"الحزب" والحوار الاقتصادي: القرض الحسن نموذجاً! | أخبار اليوم

"الحزب" والحوار الاقتصادي: القرض الحسن نموذجاً!

| الجمعة 24 مارس 2023

ما هو موقع لبنان ودوره في محيطه العربي؟


 "النهار"- سابين عويس

ليست المرة الاولى التي يطلّ فيها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على الملف الاقتصادي، لكنها المرة الاولى التي يلقي فيها ركائز النموذج الاقتصادي الذي يسعى اليه بديلاً من النموذج الليبرالي الراهن، بعدما ضُربت كل مقومات هذا النموذج. هي المرة الاولى التي ينادي فيها بحوار اقتصادي منفصل عن الحوار السياسي على قاعدة ان شروط الحوار السياسي غير متوافرة ما دام سيتناول سلاح الحزب والاستراتيجية الدفاعية، وهما بندان تستعد القوى السياسية المعارضة للمشاركة في الحوار حولهما، ولكنها ليست مستعدة، على حدّ رأيه، للمشاركة في حوار حول الامور الاخرى في البلد. وهو بذلك يغمز من قناة رفض قوى مسيحية وعلى رأسها حزب "القوات اللبنانية" تلبية دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار.

في منطق الحزب وفق ما يمكن فهمه من اطلالة قائده اول من امس، ان السلاح والاستراتيجية الدفاعية عنوانان لملفين يجري التعامل معهما على قاعدة ربط النزاع، فيخرجهما من التداول السياسي، حتى لو كان السلاح مطلبا اساسيا واولوية بالنسبة الى شريحة كبيرة من اللبنانيين الممثلين بكتل نيابية ذات وزن فاعل، وحتى لو كان هذا السلاح وما يوفره من نفوذ للحزب يشكل لهذه الشريحة المصدر الاول والرئيسي للانهيار في البلد وتراكم الازمات.

يرفض الحزب التعامل مع هذه المسألة، مفضلاً طرح الحلول وفق اجندته: حوار اقتصادي من دون الاخذ بالعوامل المحيطة بهكذا حوار وبشروط نجاحه، انطلاقاً من مجموعة اسئلة تتطلب من اي طاولة حوار يشارك فيها الحزب ان يقدم فيها اجابات واضحة وحاسمة.

اول هذه الاسئلة يتصل بالمقاربة الاقتصادية او النموذج الاقتصادي الذي يؤمن به الحزب للتعامل مع الأزمة القائمة بمختلف ابعادها الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية، علماً ان الحزب من خلال مشاركته في الحكم من ضمن ثنائيته مع حركة "امل" لم يقدم نموذجاً صالحاً للبناء عليه على مستوى السياسات المالية والتنموية من خلال الوزارات التي شغلها وعلى رأسها وزارة المال التي أطلقت اخيراً رصاصة رحمة على عمل مؤسسات الدولة ودورها بإعلانها التوقف عن العمل إلا يوما واحدا في الاسبوع. هذا بقطع النظر عن الحديث عن ضبابية التوجهات المالية وافتقادها اي رؤية اقتصادية بناءة في التعامل مع المالية العامة والتحديات المطروحة على مستوى المسار الاصلاحي المطلوب.

ثاني الاسئلة يكمن في المعادلة المطلوب فهمها بين دعوة الى حوار اقتصادي مقرونة في الخطاب عينه مع الاعلان الدائم والثابت للمواجهة مع إسرائيل، على نحو يدعو الى منطق اقتصاد الحرب والمواجهة وليس اقتصاد سلام ونمو، او على الاقل اقتصاد ادارة ازمة وتفليسة كما هي الحال التي بلغها الاقتصاد اللبناني اليوم.

وما بين التوجه شرقاً، معززاً بدخول الصين من الباب العريض الى المنطقة عبر رعايتها للمصالحة السعودية – الايرانية، والتوجه غرباً نحو برنامج مع صندوق النقد الدولي يشكل شرطاً اساسياً لاستنهاض الدعم الغربي والعربي، سيكون على اي طاولة حوار اقتصادي يدعو اليها نصرالله حسم الخيار او على الاقل الوصول الى مقاربة توفّق بين الخيارين انطلاقاً من المصلحة الاقتصادية للبلد، وليس من الحسابات المتصلة بالاصطفافات السياسية وراء أيّ من المحورين المشار اليهما.

في الاسئلة المطروحة ايضاً انطلاقاً من هذه الاشكالية واستطراداً لها، النقطة الاكثر حساسية في ظل الاصطفافات القائمة والعاجزة عن تلقف ارتدادات التفاهم السعودي - الايراني، موقع لبنان ودوره في محيطه العربي، بعدما قضى الصراع الايراني مع المملكة عبر الحزب على كل خطوط التواصل. فهل يعيد التفاهم وصل ما انقطع ام ان مشكلة لبنان مع الخليج بلغت مستويات لن يصلحها إلا التعامل الجدي والمسؤول مع الشكاوى من تصدير الكبتاغون على سبيل المثال لا الحصر؟ علماً ان نصرالله كان واضحاً وحازماً باعلانه ان اسم لبنان لم يرد في الاتفاق بين الرياض وطهران، وهو بذلك يحرص من خلال اظهار درايته أو قراءته لبنود الاتفاق، على تصحيح الانطباع الذي ورد بعد الاعلان عنه بأنه لم يكن على علم به، عندما دعا اللبنانيين الى عدم الرهان على اتفاق كهذا!

هل يمكن اخيراً لمن يدعو الى طاولة حوار اقتصادي ان يضع على طاولته ملف التهريب والحدود والحوكمة على مستوى القطاع العام ومكافحة الفساد، او ان يوفر تعهدات بممارسة دور في هذا السياق، من منطلق نفوذه الواسع والاتهامات المُساقة ضده من القوى المعارضة حيال مسؤوليته في هذا الشأن؟

اما السؤال الاكبر ومع استكمال حلقات انهيار القطاع المصرفي وتدميره، هل يصح الذهاب الى الخيار الذي طرحه نصرالله وابدى استعداده التام للمساعدة على ارسائه وتكريسه وتسويقه حلاً بديلاً من خلال دعوته الى توسيع قاعدة جمعية مؤسسة القرض الحسن، لتشمل كل المناطق اللبنانية، رغم ادراكه التام لما أثاره افتتاح مقر لهذه الجمعية في احدى القرى الجبلية؟ وهل بات نموذج القرض الحسن هو النموذج الذي سيحتذي به لبنان ويفاخر به بعد اكثر من ثمانية عقود على عمل مصرفي بقي رائداً ومحورياً في المنطقة والعالم حتى انتهى به الامر الى الاختناق والموت بفعل ممارسات وسياسات ومصالح خاصة يجب ان تخضع للمساءلة والمحاكمة تمهيداً للمعالجة واستعادة الثقة، وليس لتدمير قطاع كامل يدفع ثمن اخطاء زمرة فاسدة ومستفيدة ويذهب ضحيتها؟

في اقل من ثلاثة اعوام، تاريخ بدء الانهيار المالي والمصرفي، تطورت جمعية مؤسسة القرض الحسن التابعة للحزب المنشأة في العام 1982 والحاصلة على ترخيص من وزارة الداخلية عام 1987 في شكل متسارع وبرزت بوضوح اكثر عام 2020 مع مبادرتها الى تركيب اجهزة صراف آلية واعلانها عن بيع وشراء الذهب مقابل الدولار، اضافة الى تخزينها الذهب الخاص بعملائها مقابل رسوم منخفضة. وقبل ان تتمدد فروع الجمعية الى نحو 70 فرعاً في مختلف المناطق اللبنانية، كان لافتاً اعلانٌ لها عبر لوحات اعلانية توزعت في مناطق نفوذ الحزب تحت شعار "باقون نتكافل" قبيل الانتخابات النيابية، عن تقديم قروض مجموعها 212 الف قرض بقيمة 553 مليون دولار خلال العام 2020-2021. والسؤال اليوم: هل يرمي الحزب عبر التسويق الحاصل لمنافع هذه المؤسسة العاملة بموجب علم وخبر عن وزارة الداخلية ولا تخضع لقانون النقد والتسليف، الى وراثة ما تبقى من قطاع مصرفي منهك ومفلس وفاقد للثقة بفعل تخاذل القيّمين عليه عن الدفاع عنه، وهل هذا ما يعد به على طاولة الحوار التي يدعو اليها من خلال الدفع نحو نموذج اقتصادي جديد مثلث الاضلاع، قوامه ادارة مدنية وعسكرية وامنية مستقلة في مناطق النفوذ من خارج سلطة الدولة، والتوجه شرقاً، والقرض الحسن!

على المقلب السياسي، اسئلة من نوع آخر يطرحها سياسيون على الضفة الاخرى للحزب، من مثل اي حوار يمكن الجلوس حوله ولا يترأسه رئيسٌ للجمهورية منتخب يقود من موقعه الحكم والمؤتمن فيه على البلاد ودستورها وقوانينها، النقاش بين القوى المتخاصمة، وأي حوار للبحث في ملفات اقتصادية بمعزل عن اثارة الهواجس السياسية،انطلاقاً من ان غياب التفاهم السياسي لا يؤدي الى نجاح اي مبادرة اقتصادية، في ظل تعذر فصل المسار الاقتصادي عن المسار السياسي، وأي حوار قابل للنجاح اذا لم يلامس جوهر الازمة في البلاد المتصل بالحدود السائبة؟

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار