عون من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: المسؤول بحاجة إلى من يقول له "لا"

عون من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: المسؤول بحاجة إلى من يقول له "لا"

image

عون من  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: المسؤول بحاجة إلى من يقول له "لا"
لا مبنية على العلم والنزاهة والسعي للمصلحة العامة، لا كيدية ولا أنانية

أكّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، خلال زيارته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، على أهمية الدور التشاركي بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ومراكز الفكر والخبرة، داعياً إلى اعتماد نهج الإصغاء البنّاء والعودة إلى جوهر العمل السياسي القائم على خدمة الإنسان لا السلطة.

واستشهد الرئيس عون بمقولة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، حول المراحل الثلاث التي يمر بها الزعماء السياسيون: من مرحلة الإصغاء في بداياتهم، إلى مرحلة الثقة المفرطة حين يظنون أنهم باتوا يعرفون كل شيء، وصولاً إلى المرحلة الثالثة وهي النضج السياسي، والتي وصفها بالأكثر أهمية، لكنها الأقل شيوعاً بين القادة.
وقال الرئيس: "جئتكم اليوم طالباً خدمة... أن تساعدوني وتساعدوا كل مسؤول في لبنان على الانتقال فوراً إلى المرحلة الثالثة... مرحلة النضج السياسي، حيث نصغي للآخرين وندرك أن التجربة لا تختصر كل المعرفة."
وأضاف: "المسؤول الحكيم بحاجة إلى من يقول له "لا"... لا مبنية على العلم والنزاهة والسعي للمصلحة العامة، لا كيدية ولا أنانية." مشيراً إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يجسّد هذا الدور، بتنوّعه وعمقه المعرفي وتمثيله الواسع لأطراف الإنتاج الوطني.
وشدد عون على أن السياسة، في رؤيته، هي "نشاط إنساني هدفه خير الإنسان، لا خير الحاكم أو حزبه." مشيراً إلى انتمائه للمدرسة التي تضع الإنسان محوراً للعمل العام.
وختم قائلاً: "أنا أحتاج إليكم... إلى رأيكم وخبرتكم... وسأكون معكم، أحمي حقكم وأحتمي برأيكم، لنصنع معاً وطناً يليق بأهله... لبنان الإنسان."

وقال عون في كلمته: يمرُّ" الزعماء السياسيون عادةً، في ثلاث مراحل...

في مرحلةٍ أولى، حين يصلون إلى السلطة، يكونون منفتحين على الإستماع إلى

الآخرين...

"إذ يعرفون أنهم لا يعرفون... فيحاولون أن يفهموا كيف يؤدون دورهم الجديد...

"بعد فترة، يقتنعون بأنهم راكموا ما يكفي من تجربة وأنهم باتوا يعرفون ما يكفي،

ليتخيّلوا بأنهم فهموا كل شيء...

" وهذه هي المرحلة الأكثر خطورة ... مرحلة "الثقة المفرطة"... حين لا يعودون

يستمعون إلى أحد...

"فقط بعض الزعماء يبلغون المرحلة الأخيرة ... مرحلة النضج السياسي...

"حيث نكتشف أن تجربتنا لا تشكل إطلاقاً الخُلاصة الكاملة للمعرفة السياسية...

"فنعودُ إلى الإنصات للآخرين...

"لكن غالبية الزعماء، لا يبلغون هذه المرحلة أبداً"...

من كتاب: "عن القيادة دروس للقرن الواحد والعشرين" لرئيس وزراء بريطانيا

السابق طوني بلير...

واضاف: جئتُ إليكم اليوم، طالباً منكم خدمة ... ألا وهي

مساعدتي، ومساعدة كل مسؤول في لبنان، على الانتقال فوراً إلى المرحلة الثالثة...

جئتُ إليكم اليوم، لأكشف لكم سراً مكشوفاً، تعرفونه مثلي وأكثر...

إن المسؤول، يحتاجُ ربما إلى مقوماتٍ كثيرة. وغالباً إلى أشخاص كُثر..

لكنه يحتاجُ أولاً إلى من يقول له ... "لا"...

ولو بصيغةٍ مهذبةٍ مخفّفة ... من نوع: "نعم ... ولكن"...

شرط ألا تكونَ "لا" كيدية أو ثارية أو أنانية. أو عدمية...

ولا تكون حتماً، "لا"، من نوع قوم حتى إقعد محلّك"...

المسؤولُ الحكيم يحتاجُ كل لحظة، إلى "لا" مبنيّة على العلم. وعلى البحث. وعلى

الخُبراتِ المتراكمة. وعلى النزاهة الفكرية ... وخصوصاً خصوصاً، على هاجس

السعي إلى المصلحة العامة...

والمفهوم المؤسّس لمجلسكم، هو أن تكونوا كذلك...

فهنا، وفقط هنا، يلتقي العمالُ مع أرباب العمل ... مع كل أطرافِ الإنتاج الوطني..

مع كل محرّكي الاقتصاد الواسع ... مع تمثيل شامل لكل يدٍ تتعبُ وتكِدَّ، لتنتج في

أرضِنا وبلدنا ...

ففي الشأن العام، ثمة مدرستان...

مدرسة تعتقد بأن السياسة هي نشاطٌ سُلطوي... محورُه الحاكم ... وهدفه خيرُ

الحاكم... أو في أوسع الآفاق، خيرُ حزب الحاكم، أو خيرُ "الحزب الحاكم"...

وهناك مدرسة ثانية، تؤمنُ بأنّ السياسة هي نشاط إنساني... محوره الإنسان...

وهدفه خيرُ الإنسان ... كل إنسان ... أولاً وأخيراً...

وأنا حضرات السيدات والسادة من المؤمنين بالمدرسة الثانية...

منذ وُلدت ونشأتُ في عائلتين، يشمخُ تواضعهما، بالشرف والتضحية والوفاء....

وحتى نلتُ شرف أن أكونَ الخادم الأول لأهلي وشعبي...

فأنا إبن هذه الأرض. الطالع من جذورها وترابها وعرق الجباه الكادحة... بلا عِقد

من أي نوع، ولا ادعاءاتٍ من أي صنف.. .

لذلك، أنا أحتاجُ إليكم ... كما إلى كل لبناني حر...

أحتاجُ إلى رأيكم. إلى مشورتكم. إلى خُبراتكم وعلمكم وتخطيطكم ودراساتكم...

وهذا ما حققه مجلسكم الكريم، برئاسة الأستاذ شارل عربيد وكل الأعضاء ...

حين بات قانونكم المعدّل، والذي أقره المجلس النيابي مشكوراً، يُلزمُ الحكومة

باستشارتكم، في كلِ شأن اقتصادي واجتماعي أو بيئي...

ويفتح للمؤسسات الدستورية الأخرى، الحق باستشارتكم أيضا...

فلا تتنازلوا عن هذا الحق ... ولا تتساهلوا في أدائه...

وأنا هنا اليوم، لأتعهد لكم بأن أكون معكم ...

أحمي واجبَكم وحقكم ... وأحتمي برأيكم وفكركم...

لنحقق جميعاً خير أهلنا وشعبنا ... خير الإنسان، في وطن الإنسان لبنان ...

عشتم وعاش لبنان".

 من جهةٍ أخرى ألقى رئيس  رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي شارل عربيد كلمة جاء فيها:

فخامة رئيس الجمهوريّة، العماد جوزاف عون،

الحضور الكريم،

أهلًا بكم في رحاب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

هذه المساحة غير التقليديّة من مساحات نشاط الدولة والمجتمع، في طبيعتها ومضامينها ودورها، والتي تجعلها زيارتكم أكثر فرادةً، إذ تقدَّر مساهمتُها، وتُوسع آفاقَها في الحضور الفاعلِ المستند إلى الإيمان بلبنان، وبمشروع الدولة الذي أطلقتُموه وعدًا كبيرًا في خطاب القسم، وتحملونَهُ عملًا يوميًّا بحضوركم الفعلي بيننا في هذا اليوم، وبرعايتِكم عملَ المؤسّسات في كل يوم.

فخامةَ الرئيس، أنتم رأس الدولة، وطاقتكم الإيجابية ضخت زخما استثنائيا في شرايين المؤسسات.

ونحن، في هذه المؤسّسة، أكثر الفاعلين تناغما مع هذه الإيجابية، والمتفائلين بها، وهي التي لطالما شكلت مزاجَنا العام، ومحرّك الأحداث في هذه المساحة العامّة.

وبحضورِكم، نجد الدولة كلها قد حضرت تحت قُبة واحدة، يتفاعل فيها صدى ضجيج الناس والمجتمع، مع نقاشات أطراف الإنتاج، وأفكار المبدعين المتطلّعين إلى البعيد، ورُؤى سيدات ورجال الدولةِ الوطنيّين، الذين تسكنُهم الهواجس، وتُحفزهم الآمال.

إنَّ الدور الأعلى لهذا المجلس، هو أنه مناخ قبل أن يكون مكانا، وأنّه حاضنة قبل أن يكون مصنع حلول.

ومن أجمل تأثيرات هذا المناخ، أنه يحول الهم الوطني إلى إجراءات قابلة للقياس، وقادرة على إيجاد الحلول، وأهم من ذلك، أنها حلول تتجاوز في قيمتها ومتانتها الأوراق الأكاديميّة الجافة، أو المزايدات الشعبويّة الفارغة، لأنّها تُبنى على نَبضَةِ الشارع وفكرة المتخصصِ، وخبرة المعني، ومصلحة الوطن.

وهكذا، ننظر إلى زيارتكم هذه بتقدير وحماسة، وإلى عهدكم بأمل خالص، في أن تصغيَ الدولةُ إلى نفسِها، وإلى قواها الحيّة، التي يحتضن المجلس ممثليها، كأكثر مؤسّسةٍ وطنيةٍ تشاركيّة، يعكس صوتها أصداء أصوات الناس.

وفي ظلال العهد الجديد، ينطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أيضًا، في ضوء قانون جديد، أُدخلت على بنيتِهِ تعديلاتٌ كانت ضروريّة مع التغيّرات الكثيرة التي طرأت منذ تأسيسِه.

ومن أهم مضامين القانون الجديد، أن طلبَ رأيِ المجلس لم يعُد محصورًا، بل توسع ليشمل إمكانيّة إرسال رئاسة الجمهورية ومجلس النواب طلبات رأيٍ إلى المجلس في الموضوعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة، وفي كل ما يُؤثر على الاقتصاد والمجتمع والناس.

وهو ما يجعل من المجلس برلمانا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا، إذا ما توفرت له الرعاية الحيوية، التي بِتُّمْ تُمثلونها اليوم، يا فخامةَ الرئيس.

وهذا الدور الذي نتطلّع لاكتماله، في ظل رئاسةٍ راعية، يترجم بدقة ما دار في بال المشرع حين رسم حدود وجود المجلس عند صدور قانون تأسيِسه الأوّل.

واليوم، بعد ربع قرن، نجدكم، وبسرعةٍ لافتة، قد أمسكتم ناصية عمل المؤسسات، بفهمٍ عميق لروح القانون ومراد الشعب الذي باسمه صدر.

ونحنُ، من جانبنا، تملؤُنا الرغبة بأن نكون إلى جانبكم، في حدود دورنا الميثاقي والتمثيلي والمستقل، متسلحين برعايتِكم، وبزخم الإيجابيّةِ المستجد في حياتِنا العامّة، وبكلامٍ مسؤول قبل كل شيء، محفِّزٍ للحلول، وناقلٍ للآراء، وحاضنٍ لتفاعلِها، ومنتِجٍ لكل ما يُحقق تطلّعات اللبنانيّين.

وفي ضوء هذا المسار الدقيق، الذي تتجاوزه البلاد معكم اليوم، تبقى كلمة واحدة تعبر عن رؤيتنا للغد، وهي: الثقة.

نحن نثق تمامًا بأن لبنان قادر، ونحن قادرون، بما نملك كلبنانيّين، وفي مؤسّساتِنا، وفي هذا المجلس تحديدًا، وبالتشاركيّة التي يرعاها مع قوى المجتمع وأطراف الإنتاج والمجتمع المدني المُنظَّم، ما يخولنا أن ننهض بلبنان بأحسن مما فعلنا.

ونرى أن الجميعَ معنيّون اليوم بالتفكير والاقتراح، وتوفير الجهد الوفي من أجل قيامة الدولة، ونحن، من ناحيتِنا، جاهزون لنُشبع هذه الآراء والدراسات والأفكار درسا، لإنضاجها كمنتج وطني يسرع مسار التعافي.

وإن كل ما ينقصنا يقع في متناول قدرتنا، وفي مدى جهدنا،

ولا نُبالغ إذا قلنا: إن زيارتكم اليوم، تمد في هذه القدرة، وتعزز هذا الجهد، وتوسع أبواب الأمل.

فأهلًا بكم رئيسًا استثنائيًّا، بدورٍ استثنائي، لوطنٍ فريدٍ يعبر من الصعوبة إلى وجهه المستَحق.