من "أقصى الضغوط" إلى اتفاقٍ مُرجّح... هل يُبرم ترامب "صفقة القرن" مع إيران؟

العرب والعالم

من "أقصى الضغوط" إلى اتفاقٍ مُرجّح... هل يُبرم ترامب "صفقة القرن" مع إيران؟

image

من "أقصى الضغوط" إلى اتفاقٍ مُرجّح... هل يُبرم ترامب "صفقة القرن" مع إيران؟
لا خلافات حتى الآن في ما طُرح بين المبعوثين بل حصل تقدّم ملموس



نادر عزالدين - "النهار"



عودٌ على بدء، وتحديداً إلى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 8 أيار/مايو 2018 بتوقيت شرق الولايات المتحدة، حين أعلن الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.

استغرق ترامب عاماً ونصف العام من التفكير عقب انتخابه رئيساً في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، قبل أن يطيح بالاتفاق الناتج عن مفاوضات شاقة خاضتها إدارة سلفه الديمقراطي باراك أوباما والدول الخمس الكبرى مع إيران، والتي كانت قد استمرّت مدّة زمنية مطابقة لتلك التي احتاجها الوافد إلى البيت الأبيض للتراجع، وسط امتعاض أصاب باقي الأطراف الموقّعة على الاتفاق.

في ذلك اليوم، قال ترامب إنّ هذا الاتفاق "كارثي"، وإنّ أميركا "لا تستطيع تنفيذه أو العمل به"، وكان "يجب ألا يحدث"، متوعّداً طهران بفرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية لإجبارها على اتفاق جديد بشروط صارمة.
تدحرجت الكرة بعدها. عادت العقوبات أقسى من السابق: النفط، المصارف، الشركات، الحرس الثوري، الكلّ رزح تحت الضغط. لكن ما أمله ترامب من انهيار يُخضع إيران لم يحصل، بل ردّت الأخيرة منذ عام 2019 برفع نسبة تخصيب اليورانيوم تدريجياً.

انتهت ولاية ترامب وبدأ عهد خلفه جو بايدن، الذي حاول مع الغرب عام 2022 احتواء طموحات إيران النووية عبر جولات تفاوض في فيينا، بدا أنها تتجه نحو إحياء الاتفاق، إلا أنها مُنيت بفشل ذريع لأسباب عدّة، في مقدّمها ما وصفه الجانبان بـ"انعدام الثقة المتبادل"، ومطالبة واشنطن بإدخال البرنامج الصاروخي للجمهورية الإسلامية ونفوذها الإقليمي في المحادثات، الأمر الذي قوبل برفض إيراني مطلق.

إلى "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب مدمّرة أضعفت التنظيمات المدعومة من إيران في غزة ولبنان واليمن، وحيّدت تلك الموجودة في العراق، وصولاً إلى سقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، الحليف العربي الأبرز لطهران. كلّها تطوّرات دراماتيكية سبقت عودة ترامب إلى كرسي الحكم مرّة أخرى.

عاد ترامب إذاً في زمن ضعف المحور المدعوم من طهران، التي وصلت في رحلة تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء قريبة من النسبة التي تخوّلها صناعة قنبلة نووية، لا بل أكثر. لم تطل فترة تفكير الرئيس الأشقر لاتخاذ القرار هذه المرة، فهو لم ينتظر حتى انتهاء فترة الـ100 يوم الأولى من ولايته الثانية. وفي بث مباشر، ظهر فيه إلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الطامح إلى تحرّك حاسم ضد إيران، زفّ ترامب إلى العالم خبر انطلاق المحادثات.

خالف التوقّعات هذه المرّة، كما خالفها سابقاً، واتخذ قراراً بخوض مغامرة كانت حتى تلك اللحظة لا تحظى بأي مقوّمات نجاح: مفاوضات مع إيران للتوصّل إلى "صفقة القرن" عوضاً عن توجيه ضربة عسكرية لبرنامجها النووي. لكنه لم يستبعد هذا الاحتمال بشكل مطلق، بل أبقاه مرتبطاً بفشل خياره الأول.

منذ هذا الإعلان، اجتمع الجانبان ثلاث مرات، إحداها كان اجتماعاً "تقنياً"، وفي كلّ مرة كانت التصريحات تدلّ على مسار "إيجابي" للمفاوضات. حتى إنّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي يقود فريق بلاده، صافح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مباشرة عقب انتهاء الجولة الأولى في سلطنة عمان، وهو أمر لم يتكرّر في الاجتماع الثاني، أقلّه بشكل علني، لكن في جميع الأحوال كانت التصريحات الصادرة عن كلا الجانبين تتحدث عن تقدّم بنّاء. وعقب الجولة الثالثة، قال ترامب إنّ "المفاوضات تسير بشكل جيد وهناك إمكانية لإبرام اتفاق مع طهران بشكل قاطع".

حتى إنّ إسرائيل باتت مقتنعة بإمكانية نجاح المفاوضات التي تُؤرّقها. كبار الوزراء والمسؤولين في تل أبيب تبلّغوا رسمياً من المؤسسة الأمنية بأنّ "فرص الاتفاق باتت مرتفعة"، وهو ما يتناقض مع التقييمات السابقة التي كانت تشير إلى صعوبة ذلك، وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية. وفي تسريب آخر، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر إسرائيلية قولها إنّ ترامب "سيمدّد الفترة الزمنية للمفاوضات النووية مع إيران، لكن ليس طويلاً".

إيران بدورها تبدي ارتياحاً حيال التقدّم الذي أحرزته جولات التفاوض. وإن كانت بعض تصريحات مسؤوليها العلنية لا تخلو من "الحذر"، إلا أنّ مصدراً دبلوماسياً إيرانياً يؤكّد لـ"النهار" أنّه "متفائل جداً بنجاح المحادثات".

يقول المصدر إنّ "لا خلافات حتى الآن في ما طُرح بين المبعوثين، بل حصل تقدّم ملموس... وربما هذا ما دفع نتنياهو إلى الخروج بتصريحات متوتّرة عقب جولة السبت الماضي"، كرّر فيها دعوته إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل، قائلاً إنّ "الاتفاق السيئ، أسوأ من عدم وجود اتفاق".
ويستبعد المصدر قيام إسرائيل بأي "عمل عسكري متهوّر" للإطاحة بطاولة التفاوض، ووفق رؤيته فإنّ "نتنياهو يئس من ترامب ومحاولة جرّه إلى حرب مع إيران، الأمر الذي يتعارض مع استراتيجية الخروج من المستنقعات التي يريدها الأميركيون"، متحدّثاً عن "سياسة حكيمة" انتهجتها طهران لإقفال الطريق أمام مخططات إسرائيل هذه. أما تهديدات ترامب عالية النبرة فهي "لزوم المفاوضات لا أكثر".

الرئيس الجمهوري "لن ينال مكاسب في أي اتفاق أكبر من تلك التي تضمّنها الاتفاق الأول عام 2015"، بحسب المصدر الذي يعتبر أنّه "بجميع الأحوال سيُعلن ترامب أنه حقّق إنجازاً، فهو أكثر من يجيد اللعب على الكلمات والمناورة. هذه طبيعته، وسيتحدث عن الاتفاق كورقة رابحة، حتى لو أعطيناه أقلّ مما وقّعنا عليه مع أوباما".

ويستبعد المصدر ذاته حصول اجتماع ثنائي بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وترامب، خلال زيارة الأخير إلى الرياض منتصف أيار/مايو الجاري، إلا إذا حصل "تطوّر كبير" في المفاوضات. لكنه يستدرك: "يمكن أن يجلسا على طاولة تضمّ رؤساء آخرين إذا صودف وجودهما في المكان نفسه. لن تكون هذه مشكلة".

وفي حين لا يمكن توقّع الفترة التي ستستغرقها المفاوضات، التي تسير بوتيرة سريعة جداً لم يتوقّعها حتى مريدوها، يؤكد مصدر إيراني آخر لـ"النهار" أنّها "لن تستمرّ طويلاً"، ما يشي بأنّ هناك ما سبق إعلان ترامب الشهير الذي أربك حليفه "بيبي"، وربما مفاوضات غير معلنة عبر رسائل متبادلة مهّدت الطريق أمام ما نشهده اليوم.