زيارة إلى السعودية: إعادة ترميم العلاقات وتدشين مرحلة جديدة من التعاون

زيارة إلى السعودية: إعادة ترميم العلاقات وتدشين مرحلة جديدة من التعاون

image

 الحرص على استقرار لبنان وازدهاره ضمن محيطه العربي الطبيعي

 

داود رمال–"أخبار اليوم"

في لحظة سياسية استثنائة داخليا وخارجية، جاءت زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية لتشكل علامة فارقة في مسار العلاقات اللبنانية-السعودية، التي شهدت خلال السنوات الماضية توترات متزايدة بسبب مواقف بعض الفرقاء اللبنانيين، وتدخلهم في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة. هذه المواقف أدت إلى برود في التواصل الرسمي، وانعكست سلبا على العلاقات الدبلوماسية والسياسية، فضلا عن تأثيرها على الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والسياحية بين البلدين. غير أن هذه الزيارة حملت إشارات واضحة على توجه جديد يهدف إلى طيّ صفحة التباعد وإعادة الزخم إلى العلاقات الثنائية، حيث جاءت بمضمون مختلف، وشهدت تفاعلا لافتا على مختلف المستويات، ما عكس رغبة واضحة من الجانبين في إعادة ترميم العلاقة وإرساء أسس تعاون متين ومستدام.

منذ لحظة وصول الرئيس جوزاف عون إلى المملكة، برزت دلالات استثنائية تعكس عمق الاهتمام السعودي بهذه الزيارة، بدءا من الاستقبال الحار الذي خصّه به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث ظهرت العلاقة الودية بشكل لافت من خلال المعانقة الحارة بين الرجلين رغم أنهما لم يلتقيا سابقا. هذه اللحظة لم تكن مجرد تفصيل بروتوكولي، بل حملت رمزية عالية تُظهر حجم الترحيب السعودي بالرئيس عون، والرغبة في فتح صفحة جديدة تتجاوز التوترات الماضية. واستمر هذا المشهد الودي حتى لحظة مغادرة الرئيس عون، إذ حرص الأمير بن سلمان على مرافقته شخصيا إلى خارج القصر والوقوف لتوديعه حتى خروج السيارة الرئاسية، في خطوة تعكس اهتماما استثنائيا ورغبة صادقة في تعزيز العلاقات الثنائية.

على مستوى اللقاءات الرسمية، فقد حملت الزيارة بعدا غير مسبوق من حيث حجم الحضور الرسمي السعودي، حيث ضم الاجتماع الموسّع بين الرئيس عون وولي العهد الأمير محمد بن سلمان 12 مسؤولًا سعوديًا من كبار وزراء الدولة، يتقدمهم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والحرس الوطني، بالإضافة إلى مسؤول الأمن القومي، ما يعكس أهمية هذه الزيارة بالنسبة للقيادة السعودية، والحرص على مناقشة الملفات الثنائية من مختلف جوانبها. هذا اللقاء الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل تميّز بالجدية والعمق، حيث جرى استعراض شامل للعلاقات اللبنانية-السعودية، وتم التطرق إلى مختلف القضايا العالقة بطريقة عملية هدفها الوصول إلى حلول سريعة وفعالة تُعيد العلاقات إلى مسارها الطبيعي.

أبرز ما تم التوصل إليه خلال هذه المباحثات هو الاتفاق الواضح بين الرئيس عون والأمير بن سلمان على إعادة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بأسرع وقت ممكن، من خلال خطوات عملية تبدأ برفع الحظر المفروض على سفر السعوديين إلى لبنان، وتشجيع عودتهم إليه، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات السعودية في لبنان وتنشيط التبادل التجاري بين البلدين. وقد أبدى الجانب السعودي استعدادا كاملا لدعم لبنان في مختلف المجالات، على أن تكون العلاقة قائمة على أسس واضحة تحترم السيادة والمصالح المشتركة لكلا البلدين.

وفيما يتعلق بمتابعة تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها، تم الاتفاق على أن تُستكمل المناقشات خلال زيارة ثانية مرتقبة بعد شهر رمضان، يتم خلالها مراجعة كل الملفات التي تمت دراستها، ووضع الآليات التنفيذية لإنجازها. هذا النهج يعكس رغبة مشتركة في ضمان نجاح المسار الجديد للعلاقات، وعدم الاكتفاء بالوعود أو التصريحات، بل العمل على تحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على لبنان والسعودية على حد سواء.

بهذا الشكل، يمكن القول إن زيارة الرئيس جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية لم تكن زيارة عادية أو روتينية، بل كانت محطة مفصلية في تاريخ العلاقات اللبنانية-السعودية، حيث حملت رسائل سياسية واضحة، وعكست تحولا إيجابيا في مقاربة الرياض للوضع اللبناني. كما أنها أعادت رسم ملامح العلاقة بين البلدين على أسس جديدة، قائمة على الحوار والتعاون والتفاهم المتبادل. ومن الواضح أن ما تحقق في هذه الزيارة يمهّد لمرحلة جديدة من العلاقات بين بيروت والرياض، تستند إلى رؤية مستقبلية تُراعي المصالح المشتركة، وتعكس الحرص على استقرار لبنان وازدهاره ضمن محيطه العربي الطبيعي.