هل «طارت» المبادرة وتبدّلت المهمّة؟ | أخبار اليوم

هل «طارت» المبادرة وتبدّلت المهمّة؟

| السبت 29 يوليو 2023

هل «طارت» المبادرة وتبدّلت المهمّة؟
قراءة في آخر مساعي المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان

يوسف دياب - "الشرق الاوسط"

كلّ المسارات الهادفة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان محفوفة بالمخاطر، فالمبادرة الفرنسية التي حملها جان إيف لودريان إلى بيروت الشهر الماضي، وتقضي بانتخاب مرشّح «حزب الله» رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً، مقابل تسمية القاضي الدولي نوّاف سلام رئيساً للحكومة، ماتت وأُعلن دفنها خلال اللقاء الخماسي الذي عُقد في الدوحة، الاثنين الماضي. وهكذا تحوّل بعدها لودريان من موفد للرئيس إيمانويل ماكرون إلى مبعوث ل-«اللجنة الخماسيّة» التي وضعت مسلّمات الحلّ في لبنان، بدءاً بانتخاب رئيس للبلاد يرعى حواراً وطنياً ويقود ورشة إصلاح، ويكرّس بالممارسة تمسّك لبنان ب-«اتفاق الطائف» وبالقرارات الدولية. الأمر الذي صعّب، حسب مراقبين، مهمّة المسؤول الفرنسي، باعتبار أن الأفكار التي حملها تتعارض مع رؤية «حزب الله» الممسك بورقة تعطيل الانتخابات الرئاسية، أقله حتى الآن. كذلك بدا واضحاً أن النبرة التي تكلّم بها لودريان خلال لقائه القيادات اللبنانية في اليومين الماضيين، كانت مختلفة كلياً عن تلك التي تكلّم بها في زيارته السابقة. وأكدت المصادر المواكبة لمهمّته في بيروت أن الأخير «تحوّل إلى مبعوث للجنة الخماسية، وناقل للعناوين التي تبناها أعضاء اللجنة في اجتماع الدوحة الأخير». ورأت في «تبنّي الجانب الفرنسي مقررات اجتماع الدوحة وإسناد مهمة تسويقها إلى لودريان شخصياً، نعياً رسمياً للمبادرة الفرنسية والاستعاضة عنها بمقررات اللجنة الخماسيّة التي لم يظهر فيها تبنٍّ لأي مرشّح خصوصاً سليمان فرنجية، بل تحدثت عن المواصفات والمهمة والدور الذي سيضطلع به الرئيس العتيد، خصوصاً انفتاحه على عمق لبنان العربي ومحاربة الفساد». ومن جهة ثانية، شددت المصادر على أن «أهم إنجاز تحقق في لقاء الدوحة، هو تكريس اتفاق الطائف ورفضه النقاش في أي صفقة أو مقايضة ما بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، والتزام الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية، الوقوف إلى جانب لبنان، والسعي الدؤوب إلى إنقاذه».

 
 

الطروحات الجديدة التي حملها السياسي والدبلوماسي الفرنسي جان إيف لودريان، إلى المسؤولين اللبنانيين، لا تعني أنها مهّدت الطريق نحو الاتفاق على رئيس، بل إن الأجواء التي تلت لقاءه مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، عكست مدى استياء الحزب من التبدّل في الموقف الفرنسي، وقالت مصادر لبنانية مطلعة إن «الأجواء تفيد بأن الانتخابات الرئاسية طارت، أو أجّلت إلى أجلٍ غير مسمّى». وأضافت: «بعد اجتماع الدوحة بدأ (حزب الله) يقتنع بصعوبة انتخاب مرشّحه فرنجية، وأنه لا بد أن يقبل يوماً ما بالبحث عن مرشّح تسوية، لكنه يريد ثمناً كبيراً لذلك».

ولم تخفِ المصادر أن «تسريع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آخر الانتخابات الرئاسية، فلو بقي الترسيم إلى ما بعد انتهاء ولاية ميشال عون، لكان الزخم الخارجي أقوى وأكثر فاعلية، لأن الترسيم حصل بتفاهم ضمني أميركي - إسرائيلي - إيراني».

برّي متفائل

في المقابل، الأجواء القاتمة هذه خالفها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أعلن بعد لقاء ثانٍ جمعه مع لودريان، الخميس، أنّ «كوّةً قد فُتحت في جدار الملف الرئاسي، وأنّه سمع معطيات إيجابية حملته على التفاؤل». بيد أن برّي عاد فبدّد هذا التفاؤل بتأكيده أنّه «لا مفرّ من الحوار وتلاقي الكتل النيابية من أجل إنجاز مهمة انتخاب الرئيس»، وهذا ما ترفضه قوى وأحزاب في المعارضة تطالب بفتح البرلمان اللبناني، وعقد جلسات متتالية إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية.

الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، المقرّب من «حزب الله»، لفت إلى أن الطرح الذي نقله المبعوث الفرنسي إلى الرئيس نبيه برّي و«حزب الله» يتعلّق بالحوار بلا شروط. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مقاربة الثنائي الشيعي تتعدّى انتخاب الرئيس، وتنظر إلى كيفية إدارة البلاد بعد هذا الانتخاب». وأردف قصير: «من الطبيعي أن يتمسّك الثنائي بخيار سليمان فرنجية، لكنه قد يبحث في مرحلة مقبلة عن خيار آخر حتى لو لم يعلن ذلك صراحةً الآن... وهذا الأمر رهن حواره مع المعارضة». قبل أن يشدد على «أهمية قبول كلّ الأطراف بالذهاب إلى حوار مفتوح على كلّ الخيارات، وتحديد أوصاف الرئيس، ومن ثم الاتفاق على اسمه وانتخابه».

مزاج الممانعة

ولكن بقدر استيائها من تأخير الملفّ الرئاسي، تعبّر أطراف في المعارضة عن ارتياحها لتطيير المبادرة الفرنسية، التي ترى فيها تسويقاً لأفكار «حزب الله» وتبنياً لمرشحه سليمان فرنجية على حساب الأكثرية المسيحية الرافضة لهذا التوجّه. ولقد أوضح عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب فادي كرم، أن «مهمة لودريان الأخيرة في لبنان، تفيد بإنهاء المبادرة الفرنسية التي كانت تسوّق لانتخاب سليمان فرنجية مقابل تسمية نوّاف سلام لرئاسة الحكومة».

ورأى كرم أن اللافت فيها هو أن المسؤول الفرنسي «لم يطرح الدعوة إلى الحوار مجدداً، بل تحدث عن لقاءات ونقاشات للاتفاق على مواصفات الرئيس العتيد، ومن ثم الذهاب إلى جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما طرحته «القوات اللبنانية» والمعارضة منذ الجلسة الأولى للانتخابات الرئاسية». ورداً على الأجواء التي تتحدث عن تحديد شهر سبتمبر (أيلول) موعداً لانتخاب الرئيس، أوضح كرم أن الأمر «غيّر مزاج فريق الممانعة والثنائي الشيعي، الذي يتحمّل مسؤولية تعطيل الاستحقاق وإطالة أمد الشغور في رئاسة الجمهورية».

تراجع فرنسي

في أي حال، صحيح أن أحزاب المعارضة غير متفقة على كلّ الملفات السياسية، إلّا أنها بقيت متماسكة حيال الاستحقاق الرئاسي، وأفشلت محاولات خرق صفوفها. وكشف عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، أن رئيس اللقاء النائب تيمور وليد جنبلاط «أبلغ المبعوث الفرنسي موقفاً حاسماً، بضرورة حصر الحوار في الاتفاق على رئيس جامع، يلتزم اتفاق الطائف والإصلاحات الاقتصادية». وتابع أبو الحسن لـ«الشرق الأوسط» أن «مهمّة لودريان الأخيرة في بيروت، عبّرت بوضوح عن تراجع فرنسا عن مبادرتها التي حاولت فرض سليمان فرنجية، والتحاقها بمبادرة اللجنة الخماسيّة التي أعطت الأطراف اللبنانية مهلة حتى سبتمبر المقبل لانتخاب رئيس». وشدد على أن «المرحلة تقتضي التوافق، لأن مشروع التحدي والغلبة لا ينهض بلبنان، لذلك نريد رئيساً ينهض بلبنان، ويتعاون مع الحكومة والمجلس النيابي وصندوق النقد الدولي، ويتبنّى خطة إنقاذ تضمن حقوق المودعين وتعيد البلد إلى موقعه الطبيعي».

معايير مختلفة

الواقع أن المواقف الداخلية والإقليمية والدولية تقاطعت على حتمية طي صفحة الحوار الداخلي اللبناني على رئيس الجمهورية، وأجمعت على إعطاء الأولوية لحوار يديره رئيس الجمهورية وليس أي شخصية أخرى بالنظر إلى رؤية الرئيس العتيد لإدارة البلاد. وأفاد النائب المعارض بلال الحشيمي، لـ«الشرق الأوسط» بأن المبعوث الفرنسي «أبلغ القيادات اللبنانية بشكل واضح بأن اللقاء الخماسي وضع انتخاب الرئيس أولوية، ورحّل كل الأمور الأخرى إلى ما بعد الاستحقاق». واستبعد الحشيمي أن تترجم مهمة لودريان بنتائج إيجابية لأن «اللقاء الخماسي وضع مسلّمات لإنقاذ لبنان تبدأ بالإصلاحات وتنفيذ ما لم ينفّذ من اتفاق الطائف والالتزام بالقرارات الدولية وتطبيقها، وعدم البحث بأي فكرة تتعلّق بالمؤتمر التأسيسي، وهذا ما يتعارض مع رؤية (حزب الله) الذي يطرح عنواناً وحيداً هو حماية المقاومة، والمجيء برئيس حليف للمقاومة متجاهلاً مشكلات الدولة ومعاناة الشعب اللبناني».

لا تنازلات

أيضاً قلل الحشيمي من شأن «الأجواء الإيجابية» التي يجري ضخّها، والكلام عن موعد حاسم في سبتمبر لانتخاب رئيس، وشدد على أن «الأجواء التي رافقت زيارة المسؤول الفرنسي والتي أعقبتها، تفيد بأن الحلّ يحتاج إلى معجزة... وما دام الطرف الآخر متشبثاً بمرشحه سليمان فرنجية، وأن المعارضة لن تقدم تنازلات، فهذا يعني أن الشغور مستمر وبلا أفق».

لكن الحشيمي، مع ذلك، لا يُسقط من حسابه «حصول مفاجأة إذا ما نجح (حزب الله) في تغيير موقف (رئيس التيار الوطني الحر النائب) جبران باسيل»، فقال: «ليس صدفة أن يتناغم الحزب مع باسيل في مقاطعة جلسة الحكومة المحددة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان». وذكّر بأن الحزب «شارك في كلّ الجلسات السابقة للحكومة التي اتّخذت فيها قرارات مهمة، وماذا تغيّر الآن ليقاطع الجلسة، ويرفض تعيين حاكم جديد لتلافي المخاطر المالية والاقتصادية التي قد تترتّب على الفراغ في حاكمية البنك المركزي؟ نحن الآن إزاء استدراج العروض ومرحلة المقايضة ما بين الحزب وباسيل».

«خريطة طريق»

في لقاء مع «الشرق الأوسط»، يجد السياسي اللبناني خلدون الشريف، أن المستجدات التي طرأت على الحراك الإقليمي والدولي ليست وليدة صدفة، بل أعادها إلى اللقاء الخماسي الأول في باريس خلال شهر شباط فبراير (شباط) الماضي. وأضاف: «لقد وُضعت أوصاف وخريطة طريق ليس لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان فحسب، بل أيضاً لإنقاذ لبنان من الفراغ والفساد وأحادية القرار. وبعد اللقاء فتح باب الاجتهادات على مصراعيه وانطلق الفرنسيون بمبادرة خرجت عن الإجماع الخماسي لكنها انطلقت من قراءة فرنسية لموازين القوى من جهة، ومن غياب تفاهم سعودي - إيراني كان قيد الإنجاز دون معرفة الفرنسيين به من جهة ثانية». ويعتقد الشريف أن «التفاهم السعودي - الإيراني غيّر قواعد الاشتباك السياسي في المنطقة وأيضاً طبيعة الاصطفافات في الإقليم، وجاء ليبرّد الصراع السني - الشيعي، تليه مصالحات كان مقدّراً لها أن تبلغ لبنان». ويرى أن «الانقلاب» جاء من الموقع المسيحي الذي رأى أن تفاهماً سنياً - شيعياً قد يطيح بالدور المسيحي حتى لا نقول بالوجود والحضور السياسي برمته. وحسب الشريف «الجميع أخطأوا التقدير، فالفرنسيون ظنوا أنهم قادرون على توليف رئيس موالٍ لفريق ورئيس حكومة من فريق آخر، و(حزب الله) ظنّ أن التيار الوطني الحر لن يخرج عن تفاهم مار مخايل، والرئيس برّي اعتقد أن وليد جنبلاط لن يخرج على التفاهم معه، فسقطت الظنون الثلاث وعادت الأمور إلى المربع الأول». وأضاف أن «لودريان حضر في زيارته الثانية كممثل للخماسية على أن تتولى فرنسا تسهيل وتيسير المشاورات، من هنا النقاش الآن سيتخذ أبعاداً أخرى».

دستور «الطائف»

أخيراً، وفق خلدون الشريف «يقف لبنان أمام مشهد جديد، أقل تشدداً وأكثر مرونة، لكن شهر أغسطس (آب) يجب أن يشهد لقاءات إقليمية ودولية تؤسس لتنفيذ الاستحقاق في سبتمبر أو بعده والبدء بتطبيق الإصلاحات وإطلاق مشروع بناء الدولة». وتابع: «الكل في لبنان وخارجه يدركون أن لا قيامة للبنان دون عودة العرب إليه ودون عودته إلى العرب. ومن هنا جاء التمسك الأميركي - الفرنسي منذ البدايات بضرورة إشراك المملكة العربية السعودية أولاً، وكذلك مصر وقطر، على أن تلعب السعودية دوراً رئيساً ليس في الاستثمار فحسب، ولكن بالحفاظ على الطائف والدستور».


 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار