سياسيّونا في واشنطن: لماذا يحتقروننا؟! | أخبار اليوم

سياسيّونا في واشنطن: لماذا يحتقروننا؟!

| الجمعة 15 مارس 2024

سياسيّونا في واشنطن: لماذا يحتقروننا؟!
اهتمّت واشنطن ببيروت مرتين وفي المرّتين كانت لهذه الاسباب 

جان عزيز - اساس ميديا
إلى أيّ دَرَك من الانحطاط تنوون السقوط بسياسيّيكم؟ هذا السؤال طرحه مسؤول أميركي على صديق له لبناني مقيم في واشنطن، بعد أيّام قليلة على زيارة وفد من السياسيين اللبنانيين الأصدقاء للعاصمة الأميركية. فيما كان المسؤولون الأميركيون يفاوضون أعداءهم الإيرانيين في مسقط. 

هو فصل جديد من فصول المهازل التي ينشرها سياسيّو بيروت، فوق ما يعادل صنوبر العواصم العالمية… وآخرها في واشنطن.

يروي أكثر من لبناني مقيم في واشنطن قصصاً ووقائع معيبة مهينة ومشينة، ينقلها لهم أصدقاء من داخل الإدارة الأميركية، عن مضمون استقبالاتهم للسياسيّين اللبنانيين.

أحدهم ينقل بالتفصيل المملّ، كيف أنّ موظّفاً أميركياً سأله قبل أسابيع، إذا ما كان قد سمع بقصّة حقيبة اليد الاستثنائية؟

ومفادها أنّ سياسيّاً لبنانيّاً، تكبّد عشرات الآلاف من الدولارات للذهاب إلى العاصمة الأميركية. بين ترتيبات سفر وإقامة ووفد مرافق ولوبي مدفوع هناك يهتمّ بتأمين المواعيد… كلّ ذلك ليرمي وسخه في واشنطن على شخصية لبنانية مطروح اسمها لرئاسة الجمهورية، وتربطه بها علاقة عداء.

قال الزائر اللبناني لمستقبله الأميركي: هل تعلم أنّه اشترى حقيبة يد لزوجته بـ200 ألف دولار؟

بعد يومين صارت “الخبريّة” طرفة الإدارة الأميركية. فور خروج المسؤول اللبناني النمّام بالحرام من مكتب موظّف، يتّصل من استقبله بزملائه مقهقهاً. فيسألونه متأكّدين: “واضح أنّه روى لك كذبة حقيبة اليد؟”. ويغرق المتواصلون بالضحك على لبنان وسياسيّيه.

ثرثرة فوق واشنطن

لبنانيّ آخر من الفئة الثرثارة نفسها، اجتهد وتوسّط ليُحدَّد له اجتماع سريع لدى مسؤول إحدى المنظّمات الأميركية الحكومية المعنيّة بالمساعدات والإغاثة. دقائق قليلة ثمينة استغلّها حضرته للذمّ بالجهة اللبنانية التي تتعاون تلك الوكالة معها، لتنفيذ مشاريعها في لبنان. ولتقديم نصيحته البريئة والمجّانية، بضرورة البحث عن شريك لبناني آخر….

الأنكى أنّ المسؤول الأميركي الذي سمع الشكوى والنصيحة من فاعل الخير أو نافخ السموم اللبنانية الخبيثة، اتّصل بالشريك اللبناني فور مغادرة ضيفه الثرثار. ونقل إليه حرفيّاً نميمة مواطنه بحقّه….

وكان ما كان بعدها، ممّا لا يصلح للنشر…

سياسيّ المليار دولار؟

سياسيّ ثالث. يقدّر الأميركيون أنّ ثروته تكفي لانتخاب 4 رؤساء أميركيين بمعدّل 250 مليون دولار لكلّ استحقاق رئاسي أميركي. ذهب إلى واشنطن ليُسديَ للإدارة الأميركية “الصديقة والحكيمة”، نصيحة بشكل معلومة: “فلان المرشّح المطروح على أنّه وسطيّ وخيار ثالث، هو بالفعل ورقة الحزب المخفيّة. وهذه هي الأدلّة والقرائن”… متبرّعاً بمعلومات مخبرٍ أمنيّ متدرّج، وبتفاصيل تُضجر سائق أجرة في بيروت. فكيف بمسؤول أميركي يكاد لا يعرف موقع لبنان على خارطة الكوكب؟!

هي نماذج قليلة من فيض ما يتندّر به مسؤولو واشنطن، من المنكوبين بالعلاقة مع اللبنانيين.

يقول أحدهم لصديق لبناني قديم: هل تعرف أنّ بشار الأسد لا يملك صديقاً واحداً في واشنطن؟ لكنّه يملك القدرة على فرض الاستماع لما يقوله.

أنتم على العكس. كلّ من يأتي من عندكم، صديق لواشنطن، ويملك في دفتر أرقام هاتفه، عشرات أسماء الأصدقاء الأميركيين. لكنّ أيّاً منهم لا يملك مقوّمات الاستماع إلى ما يقوله ولو دقيقة واحدة هذه الأيّام.

3 شخصيّات.. وكلامها في أميركا

يتابع الصديق، ودوماً نقلاً عن الأميركي: في استعادة سريعة لتاريخ ما يُسمّى علاقة بين إداراتنا وبلدكم، يمكن القول إنّ واشنطن استمعت لثلاث شخصيّات من بلدكم فقط. بالإضافة إلى اهتمامها ببلدكم مرّتين.

استمعت مرّة أولى إلى بشير الجميّل. بعد تجربة أولى من تجاهله وحتى الازدراء. لكنّه فرض عليها تبديل رأيها، بعدما جمع من عناصر القوّة ما جعل الاستماع إليه واجباً سياسياً أميركياً. ثمّ توّج قوّته بأن صارت إسرائيل عرّابته هناك.

ثمّ استمعت ثانية إلى رفيق الحريري. للمعادلة السببيّة نفسها: عناصر قوّته الهائلة المجمّعة ذاتيّاً. وهويّة عرّابه الكبير، أي السعوديّة.

الآن تستمع واشنطن إلى حسن نصرالله. لما له من عناصر قوّة، ولكون إيران عرّابته والمرشد.

علماً أنّ الاستماع في شتّى الحالات، بين الصديق أو الخصم، لا يعني الموافقة قطعاً. ولا يفرض التجاوب الحتميّ مع ما يُستمع إليه، لا سلباً ولا إيجاباً.

بين 1958 و2004

أمّا عن المرّتين اللتين اهتمّت واشنطن فيهما ببيروت، فهما في عامَي 1958 و2004. وفي المرّتين كانت المسألة، أو صُوّرت وكأنّها، جزء من الأولويّات الأميركية القومية الاستراتيجية:

– سنة 1958 كان مبدأ أيزنهاور سيّد الموقف، لمكافحة الخطر الشيوعي. وكان حلف بغداد خطّ دفاع رئيسياً ضمن هذا المبدأ. فجاء المارينز ونزلوا على شواطئ بيروت، ثمّ انسحبوا مع نهاية المهمّة العراقية، أو فشلها.

– والمرّة الثانية، بعد اجتياح بوش الابن لبغداد، ومع تصلّب الأسد الابن بمواجهته ورفضه الانصياع للمعسكر الأميركي. يومها خرج في واشنطن من ينظّر لحرب العراق، على أنّها امتداد لأحداث 11 أيلول. وبالتالي اعتبارها دفاعاً عن النفس، لا بل دفاعاً مشروعاً عن أمن مانهاتن المصدوم بالذات. وما دام الأسد في المعسكر المعارض، بات قلبُ الوضع اللبناني على رأسه جزءاً لا يتجزّأ من أمن أميركا الداخلي.

من مغامرة 1983 إلى ثورة 17 تشرين

كلّ الباقي كان عابراً. من مغامرة 1983 ومسرحيّة نيوجرسي، إلى تخرّصات أهل “الميتومانيا” اللبنانية عن تورّطٍ مزعوم لواشنطن في ثورة 17 تشرين. وهو الشعار الذي اخترعته منظومة الحكم البيروتي، لتبرير سحل ناسها وفقء عيون شبابها، للبقاء في السلطة.

مفارقات كثيرة يثيرها هذا العرض الأميركي.

منها أنّ أوّل مستمَع له هو مارونيّ. الثاني سنّيّ. الثالث اليوم هو شيعي.

بشكل متزامن مع أزمنة المذهبيّات السياسية المتقلّبة توالياً.

ثانية المفارقات أنّ العراق هو ما خلق فرصتَيْ الاهتمام الأميركي بلبنان، وإن بدوافع أميركية داخلية.

فيما العراق اليوم على صفيح ساخن، وعلى حدوده “أرضٌ” أميركية مهدّدة، بين التنف والقائم.

تبقى الخلاصة الثابتة، مجرّد سؤال: بعد زيارات سياسيّينا من جهة، وحسابات محيطنا والعالم من جهة أخرى، هل فهمنا لماذا لا يحترموننا؟

أو بلغة أدقّ، هل عرفنا الآن لماذا يحتقروننا؟

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار