الكرسي الرسولي ولبنان: خيرٌ عميم وجُحد مقيم (1/2) | أخبار اليوم

الكرسي الرسولي ولبنان: خيرٌ عميم وجُحد مقيم (1/2)

داود رمّال | الجمعة 11 أغسطس 2023

الكرسي الرسولي ولبنان: خيرٌ عميم وجُحد مقيم (1/2)

اولويات الكرسي الرسولي تبدّلت: مسيحيو الشرق كضمانة لما تبقى من مسيحيي لبنان لا العكس

علامة فارقة تمثّلت في اللقاء مع شخصية زمنية غير روحية والتي أذهلت كبير المسؤولين الفاتيكانيين

داود رمال – "اخبار اليوم"

هي ليست جدلية علاقة بين حاضرة الفاتيكان ولبنان، انما جهد غير مسبوق واهتمام قل نظيره خصّه الكرسي الرسولي للبنان وتُرجم من خلال سينوديسين بقيا حبرا على ورق، نتيجة اهمال المستويات المسؤولية عملية الاستثمار عليهما، تحقيقا لقول الحبر الاعظم البابا القديس يوحنا بولس الثاني "لبنان أكبر من وطن انه رسالة".

هناك واقع في الكرسي الرسولي لجهة التعاطي مع لبنان يظهر في اتجاهين:

الاول: يلفت البعد عن الملف اللبناني وتفضيل عدم التعاطي بهذا الملف، لعدة اسباب ابرزها، ان الكرسي الرسولي يعتبر بأن آخر ثلاث بابوات جلسوا على كرسي بطرس، يوحنا بولس الثاني، وبنديكتوس السادس عشر وفرنسيس، أعطوا للبنان ما لم يعطَ لأي دولة أخرى بما فيها الدول التي يتحدرون منها، أي ان اهتمام يوحنا بولس الثاني بلبنان كان يفوق اهتمامه ببولونيا، علما ان وضعها كان في ظل النظام الشيوعي صعب جدا، وكان له دور كبير باسقاط هذا النظام بطريقة سلمية ومن دون اراقة دماء، الامر الذي انسحب على جميع دول اوروبا الشرقية وصولا الى الاتحاد السوفياتي، واراقة الدماء التي حصلت في رومانيا كانت لاسباب خاصة بهذا البلد.

والبابا بنديكتوس السادس عشر لم يعر اهتماما لألمانيا وللكاثوليك في هذا البلد بقدر ما أعطى الاولوية للبنان، استكمالا لنظرة يوحنا بولس الثاني بأن مسيحيي لبنان هم ضمانة لكل مسيحيي الشرق.

اما البابا فرنسيس الاتي من خلفية مختلفة عن البابويين السابقين، لم يعاصر الازمة اللبنانية وتشعباتها وتأثيراتها وارتباطاتها، لاحظ ان الكنيسة في لبنان والسياسيين اللبنانيين وتحديدا المسيحيين، غير مبالين بلبنان، وقسم منهم متورط بقضايا فساد نبههم اليها عدة مرات ولم يرتدعوا، وقسم آخر كل همه المناصب والمواقع على حساب الشعب وحقوق المسيحيين تحديدا واللبنانيين عموما. وبدأ تنبيهاته لاول مرة بتاريخ الكنيسة المعاصر في لقاءات مع رجال الدين والسياسيين المسيحيين اللبنانيين، ولاحظ انه بالمباشر وغير المباشر لم يرتدعوا.

هذا الامر جعل الكرسي الرسولي يُبدّل من سياسته بالنسبة للاولويات، التي صارت لمسيحيي الشرق كضمانة لما تبقى من مسيحيي لبنان، وكل من يتحدث غير ذلك فهو لا يعرف شيئا عن الكرسي الرسولي.

الثاني: لقد ساهمت الاشكاليات الكبرى، والتي هي بالاساس اختلاق مشاكل، بالفاتيكان ليتساءل عن: لماذا افتعال المشاكل مع الكرسي الرسولي تحديدا من قبل مسؤولين سياسيين مسيحيين، ومن ثم التذرع بأن الكنيسة ابتعدت عنا ولم نعد اولوية؟.

الثالث: ان صلة التواصل مع الكرسي الرسولي، ليس هو من قطعها مع لبنان، انما فوجئ الفاتيكان ان كل من يزوره من زمنيين او كنسيين كل همهم اغتنام فرصة الصورة مع قداسة البابا او مع المسؤولين الفاتيكانيين، لاستخدامها في رسائل للداخل والخارج بأن لهم اتصالات على أعلى المستويات بالكرسي الرسولي وبأنه مسخّر لخدمتهم والاصغاء الى مطالبهم، وجميعهم من دون استثناء همهم الوحيد الحفاظ على مناصب وبلوغ مناصب، وهذه من أبشع الطرق للحديث مع البابا ومع المسؤولين في الفاتيكان، وتحديدا البابا فرنسيس.

العلامة الفارقة التي طُبعت في ضمير ووجدان واهتمام الكرسي الرسولي، هو اللقاء مع شخصية زمنية غير روحية، هذه الشخصية أذهلت كبير المسؤولين الذي يأتي بعد البابا في الموقعية والمسؤولية في امرين:

1-العمق الذي تحدث به وسعة الادراك التي يمتلكها.

2- ابلاغهم بأن همّ هذه الشخصية هي الحفاظ على لبنان بمكوناته جميعها، وليس الوصول الى منصب او بلوغه او الاستمرار فيه.

وفي العادة، لا يلتقي الكرسي الرسولي مع مرشحين لمناصب معينة، ومن المعلوم بأن البابا فرنسيس الارجنتيني الاصل لم يقم بزيارة الى بلده لكي لا يفسر هذا الامر بأنه دعم لفئة سياسية على حساب فئة أخرى.

اما في الاطار الخاص، وتحديدا الانتخابات الرئاسية، ما يهم الكرسي الرسولي هو من يحافظ على لبنان بما يمثل من قيمة، وليس من يريد الوصول لتحقيق مكاسب او مناصب واغداقها على مستزلمين وأقارب. وهذا الامر جرى تناوله لأكثر من مرة، ونظرة الكرسي الرسولي مكرّسة تجاه لبنان، وكيفية تعاطي السياسيين اللبنانيين في الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، والذي وقعه البابا يوحنا بولس الثاني في لبنان سنة 1997 وجرى اهماله كنسيا وسياسيا، وفوجئوا ان من قرأ الارشاد وتحدث به مع احد كبار المسؤولين في الكرسي الرسولي هو وليد جنبلاط،  وايضا في الارشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الاوسط"، الذي وقعه البابا بنديكتوس والذي لم يأت احد على ذكره وكيفية متابعة تنفيذه مع الفاتيكان.

وبالنسة للاستحقاق الرئاسي، فان كل من تحدث اليهم الكرسي الرسولي او تحدثوا معه من دول مؤثرة بالقرار اللبناني كان جوابهم "الحل يكمن في لبنان، وهناك شخصية لبنانية تحدث معها الكرسي الرسولي وهي مدركة: لاهمية لبنان، ولاهمية وجود واستمرارية لبنان، ولكيفية تأمين هذه الاستمرارية"، اكثر من ذلك، الكرسي الرسولي لا يتدخل ولن يتدخل بالموضوع الرئاسي، وكل من يستغل موقع حالي او سابق للقاء مسؤول فاتيكاني للايحاء برسائل رئاسية ونقل كلام في هذا الاتجاه غير صحيح على الاطلاق، لان اللقاءات هي ليست أكثر من بروتوكولية وللقول ان الفاتيكان لم يقطع كل الخيوط مع لبنان.

هذه الحقائق تبيّن عدة امور ابرزها؛ هناك مشكلة مع الكرسي الرسولي لم تحل الى اليوم. اهتمام البابا فرنسيس تجلى أكثر من مرة بالمسيحيين في الشرق على حساب المسيحيين في لبنان. ايا يكن الرئيس المقبل، فان الكرسي الرسولي يعيش قرب نهاية حبرية البابا فرنسيس بسبب تقدمه في العمر ووضعه الصحي، ومهما امتدت حبريته فانه لن يكون بذات الزخم الذي بدأ به حبريته.

 

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار