أزمة "حزب الله" و"التيّار الوطني الحرّ": من الإشكالية التنظيمية حتى متطلبات الوفاق | أخبار اليوم

أزمة "حزب الله" و"التيّار الوطني الحرّ": من الإشكالية التنظيمية حتى متطلبات الوفاق

| الخميس 25 مايو 2023

هناك ضوابط كثيرة للتوافق ولكن أحياناً يتم الجنوح لتحقيق المكاسب الفورية لتثبيت النفوذ

"النهار"- داود رمال


في لبنان الأخطاء كثيرة وتؤدي الى أزمات، وأكبر الأخطاء عدم القدرة على التحليل الصحيح، وفقدان التعامل الإنساني، والكثير من الأمور يمكن تلافيها بالنيّة الحسنة والهدوء في التعاطي. اختلاف أو خلاف "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" هو على الأمور ذات الأولوية وكيف تحدد الأولويات، وبرز الخلاف واضحاً من حادثة قبرشمون البساتين نموذجاً، إذ إن رأي الحزب معروف بأن الأولوية ليست لتثبيت الحضور في الجبل، وصولاً الى موضوع امتحانات مجلس الخدمة المدنية والناجحين في الامتحانات وتحويلها الى قضية وفتح ملف الطائف بشأنها، فهذا يعتبره الحزب رجوعاً كبيراً الى الخلف.

صحيح أن بعض الأمور هي كباش داخلي، ولكن التحولات من حول لبنان تسير بسرعة، وما كان "التيار" و"الحزب" يخشون منه منذ عقد بدأ يظهر من نتائج الحرب في اليمن والمخطط الإسرائيلي في فلسطين والتطبيع مع البلاد العربية وإعادة إنتاج "العسكريتاريا" التي أعيد إنتاجها في بعض البلدان خصوصاً العربية، وانتهاءً بالتحول الكبير الذي تُوّج في قمّة جدة بحيث تحوّلت المملكة العربية السعودية الى قائد فعلي للوطن العربي تؤدي أدواراً حاسمة على المستويين الإقليمي والدولي.

الاهتمام الوحيد بالبلد يعود الى الخشية من الفوضى لأنها تخيف إسرائيل، ويدارى لبنان حتى لا يقع في الفوضى التي تنعكس سلباً على إسرائيل، وبحسابات الغرب والعرب فإن حصول الفوضى هو عدم القدرة على ضبط القوّة المنظمة الوحيدة أي "حزب الله".

في عهد الرئيس العماد ميشال عون، كان الطلب يتكرر من قبل التيار للحزب بأن يؤدي دوراً أقوى يتجاوز الوساطة الى الشراكة الفعلية في القرار، وكان جواب الحزب أنه منذ البداية حدد دوره على أنه عامل مساعد لحفظ الاستقرار ولمّ شمل البلد، وعندما يصل الحزب الى مكان يصبح فيه بديلاً من أي أحد ينسحب، إلا أن هذا الأمر تبدّل جذرياً مع انتهاء الولاية الرئاسية وتصرف بطريقة مغايرة لما كان يواجه به التيار عندما يطلب منه اتخاذ موقف، وبرز ذلك في الموقف من اجتماعات الحكومة الى ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

المأزق الراهن يتمثل بأن هناك افتقاداً لطرف يساعد القوى السياسية على الحوار، ومهما كانت التدخلات والمبادرات الخارجية لا يمكن توقّع شيء إن لم يكن له أساس في الداخل، من هنا يمكن مقاربة مشكلة العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" التي تتمثل في أمرين قد يراهما البعض شكليين ولكنهما أساسيان:

الأول: صحيح أن التواصل قائم بين الحزب والتيار، وربما يحصل الحديث مع رئيس التيار جبران باسيل أكثر من مرة ولكن ليس بالمباشر بل عبر المساعدين أي بشكل غير مباشر، وهذه علاقة فاشلة، وغالباً الحديث يكون في أمور يومية وعادية، بينما الحديث في أمور عميقة ربما يحصل مرة في كل شهرين أو ثلاثة أشهر، وبعد أزمة الرئاسة من غير المعلوم إن كان الحديث لا يزال قائماً.

الثاني: مشكلة التعاون بين الحزب والتيار، "حزب الله" مؤسسة قائمة بذاتها وطوّرت نفسها في كل التفاصيل الحزبية التنظيمية على مدى أربعين عاماً، أي سابقة للتيار في هذا المجال، بينما التيار لم يصل الى مرحلة المأسسة الشاملة، أي إن كل جهة مختصّة في الحزب تأخذ دورها كاملاً، بينما لا تزال مركزية رئيس التيار أساسية، وهذه مشكلة أساسية في العلاقة، لأن المطلوب هو أن تهتم القيادة في الحزب والتيار بالقضايا الاستراتيجية والعميقة بينما التفاصيل تبقى على مستوى المكاتب الحزبية المختصّة، وفي ملف الرئاسة خير مثال، بحيث ينحصر التعبير عن الموقف الرئاسي بالسيد نصرالله أو من يكلفه فيما يكثر الكلام على مستوى نواب وقيادات التيار، فيحمل تناقضات واضحة.

المشكلة المضافة في علاقة الحزب والتيار، عدم الانتباه الى أن قيام لبنان على التوافق يحتاج الى طريقة لإنضاج هذا التوافق، أي آلية التوافق، وهناك ضوابط كثيرة للتوافق ولكن أحياناً يتم الجنوح لتحقيق المكاسب الفورية لتثبيت النفوذ من دون الالتفات الى الآخر، لأنه على الدوام، النزعة الانفرادية بالتصرّف التي تلغي الآخر أو تهمّش وجوده تؤدّي الى اختلال في البنيان الوطني.

ففي مسألة الوفاق الوطني يوجد فهم مختلف بين الحزب والتيار، هناك محاولة لتركيب بلد لم يركب بعد منذ اتفاق الطائف، الدستور نصّ على المناصفة في وظائف الفئة الأولى وهذا يعني لا امتحانات بل تعيين، وعند إجراء امتحان لا يمكن التحكّم بالمناصفة لأنه على أساس الكفاءة والأهلية مع إلزامية قبول نتيجة الامتحان، لكونها تتطلب في بعض الحالات اختصاصاً وكفاءة. من دون تجاوز الطائفية والمذهبية تجري مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني، وهذا النص في الدستور هو استثناء لتدوير الزوايا في الحالات التي تجب فيها مراعاة التوازن الطائفي في بعض المؤسسات مثل القضاء والأجهزة العسكرية والأمنية والأجهزة الرقابية والسلك الديبلوماسي... أما في الوظائف العامة فلا تنطبق هذه القاعدة.

ما لم يستطع هضمه التيار هو حرص الحزب على أهمية الحفاظ على وحدة الموقف الشيعي، فإن كانت هذه الوحدة تفيد في المواجهة مع الإسرائيلي والتكفيري، فإن وحدة الموقف هذه، وترجمتها تحالف حركة أمل و"حزب الله"، لا يمكن إسقاطها بشكل إلزامي على المستوى الداخلي، لأنها تتحول الى إلغاء للرأي الآخر داخل الطائفة وخارجها.

ما الحل؟، هو بسيط وربما مستحيل في آن واحد، يتمثل بالعودة الى الإمام السيد موسى الصدر عندما قال "الوحدة الوطنية أمضى سلاح في مواجهة العدوّ"، مع التحوّلات على مستوى الإقليم صار الأجدى إعادة إنتاج هذه الوحدة بعيداً من التلويح بفائض القوة، ففي لبنان وصل الناس الى مطلب واحد وهو "نريد أن نعيش"، وليس صحيحاً أن شعبية أي حزب يمكن تحقيقها عبر شعارات التطرّف، من يطرح مشروعاً جدياً يريح الناس على مستوى عيشها هو الذي يكسب شعبياً ووطنياً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار