الزحمة الديبلوماسية تجاه بيروت كأنها خلية طوارئ لـ... حال طوارئ | أخبار اليوم

الزحمة الديبلوماسية تجاه بيروت كأنها خلية طوارئ لـ... حال طوارئ

| الأربعاء 07 فبراير 2024

الراي- أن يزور بيروت في أقلّ من أسبوع، 4 وزراء خارجية بينهم 3 يمثّلون عواصم ثقلٍ في العالميْن الغربي والعربي، فهذا مؤشّرٌ إلى حجم المَخاطر التي تحوم فوق لبنان في ضوء وقوف حرب غزة أمام منعطفٍ، فإما هدنة مديدة تمنح فرصة لإكمال ترتيبات «ولادة قيصرية» لحلّ سياسي للصراع المزمن يتمحور حول «مبدأ الدولتين»، وإما الإمعان في «لغة النار» وما يمكن أن يعنيه ذلك من ارتفاع منسوب السيناريواتِ التفجيرية الأوسع التي قد «لا ينجو» منها الجنوب اللبناني بحال وجدتْ إسرائيل أن لا مفرّ من هروبٍ إلى الأمام - ولو على قاعدة «وبعدي الطوفان» - من مسارٍ يوصل إلى «الدولة الفلسطينية» ومن عدم القدرة على تحقيق أهداف حاسمة في ما خصّ القضاء على «حماس» بنيوياً أو سياسياً عبر إقصائها عن أي دورٍ في الحُكم في مرحلة ما بعد كتْم أصوات الصواريخ والمدافع.

فبعد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الذي زار بيروت الخميس الماضي، وتزامَنتْ محطتُه مع وجود نظيره المجري بيتر سيارتو في لبنان، كانت «بلاد الأرز» على موعدٍ أمس مع رئيس الديبلوماسية الفرنسية ستيفان سيجورنيه الذي «سلّم الدور» لوزير الخارجية المصري سامح شكري الذي يُجري اليوم محادثاتٍ مع المسؤولين اللبنانيين.

ولم يكن ممكناً، بحسب أوساط عليمة في بيروت، قراءة هذه المحطات المتلاحقة لمسؤولين أجانب وعرب، إلا على أنها أشبه بـ «سباقِ بدَل» بين وزراء خارجية باتوا بمثابة «خلية طوارئ» يتشاطرون اللغة تقريباً نفسها والمخاوف عيْنها على الوضع في لبنان وضرورة تفادي أي شراراتٍ «طائشة» قد تصدر من الجنوب من خارج القواعد المعمول بها حالياً، والأهمّ وجوب التعاطي بجدية مع التهديدات الإسرائيلية بأن إبعاد «حزب الله» عن الحدود بما يتيح عودة نحو 100 ألف مستوطن إلى منازلهم - وذلك بمعزل عن مآلات حرب غزة وهدنتها الشائكة - بات هدفاً للتحقيق على البارد أو... الساخن.

ولم تُبْدِ هذه الأوساط تفاؤلاً بأفقٍ لحلّ ديبلوماسي وشيك لجبهة الجنوب، لا بصيغة موقتة ولا حتى شاملة تحت عنوان تطبيق القرار 1701 بحذافيره، مستدلّة على ذلك من مؤشرات عدة أبرزها:

- الاقتناعُ بأن أيّ حلٍّ وسط مثل الذي يَعمل عليه كبيرُ مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الأمن والطاقة آموس هوكشتاين، لا يمكن تَصَوُّر حصوله قبل أقله وقف النار في غزة كمدخلٍ لا مفرّ منه لـ «بدء الحديث»، وذلك بمعزل عن النتائج، في الوقت الذي لا يُعلم بعد مصير الهدنة المديدة التي يُعمل عليها في القطاع في ضوء ترنُّح مسارها على طريقة خطوة الى الأمام خطوتان إلى الوراء.

وفي هذا الإطار كان بارزاً أن هوكشتاين لم يعرّج على بيروت بعد محادثاته في تل أبيب التي تناولت مقترحاً قديماً – جديداً لخطة ممرحلة تبدأ بتراجُع حزب الله بما بين 8 و10 كيلومترات عن الحدود وتعزيز انتشار الجيش اللبناني عليها وعودة المستوطنين الإسرائيليين والنازحين من قرى جنوب لبنان، على أن يُترك ملف التفاهم البري المتكامل الذي صار مرتكزاً لتنفيذ الـ 1701 ولجعْل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح، لِما بعد انتهاء حرب غزة.

- أن أي حلٍّ مرحليّ يُفْضي عملياً إلى تكريس الفصل بين جبهتيْ الجنوب وغزة، ولا سيما إذا كان يتضمّن تعزيز حضور الجيش اللبناني مع قوات «اليونيفيل» على الحدود، يَصعب التعاطي معه على أنه واقعيّ أو قابل للحياة، وخصوصاً أنه ولو حصلت هدنة طويلة فإن لا ضمانات بأن لا تُستأنف الحرب بعدها، وعندها يكون أقله الجيش اللبناني تحوّل بالحد الأدنى «كيس رمل»، ناهيك عن أن «حزب الله»، الذي يدير الأذن الصماء للموفدين رافعاً شعار «وقف حرب غزة أولاً»، لم يعطِ أي إشارة إلى أنه في وارد منْح إسرائيل «جوائز ترضية» أو أثماناً لتهديداتٍ يَعتبر أنها «باتت كليشيهات» منذ بدء الحرب، بمعنى أن يقرّ بـ «وهج سلاحها» الموضوع على الطاولة بوجه الحزب ولبنان ويعتبر ذلك مبرراً لتراجعاتٍ مجانية.

وقد أكد نائب «حزب الله» حسن فضل الله هذا المنحى بإعلانه «نقول للموفدين، لا كلام ولا نقاش حول أي أمر يتعلّق بالجبهة هنا قبل أن يتوقف العدوان على غزة. إن المجاهدين لم ولن ينسحبوا ولن يتراجعوا».

- إشارات لبنانية رسمية متزايدة إلى الوقوف وراء «حزب الله» في رفْضه ليس فقط الفصل بين جبهة الجنوب وغزة، بل بين أي ابتعاد له عن الحدود وإلزام إسرائيل بتطبيق «حصّتها» من القرار 1701.

تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا

وفي الإطار، كان بارزاً ما أعلنه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب (عبر صحيفة نداء الوطن) عن «أن مجمل المباحثات التي يقودها ممثلو الدول الغربية سواء في الأمم المتحدة أو خلال زيارتهم إلى لبنان تطالب بتراجع حزب الله نحو ثمانية إلى عشرة كيلومترات شمال الليطاني، وهذه صيغة يرفضها لبنان الذي لن يقبل بأنصاف الحلول التي لا تجلب السلام المنشود ولا تؤمن الاستقرار بل ستقود إلى تجدُّد الحرب مرة تلو الأخرى. ولذلك نصر على تطبيق شامل للقرار الدولي 1701 ونرى التوقيت مواتياً لذلك».

وأكد إصرار لبنان على تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

وقال «ما نسمعه من بعض وزراء خارجية دول الغرب أنّ إسرائيل ليست في وارد هذا الانسحاب، وكان جوابنا أنّ لبنان لن يقبل إلا بحل كامل لكل قضايا الحدود مع إسرائيل، وأنصاف الحلول لا تنفع ولن يقبل بها، ووقف الخروق الجوية والبرية والبحرية». وتطرق إلى نقطة إضافية يتحدث عنها القرار 1701 وتتعلق بانتشار نحو 15 ألف عنصر من الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية، لافتاً إلى أنه وحيث إن الجيش في وضعيته الحالية لا عديد ولا عتاد كافيين لديه فقد «طلب لبنان من الدول المعنية المساعدة على تطويع 7000 جندي إضافي، ونرجح أن تتولى فرنسا المبادرة إلى الدعوة لعقد اجتماع دولي لدعم الجيش اللبناني على غرار المؤتمر الذي سبق وعقد في ايطاليا عام 2007».

ولم يُخْفِ بوحبيب التهديدات المتعاقبة التي ينقلها الموفدون الدوليون لجهة نية إسرائيل شن حرب واسعة على لبنان، وقال «الحرب على لبنان لن تكون نزهة، ولـ«حزب الله»الخبرة في الميدان وقد سبق وخاض حرباً في مواجهة إسرائيل وهو مهيّأ لخوض حرب جديدة ضدها، وحينها سنكون أمام دمار شامل بالنظر لقدرة إسرائيل الهائلة على التدمير ولكنها لن تنجو منه أيضاً».

وانطلاقاً من هذه التعقيدات، تَعتبر الأوساط العليمة أن الحركة الديبلوماسية المكثّفة تجاه لبنان، قد لا تكون أكثر من محاولة إرساء أرضية على شاكلة «اتفاق إطار» يكون صالحاً كـ «بوليصة تأمين» لجبهة الجنوب بعد انتهاء حرب غزة، وإن مع نقل رسائل إسرائيلية - على طريقة «اشهد إني بلغت» - سمعها وزراء خارجية من تل ابيب بأنها لن تسلّم ببقاء العمليات جنوباً ربْطاً بالحرب المستمرّة الآن في غزة، أو تقبل بعدم الحصول على تَنازُل ولو وهمي، وفق توصيف الأوساط نفسها، يوحي بالاطمئان لمستوطنيها للعودة إلى الشمال، مثل الكلام عن إبعاد «أشباح» قوة النخبة التابعة لحزب الله عن الحدود أو سحْب سلاحه الثقيل «الخفي». علماً أن هذا السلاح لطالما كان منتظماً منذ 2006 تحت «العالم السفلي» وفق معادلةٍ أرسيت حينها بعد تفاهم غير مكتوب بين الحزب والقوى الشرعية اللبنانية على قاعدة أن «كل ما هو غير ظاهر غير موجود»، والتي يُعتقد كثيرون أنها قد تبقى الصيغة الأكثر واقعية حتى لمرحلة «اليوم التالي» لبنانياً بعد حرب غزة.

وفي انتظار انقشاع الرؤية حيال حرب غزة وأخواتها، تَمْضي الديبلوماسية الغربية في ما يشبه عملية «محاكاة» لكيفية احتواء الوضع في جنوب لبنان و«الربط» مع مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما كان محور محادثات وزير الخارجية الفرنسي الذي كان زار مصر والأردن وإسرائيل ورام الله قبل بيروت التي التقى فيها كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ونظيره اللبناني وقائد الجيش العماد جوزف عون.

تنفيذ الـ 1701 بحذافيره

وفيما نُقل أن سيجورنيه دعا المسؤولين اللبنانيين إلى التقاط فرصة أي هدنة في غزة وتنفيذ الـ 1701 بحذافيره من الطرفيْن الإسرائيلي واللبناني وانتشار الجيش على طول الحدود، أوردت صحيفة «النهار» أن وزيرَ الخارجية الفرنسي وصل ومعه رسائل تحضّ «على وقف إطلاق النار وعدم التصعيد والمطالبة بحل ديبلوماسي بين لبنان وإسرائيل وضبْط النفس والكف عن التصعيد، وإبلاغ قلقه البالغ إزاء الوضع على الحدود، وعرض التحركات التي تقوم بها باريس كي لا يزداد الوضع سوءاً».

وكانت «هيئة البث الإسرائيلية» أوردت أن سيجورنيه نقل رسالة مباشرة من الرئيس إيمانويل ماكرون بأن باريس سيكون لها دور مركزي في أي حل سياسي مستقبلي في لبنان، مشيرة إلى أنّ الاجتماع بين وزيري خارجية إسرائيل وفرنسا ساده التوتر بسبب ملفي لبنان والمحتجزين في غزة، وأن رئيس الديبلوماسية الفرنسية حذّر من أن بلاده ستُضطر للقيام بعمل عسكري في لبنان لإنقاذ نحو 20 ألف فرنسي يعيشون فيه إذا اندلعت حرب مع «حزب الله» وذلك بعدما سمع من الإسرائيليين أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل ديبلوماسي، فلن يكون أمام إسرائيل خيار سوى القيام بعمل عسكري في لبنان.

وفي حين ينتظر لبنان اليوم زيارة وزير الخارجية المصري التي تكتسب أهمية خاصة كون القاهرة هي إحدى القنوات الرئيسية في ما خص محاولات ترتيب مَخارج لحرب غزة كما أنها عضو في مجموعة الخمس حول لبنان (مع الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا وقطر) التي كانت انطلقتْ بخلفية إنهاء الأزمة الرئاسية في «بلاد الأرز»، فإن الميدانَ لم يهدأ جنوباً حيث انطبعتْ مواجهات أمس الى جانب الغارات التدميرية الإسرائيلية بعمليات نوعية لحزب الله استخدم فيها صواريخ «بركان» و«فلق 1» الموجّه.

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنديين أصيبا بجروح طفيفة نتيجة سقوط صاروخ في «مرغليوت» قرب الحدود مع لبنان.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار