الكرسي الرسولي ولبنان: خيرٌ عميم وجُحد مقيم(2/2) | أخبار اليوم

الكرسي الرسولي ولبنان: خيرٌ عميم وجُحد مقيم(2/2)

داود رمّال | الإثنين 14 أغسطس 2023

مسؤولية رئيس الجمهورية المقبل اعادة تثبيت وتكريس العلاقات التاريخية بين لبنان والفاتيكان

لبنان تحول ليكون أزمة قائمة بذاتها وفي قعر الاهتمامات

داود رمال- "أخبار اليوم"

قُرب نهاية حبرية البابا فرنسيس جعله يحصر اهتماماته قدر المستطاع من خلال القيام بسلسلة من التعيينات في أجهزة الكرسي الرسولي، ويحاول انجاز البرنامج الذي وضعه لا سيما اتمام السينودوسات، بعدما انجز ترؤس يوم الشبيبة من 2 الى 7 آب، والقيام بعدد من الزيارات التي يراها مهمة جدا، ومنها الزيارة الى مرسيليا وليس الى فرنسا لترؤس مؤتمر يعقد هناك اذا سمحت الظروف الامنية بذلك، والزيارة الى منغوليا وهو يريدها من صميم قلبه، كونه يكون قد اقترب أكثر فأكثر من الصين، ولانها تكرّس الحوار القائم بين الصين والكرسي الرسولي وتفتح بابا جديدا لهذه العلاقات بينهما، والتي كان قد بدأها البابا يوحنا بولس الثاني في حبريته ولم تصل الى خواتيمها آنذاك، اما راهنا تصل الى خواتيمها بما يوطّد السلام في منطقة الصين ويسحب فتائل اندلاع حروب.

لقد ساهمت الدبلوماسية الفاتيكانية بشكل كبير في تهدئة الاوضاع في الشرق الاوسط، وتحديدا منطقة الخليج، وهذا الامر استفاد منه لبنان كثيرا، الا ان المشكلة هي عدم وجود ارادة لبنانية جامعة تستثمر على الفرص المتاحة، وفي برنامجه الزيارة التي كان ينوي القيام بها الى كل من ايران والسعودية لطي صفحة الماضي، بعدما سبق للدولتين ان طلبتا وساطة البابا بينهما في العديد من الامور الكبيرة ونجح في ذلك، وهو يعمل على وضع حد للحرب بين روسيا واوكرانيا وأرسل رئيس أساقفة ايطاليا المقرب جدا اليه الكاردينال ماتيو زوبّي الى كل من كييف وموسكو، وهذه الدبلوماسية الصامتة حققت نجاحات منجزة، لان البابا هو الوحيد الذي رأى ان ما يحصل بين روسيا واوكرانيا هو حرب عالمية ثالثة مجزأة، وللولايات المتحدة الاميركية اليد الطولى فيها، وستكون أوروبا هي الضحية، ولذلك؛ يسعى الى ارساء استقرار في القارة الاوروبية خدمة للسلام العالمي.

يتكل البابا فرنسيس في المهمات الاساسية والاستثنائية على امين سر حاضرة الفاتيكان  الكاردينال بيترو بارولين، الذي يُعتبر من كبار الدبلوماسيين في الكرسي الرسولي، وموقعه يتيح له ان يكون مرشحا قويا، اذا عمره مكّنه، لخلافة الحبر الاعظم البابا فرنسيس، كما هناك عدد من الكرادلة الاخرين يُعدهم البابا فرنسيس ليكون احدهم خليفة له، لذلك؛ أيا كان رئيس الجمهورية المقبل، وعلى الرغم من الاهتمامات الداخلية الضاغطة، يجب ان يعطي أولوية لاعادة تثبيت وتكريس العلاقات التاريخية بين لبنان والكرسي الرسولي على أسس الاخوة والصداقة والتعاون لما فيه خدمة كافة الطوائف في لبنان، وليس فقط المسيحيين.

اذا لم يُعتمد هذا النهج، يُخشى مع البابا المقبل، ان يُكمل نظرة البابا فرنسيس، ويصبح لبنان في قعر الاهتمامات الفاتيكانية، ويبقى في هذا القعر لمدة طويلة، وهذا ليس لمصلحة لبنان ولا اللبنانيين ولا الكنيسة في لبنان ولا السياسيين المسيحيين ولا لمصلحة الطوائف الاخرى، خصوصا عندما نجد ان كنيسة الروم الكاثوليك في العامين 2024 و2025 ستحتفل بعدة مئويات لتوطيد العلاقة مع الكرسي الرسولي، والكنيسة الارثوذكسية سواء الكنيسة الروسية او اليونانية او انطاكية علاقتها متينة جدا مع الكرسي الرسولي، والمسلمين السنة علاقاتهم ممتازة مع الفاتيكان خصوصا مع نظرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للحوار بين الاديان، والمحاولة التي سيقوم بها لاجتذاب هذا الامر للمملكة العربية السعودية بحيث لا يبقى حكرا على دول أخرى، مع تقارب الفاتيكان مع الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث زار وفد ايراني كبير الفاتيكان، وهناك تعاون ولجان تجتمع، بالتوازي مع زيارة البابا فرنسيس التاريخية الى العراق ولقائه مع المرجع الشيعي الكبير السيد علي السيستاني، حيث كان الاتفاق على اولوية توقيع وثيقة بين الكرسي الرسولي ومرجعيتي النجف وقم.

اين لبنان من كل هذه التطورات؟ للاسف بدل ان يكون هو المحرك لكل ما يحصل من تقارب وانفتاح، تحول ليكون أزمة قائمة بذاتها وفي قعر الاهتمامات، وسط خشية حقيقية ان يبقى على هذا الوضع الى زمن طويل، اذا لم يتم استدراك هذا الامر الذي لا يقدر على استرداده الا شخصية لبنانية يثق بها الكرسي الرسولي في موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، وبتكليف من هذه الشخصية يتم فتح باب جديد لطي صفحة الماضي نهائيا، بحيث يستعيد لبنان دوره الرسالي كما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وعندما قال ان "لبنان أكثر من وطن هو رسالة"، يومها لم يقل هذا الكلام لوجود مسيحيين ومسلمين في لبنان، ولكن للتأكيد على ان ما يبنى في لبنان بين المسيحيين والمسلمين هو فريد في العالم.

كل من يزور حاضرة الفاتيكان وينقل كلاما معينا، فهذا الكلام يُعبّر عن تمنياته وليس عن حقيقة الموقف الفاتيكاني، لان الكرسي الرسولي أكبر بكثير من لعبة المناصب والمواقف والزواريب اللبنانية، وأكبر من الطموحات عند هذا او ذاك، وهناك ألم فاتيكاني كبير لكيفية تعاطي المعنيين في لبنان كلّ من موقعه للملفات الحياتية والتعليمية والطبية والمعيشية وغيرها.

العدائية الرسمية التي طبعت علاقة  لبنان مع الفاتيكان، خصوصًا الخفة التي اعتمدت بكيفية اختيار من يمثّل لبنان لدى الكرسي الرسولي، اذ لاول مرة يُرفض قبول ترشيح سفير لبناني لدى الفاتيكان، تحتاج الى عقل يفهم عمق تفكير المسؤولين الفاتيكانيين وكيفية عمل الدوائر الفاتيكانية للافادة القصوى منها في صالح لبنان.

هل قرأ المعنيون في لبنان حديث البابا فرنسيس الى صحيفة الاتحاد الاماراتية، والتركيز على الدور المحوري لدولة الامارات العربية المتحدة؟ لقد ضيّعوا دور لبنان الاساسي وطن الحوار والتلاقي، والخشية كل الخشية ان يضيّعوا الوطن.

 للإطلاع على الجزء الأول، إضغط هنا 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة