المنطقة الحدودية بين الحرب واللاحرب مع تعاظم حركة النزوح | أخبار اليوم

المنطقة الحدودية بين الحرب واللاحرب مع تعاظم حركة النزوح

داود رمّال | الجمعة 08 ديسمبر 2023

 

المنطقة الحدودية بين الحرب واللاحرب مع تعاظم حركة النزوح

المساعدات الاغاثية الخارجية لا تتحرك من دون اعلان حال الطوارئ

داود رمال – "اخبار اليوم"

لم يكد يمر خمس سنوات على نيل لبنان استقلاله، حتى أقيم على طول حدوده الجنوبية كيان غاصب لارض فلسطين، ومن يومها والتحدي الايرز هو التصدي ومواجهة عدوان واطماع العدو الاسرائيلي، الذي افتتح مسيرة انتهاكه للسيادة اللبنانية بالمجازر التي ارتكبها بحق ابناء الجنوب وعلى الدوام كان الاهالي يستفيقون على مجزرة جديدة.

جاءت عملية السابع من تشرين الاول التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غلاف غزة، لترفع من منسوب المخاطر، في ظل تهديدات اسرائيلية متتالية للبنان بالتدمير وباعادته الى العصر الحجري، وهذه التهديدات سبقت الحرب الاجرامية على غزة ورافقتها، وعبّر العدو عن نواياها تجاه لبنان من خلال سلسلة المناورات الضخمة التي نفذها والتي بجميعها حاكت حربا على الجبهة الشمالية.

نتيجة الحرب على غزة، توتر الوضع على طول الحدود الجنوبية، فارِضا تطورات على المستويين  الميداني والاجتماعي، ولم يتورع العدو عن افتتاح عدوانه بارتكاب المجازر فكانت مجزرة عيناثا الذي ادت الى استشهاد ثلاثة اطفال وجدتهم واصابة والدتهم. وعلى الرغم من ارادة الصمود فان خطر الاعتداءات الإسرائيلية الواقع على المدن والبلدات والقرى والمزارع  الجنوبية الحدودية دفع بقسم كبير من الاهالي الى النزوح باتجاه مناطق جنوبية بعيدة نسبيا عن الحدود لا سيما الى منطقتي صور والنبطية، كما ان المشتغلين بالزراعة وبالصناعات المتنوعة  اضطروا الى التوقف عن ممارسة اعمالهم. وكلما طال العدوان فان تداعيات الازمة يزداد اجتماعيا ومعيشيا واقتصاديا.

على المستوى الاقتصادي:

يعتبر فصل الخريف بأشهره الثلاثة، فصل قطاف الزيتون والعنب وزراعة الخضار والحبوب على انواعها، فقد تضررت مواسم القطاف والزراعة لا سيما في السهول والاراضي الزراعية الممتدة من الناقورة الى قضاء بنت جبيل وصولا الى قضائي مرجعيون وحاصبيا، وتوقف الانتاج الحيواني مع اضطرار اصحاب مزارع الابقار والاغنام والماعز والدواجن لنقلها الى مناطق اكثر امانا.  كما ان مصانع السجاد والمفروشات التي تنشط في هذه المنطقة توقفت بالكامل، وكذلك الصيدليات. ولم يتبق الا بعض محال السمانة الصغيرة التي بالكاد تفي حاجات اساسية لمن تبقى من مواطنين، الامر الذي راكم من الأزمة المعيشية والحياتية. اما البلدات التي تعتبر مركزا للقضاء مثل بنت جبيل ومرجعيون توقفت فيهما الدوائر الرسمية والحق الموظفون والعناصر الامنية التابعة لهذه الادارات بمراكز اخرى مثل صور والنبطية، كما ان المؤسسات التجارية التي كانت ترسل البضاعة الى المناطق الساخنة توقفت عن المخاطرة بارسال الطلبيات المتصلة بمواد غذائية وحياتية متنوعة، حتى الافران تعاني من ازمة طحين لخطورة ارسال هذه المادة خشية تعرضها للاعتداء.

ولم يقتصر الامر على ضياع موسم الزيتون، انما تعمّد العدو حرق البساتين على انواعها، ووصلت مطالبات الى قوات اليونيفيل لمواكبة الاهالي في جني مواسمهم، لكنهم رفضوا معتبرين أنهم لا يرافقون الأهالي بل مهمتهم مساندة الجيش فقط.

على مستوى النزوح:

ادى التوتر المتصاعد على الجبهة الجنوبية في ضوء الإعتداءات المتزايدة للعدو الإسرائيلي، الى نزوح المزيد من المواطنين باتجاه المناطق الاكثر امانا، فأبناء القرى ولاالبلدات  المسماة "القطاع الشرقي" قاربت نسبة النزوح الـ75 بالمئة كمعدل وسطي واغلبهم نزحوا باتجاه مدينة صيدا والجوار وحاصبيا والبقاع والجبل، والارقام الدقيقة لاعداد النازحين تتغير كل يوم، وحركة النزوح بدأت منذ منتصف شهر تشرين الثاني الماضي، بينما تقوم البلديات في البلدات التي شهدت نزوحا، ومن ضمن إمكاناتها الضئيلة بتسهيل الأمور المعيشية للأهالي الذين أصروا على الصمود في ارضهم، وكل العاملين في هذه البلديات يواظبون على العمل المعنيين تحت القصف المعادي وفي ظل المخاطر الكبيرة، محاولين توفير الكهرباء والمياه والحاجيات المعيشية والطبية الاساسية للمواطنين في منازلهم.

اما ابناء البلدات والقرى المسماة ب"القطاع الاوسط"، فان حركة النزوح قاربت ايضا السبعين بالمئة، واغلب النازحين توجهوا الى مدينة النبطية وبلدات القضاء، بحيث تقوم البلديات بجهد استثنائي لايواء النازحين ان في المدارس او في المنازل والشقق السكنية الشاغرة، كما ان العديد من النازحين يقيمون عند اقاربهم، بينما جزء منهم توجه الى بيروت والضواحي.

والامر ينطبق على البلدات والقرى الواقعة في ما يسمى ب"القطاع الغربي"، وسجل ايضا حركة نزوح منها فاقت السبعين في المئة واغلبهم توجهوا الى مدينة صور وقرى القضاء، وتم ايواءهم في المدارس والمنازل والشقق السكنية، مع تأمين المستلزمات الاساسية، بينما نزح آخرون باتجاه بيروت.

ما يواجهه النازحون والبلديات هو عدم وجود خطة مسبقة، كان يجب ان توضع فور انتهاء عدوان تموز 2006، تلحظ مراكز إيواء في المدن والبلدات والقرى الخاضعة للقرار الدولي 1701 مجهزة بكل المستلزمات وتكون بحماية الجيش واليونيفيل يلجأ اليها الأهالي عند اي عدوان ويتمّ تحييدهم عن مناطق الصراع بدلاً من أن ينزحوا عن مناطقهم، خصوصا ان ما يواجه المعنيون انهم يستطيعون تقديم المساعدة في مراكز تجمع النازحين في المدارس، انما لا يتمكنون من تقديم العون والمساعدة لمن هم موزعين في المنازل والشقق السكنية.

والمعضلة المضافة راهنا، ان ما كان غير قائما في العام 2006 اصبح امرا واقعا اليوم وهو ان النزوح لا يقتصر فقط على المواطنين في البلدات الحدودية حيث أن عائلات السورية قد نزحت أيضاً وبقي عدد قليل منها. واذا كانت الدولة مأزومة في معالجة النزوح السوري في الظروف الطبيعية غير الحربية، فانها غير قادرة بطبيعة الحال التصدي لمتطلبات مزدوجة تطال اللبنانيين والسوريين. لذلك فإن المسؤولية تقع على الجميع، من مؤسسات رسمية وجمعيات اهلية وقوى حزبية.

ونزح السكان من نحو اربعين بلدة وقرية ممتدة على طول الحدود من شبعا شرقاً، إلى الناقورة غرباً، وقد خلت بعض القرى المواجهة التي تشهد توتراً دائماً من نحو 90% من سكانها الذين عادة كانوا يقيمون فيها في الشتاء.

على المستوى الميداني:

بالنسبة للوضع الميداني فالوضع صعب وخطير، وبدت المنطقة الحدودية، بحسب زائريها شبه فارغة، والقصف المعادي على مدار الساعة ومعه الطائرات المسيرة التي لا تغادر سماء المنطقة، ويطال القصف مختلف بلدات المنطقة الحدودية الممتدة على أكثر من 110 كيلومترات، بعمق يتراوح بين 5 و8 كيلومترات.

على المستوى العسكري:

يواصل الجيش والاجهزة الامنية بالتنسيق مع قوات الامم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان، القيام بمهامها الامنية على طول الحدود، على الرغم من تعرضها للاعتداءات الاسرائيلية، وهي تعمل على عمليات مساعدة السكان الصامدين الذين لم ينزحوا، بالاضافة الى حماية الممتلكات العامة والخاصة على انواعها، خصوصا املاك الذين غادروا المنطقة الحدودية نتيجة اشتداد المواجهات، كما تلعب القوى العسكرية والامنية دورا في عمليات الاغاثة ونقل الجرحى والمرضى الى المستشفيات، واخلاء الجثامين من اماكن المواجهات.

اما في الجهة المقابلة (فلسطين المحتلة)، فان العدو الاسرائيلي يحشد قوى عسكرية ضخمة برية وبحرية وجوية مزودة بكل انواع العتاد والسلاح، تضم بحسب المعلومات المتوافرة ثلث جيش العدو الاسرائيلي، وتتوزع الحشودات العسكرية على الشكل التالي:

1-القوات البرية: وتضم اكثر من ثمانين الف جندي وضابط، وهي تجمع عمليات بقيادة الفيلق الشمالي 479 والذي يضم:

- فرقة الجليل 91: وتتألف من لوائين احتياط، لوائين نظاميين، فوج مدفعية، كتيبة اشارة وكتيبة استخباراتية.

- فرقة الاحتياط 146: وتضم افواجا من سلاح المدفعية، ومزودة من "رعم ايتان" المحظور دوليا والتي تحتوي على 64 قنبلة تنفجر بشكل فوري ولها تأثير القنبلة العنقودية بقذائفها وشظاياها الناتجة عنها وتحدث تدميرا كبيرا.

- قيادة الفيلق الشمالي: وتضم تشكيلات من سلاحي الجو والبحر وشعبة الاستخبارات وقيادة المنطقة الشمالية.

2- القوات البحرية: وتضم سبع سفن وزوارق صاروخية من نوع "ساعر"، زوارق "سوبر ديفورا"، وحدة الكوموندوس البحري "شايطيت 13" وغواصات "دولفين".

3- القوات الجوية: وتضم 25 في المئة من القدرات الجوية الاسرائيلية، وتشمل أكثر من مئة طائرة مختلفة موزعة على الشكل التالي:

-سرب من الطائرات الحربية المقاتلة من طراز (F15) و(F35) وغيرها.

- اسراب متنوعة من الطائرات الاستخباراتية والاشارة والاستطلاع وتلك التي تستخدم في الحرب السيبرانية.

- انواع مختلفة من الطائرات المروحية من ضمنها طائرات من نوع "أباتشي".

4- القوات الصاروخية: نحو نصف القدرات الصاروخية موجهة باتجاه لبنان.

5- القوات اللوجستية: ثلث القدرات اللوجستية موجهة باتجاه لبنان.

مع الاشارة الى ان عشرات ألاف المستوطنين نزحوا من المستعمرات على طول الحدود مع لبنان واخلاء الاف آخرين، اذ اخلى العدو الاسرائيلي المستوطنات الشمالية وعددها 43 مستوطنة، وتضم حوالي 65 الف مستوطن حتى عمق 5 كلم من الحدود اللبنانية، وباتت تضم المستوطنات المخلاة قوات عسكرية اسرائيلية.

خطة الحكومة اللبنانية:

على الصعيد الرسمي اللبناني، وضع مجلس الوزراء خطة طوارئ وطنية تهدف إلى حماية اللبنانيين من تداعيات أي عدوان إسرائيلي واسع على البلاد وتأمين مستلزماتهم وإغاثتهم في حال حصول تهجير قسري واسع من ديارهم إلى أماكن أكثر أمانا في لبنان.

وركزت الخطة، التي أعدتها اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية، على تعزيز جهوزية القطاعات ذات الصلة لحالة طوارئ متعددة الجوانب، حيث تتبنى الخطة عدة افتراضات مبنية على مقارنة معيارية لما حدث في العدوان الإسرائيلي في تموز عام 2006.

وافترضت الخطة أن أي عدوان إسرائيلي واسع على لبنان سيؤدي إلى تهجير قسري لمليون لبناني لفترة تمتد على مدى 45 يوما، مما يوجد حاجة إلى مراكز إيواء جماعية تستوعب 20 % من النازحين أي 200 ألف شخص، وذلك فضلا عن الضغط على القطاع الصحي والحاجة إلى تأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين في مراكز الإيواء في ظل حصار بحري وجوي في حال حدوث العدوان.

وتضمنت الخطة وضع إطار تنسيقي مع منظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان لتطبيق الخطة والاستجابة إلى الحاجات الإغاثية عبر تنظيم 10 مجموعات عمل تعمل كل مجموعة على وضع حاجات وطرق عمل قطاعها، ويشرف على كل مجموعة قطاعية وزارة أساسية ووزارات مساندة بالمقابل تتمثل الأمم المتحدة بالوكالة الأساسية العاملة في القطاع.

وتنص الخطة على تخصيص المجموعات لقطاعات الأمن الغذائي والإيواء والمساعدات الأساسية والحماية والمياه والخدمات الصحية والتجهيزات اللوجستية والاستقرار الاجتماعي والتغذية والتربية.

وحددت الخطة ثلاث مستويات من الاستجابة الوطنية خلال الكوارث والأزمات، حيث نصت على تفعيل غرف العمليات على مستوى اتحادات البلديات والبلديات وذلك عند مستوى الإنذار الأول وهو المستوى الذي يحدث فيه العمليات العادية لإدارة الأزمات المحدودة من ناحية الآثار والنتائج والرقعة الجغرافية، وتتطلب تحريك الموارد المحلية أو لدى الأجهزة للاستجابة.

وفي المستوى الثاني من الإنذار، يتم تفعيل غرف عمليات المحافظات ويتم الاستنفار الجزئي لغرفة العمليات الوطنية وتستدعي تحريك الموارد المتوافرة على صعيد المناطق المتضررة للاستجابة.

وفي مستوى الإنذار الثالث، يتم تفعيل غرفة العمليات الوطنية بقرار من رئيس مجلس الوزراء، حيث يتم الاستنفار الكامل للغرفة وتتطلب تحريك كافة الموارد الوطنية المتاحة وطلب المساعدات الخارجية.

وحددت الخطة عدة إجراءات في كل قطاع من القطاعات التي تغطيها، من الصحة والخدمات الصحية والإيواء والأمن الغذائي والمياه والنظافة العامة والمساعدات الأساسية والحماية والاستقرار الإجتماعي والتنظيم اللوجستي وموارد الطاقة والمياه.

الى ذلك؛ فان العبء لغاية الان يقع على عاتق الادارات اللبنانية، وكل المؤسسات والجمعيات الدولية ابلغت الى من راجعها لمساعدة النازحين انها تستخدم ما هو لديها، وانه لا يمكنها استنفار كميات كبرى من الاعانات والمساعدات طالما الحكومة اللبنانية لم تعلن حال الطوارئ، اذ فقط في هذه الحالة يمكنها التحرك بشكل أفعل وأشمل.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة