الإصلاح خطّة وليس انتقاءً
وصفة الفشل هي محاولة إرضاء الجميع
سعيد مالك - "نداء الوطن"
تشكّلت حكومة سلام بعنوانين، تنفيذ القرارات الدولية والإصلاح المالي والاقتصادي.
ففي العنوان الأوّل ما زالت الحكومة تراوح مكانها. فالإجراءات العملية لنزع سلاح "حزب الله" ما زالت غائبة ومؤجّلة. فالمجلس الأعلى للدفاع لم يلتئم بعد، لوضع الخطط العملانية لنزع السلاح غير الشرعي، وحصره بيد الدولة، كما تفرض القرارات الدولية وورقة الترتيبات التي وافق عليها مجلس الوزراء اللبناني في تشرين الثاني من عام 2024 كذلك اتّفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني. وما زاد في الأمر تعقيداً بروز نغمة جديدة عنوانها جنوب الليطاني وشماله. علماً، أنّ نزع السلاح يُفترض أن يشمل كامل تراب الوطن وأرجائه.
أمّا العنوان الثاني والمتعلّق بالإصلاحات المالية والاقتصادية، فلجأت الحكومة إلى الانتقائية والاستنسابية في المعالجة.
ففي الجلسة الحكومية التي عُقدت في الرابع من هذا الشهر، عرضت الحكومة طلب وزارة المالية الموافقة على مشروع قانون يتعلّق بإصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها. حيث كان يُفترض أن تعرضه في سياق خطة شاملة للتعافي، تُقدّمها الحكومة.
ومن الثابت، أنّ إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها، مرتبط بالأزمة المالية، حيث يقتضي أن يأتي في سياق مقاربة لمعالجة تحديد المسؤوليات وتقييم الأصول وإعادة التوازن المالي. بحيث لا يجوز طرحه في غياب مُقاربة كاملة تتضمّن معالجة وتقييم قيمة ودائع وأصول المصارف لدى مصرف لبنان. وقيمة اليوروبوندز، والتعاطي مع المودعين، لتحديد موازنة المصارف وتحديد مصيرها.
واستطراداً، وإذا ارتأت الحكومة مُعالجة هذا المشروع واعتباره "قانون إطار" لمعالجة أوضاع المصارف المتعثّرة، وغير مرتبط بالأزمة الحالية، وجبت مناقشته من خلال لجنة وزارية، وإدخال تعديلات جوهرية عليه.
صحيح أن الحكومة مُلزمة بإقرار سلّة من مشاريع القوانين الإصلاحية المطلوبة من المجتمع الدولي. وصحيح أنّها تُسابق الوقت قبل انعقاد اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن في الثلث الثالث من هذا الشهر. لكنّ الأصحّ أن لا تستعجل خطواتها بطريقةٍ غير مدروسة وغير مُنسّقة، حتى لا تقع في المحظور لاحقاً.
والسؤال المطروح، هل المجلس النيابي سيوافق ويُقرّ هذه المشاريع عندما تُعرض عليه؟
كلّ ذلك لنؤكّد، أنّ الحكومة مدعوّة وفي الشّق الأول إلى اتّخاذ الإجراءات الجازمة لحصر السلاح بيد الدولة، وعدم انتظار المُتغيّرات الإقليمية، لأنّ العدوّ الإسرائيلي مُتربّص بنا، لإعادة الانقضاض على ما تبّقى. فلا يُفترض بنا منحه التبرير، وهو بالأساس ليس بانتظار أيّ حجّة.
أمّا وفي الشّق الثاني والمتعلّق بالإصلاحات المالية والاقتصادية، فإن الحكومة مدعوّة لوضع خطة شاملة للتعافي، ومن ضمنها إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها. فالاجتزاء في المعالجة لن يجلب لنا إلّا الويلات والخراب.
أملنا في هذه الحكومة كبير، ورهاننا عليها في محلّه، لكن التاريخ لن يرحم في حال أخفقت في المعالجة والتقدير.
مع الإشارة، إلى أنّ الإصلاحات المنتظرة من هذه الحكومة غير محصورة فقط بالملفّات الاقتصادية والمالية، إنّما تتعدّاها إلى ملفّات أُخرى وفي طليعتها الإصلاح القضائي، الذي يجب أن توليه الحكومة كلّ اهتمام. فالعيون شاخصة إلى مشروع قانون استقلالية القضاء، والتشكيلات القضائية المُنتظرة في الربيع القادم، وإلى تحقيقات المرفأ التي طال انتظارها، وغيرها من العناوين والملفّات.
ويجب الّا ننسى، الاستحقاق البلدي في أيّار المُقبل، والانتخابات النيابية في الربيع التالي. وأملنا كما أمل كافة اللبنانيين أن تجرى في مواعيدها، كما جاء في خطاب القَسَم والبيان الوزاري.
في الخُلاصة، أمام الحكومة استحقاقات هائلة، أوّلها استعادة الدولة. فمُداراة الكافة لن تُجدي، كما مُراعاة الخواطر. كما قال "هيربرت بايارد سووب" (صحافي أميركي):
" لا يُمكنني أن أعطيك وصفةً للنجاح، لكنّني أعرف وصفة الفشل وهي محاولة إرضاء الجميع".