكان لا بد من نقل النزاع من بحرنا إلى المنطقة التي تعمل شركات النفط فيها لصالحه، وذلك باستخدام القلم، وبمجرد توقيع وحيد. من هنا أتت الفكرة الاستراتيجية المتمثلة بتعديل المرسوم 6433.

يسأل البعض كيف بهذا القلم ستجبرون العدو الإسرائيلي على إعطاء لبنان الحق في كافة بلوكات النفط الحدودية؟ لا بل كيف ستحصلون على أكثر من ذلك كما تدعون؟ وهو الذي لديه قوة عسكرية كبيرة لا تُقارن، وهو الذي لا يأبه إلى القرارات الدولية، ولا يفهم إلا بمنطق القوة، والدليل على ذلك بأن مزارع شبعا وبعض أجزاء من الحدود البرية لا تزال محتلة ولا ينوي الانسحاب منها لغاية تاريخه؟.

الجواب هو أن معالجة موضوع الحدود البحرية يختلف بشكلٍ كبير عن معالجة موضوع الحدود البرية، فهدف العدو في البحر هو السيطرة على هذه المياه لكي يأتي بشركات النفط العالمية من أجل العمل فيها لاستخراج الثروة النفطية، هذه الشركات الكبرى لا تعمل في المناطق المتنازع عليها، ولا تستثمر أموالا بمليارات الدولارات قد تخسرها في حال مقاضاتها أو تعرضها لحوادث أمنية. وهذه قاعدة عامة لدى تلك الشركات لا يمكن تجاوزها، كونها تصب في غير مصلحتهم. لهذا السبب كنا ننادي بتعديل المرسوم رقم 6433 واعتماد الخط رقم 29 منطلقا للتفاوض بدلا من الخط رقم 23، لكي تكون تلك المنطقة التي تعمل فيها شركات النفط لدى العدو، متنازع عليها وفق القانون الدولي. تماما كما كان يفعل مع لبنان عندما قام بخلق منطقة متنازع عليها داخل المياه اللبنانية بترسيمه لخطه غير التقني وغير القانوني كما أشرنا، على عكس الخط 29 الذي لديه كافة الحجج القانونية التي تبرهنه.

كانت في يدنا عناصر قوة كثيرة، لو تم استعمالها وفقا للأصول، وفي الوقت المناسب، لكنا نحن اليوم من يستخرج النفط والغاز من حقل كاريش وليس العدو الإسرائيلي، الذي بدأ يصدر الغاز من هذا الحقل إلى أوروبا وبأغلى الأثمان، بينما نحن في لبنان نشهد على انهيار اقتصادنا، وللأسف، لا نسمع في لبنان سوى عبارات لا تقدم ولا تؤخر: "أنا معي حق والحق على غيري".  فالمسؤولية ضائعة في لبنان والحساب مفقود.

لقد استطعنا ترسيم خط الحدود البحرية بعد مرور أكثر من عشر سنوات من المماطلة الإسرائيلية، إلا أن اللبنانيين لا ينتظرون هذا الخط فحسب، والذي هو حق سيادي بامتياز، إنما ينتظرون استخراج الثروة النفطية لحل جزء من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانون منها. فهل نستطيع ذلك دون مماطلة وعرقلة إسرائيلية؟

لهذا السبب من واجبنا التنبيه والتحذير والتبيين  كيف أن الإسرائيلي سيحاول أن يعرقل عملية استخراج ثروتنا النفطية من البلوكات الحدودية، وكيف استطاع أن يدس نصاً في اتفاق الترسيم يسمح له بذلك. ولكننا اقترحنا بالتفصيل ما يجب على المسؤولين المعنيين في وزارة الطاقة وغيرها أن يعملوا لتجنب المماطلة أو العرقلة الإسرائيلية، التي ستظهر بعد حوالي ثلاث سنوات على الأقل، هناك عمل مضني يجب أن يقوم به المسؤولون، فيجب ألا ننام على حرير، فهناك الكثير من العمل "قبل فوات الأوان".

ان استعادة أخطاء الماضي ليس للدلالة عليها فقط، بل لنتعلم ونتعظ منها في المستقبل، خاصة أنه ينتظرنا ترسيم حدودنا البحرية مع سوريا، والذي يجب أن يبدأ دون تأخير للبدء باستثمار الثروة النفطية شمالاً.

لمن يقول إن الخط 29 ولد يتيما وليس له أمّ أو أبّ، وأنه طُرح مؤخراً خلال المفاوضات في الناقورة مما أدى إلى عرقلتها وبالتالي سمح للإسرائيلي بالإتيان بسفينة الإنتاج إلى حقل كاريش، نقول له أن الخط 29 ولد في تموز العام 2011، وله أمّ وأبّ هو الجيش اللبناني، وقد تم تسجيل ملفه لدى وزارة الأشغال العامة والنقل في العام 2013 بعد إرساله من قبل وزير الطاقة والمياه حينها، وكذلك الأمر تمّ التسجيل لدى رئاسة الحكومة في العام 2019عندما أرسله رسميا وزير الدفاع الوطني في ذلك العام.

وبفضل هذا الخط استطاع لبنان أن يودع لدى الأمم المتحدة بتاريخ 28/1/2022 وثيقة رسمية تعتبر أن حقل كاريش متنازع عليه، وتحذر الشركات من العمل فيه، فوجود الخط 29 هو الذي أربك العدو وجعله يخاف من الإتيان بسفينة الإنتاج لترسو فوق حقل كاريش. وعندما سُحب هذا الخط من التداول، أصبحت تلك المنطقة بكاملها خارج النزاع، عندها تجرأ هذا العدو وأحضر سفينة الإنتاج وليس العكس كما يشاع.

لبنان بلد مخطوف... والخاطفون هم من يقبضون على مقاليد الحكم، ضيّعوا كل الفرص التي سنحت على مدى نحو اربعة عقود والتي كانت كفيلة بجعل لبنان قبلة الشرق والغرب في كل المجالات، والاخطر انهم ضيعوا التحرير في العام 2000 من خلال التنازل الطوعي والمصلحي عن مساحة بحرية تعادل اكثر من ثلاثة اضعاف المساحة المحررة في الشريط الحدودي الذي كان محتلا.

سلطة تنحر شعبها وتبيع السيادة بأثمان بخسة آن لها ان ترحل الى حيث يجب ان تنال العقاب المستحق.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة