مَن يدفع سوريا نحو الفوضى؟

العرب والعالم

مَن يدفع سوريا نحو الفوضى؟

image

مَن يدفع سوريا نحو الفوضى؟
بعض من يديرون مرافق أساسية في مؤسسات الدولة لا يشبهون سوريا على الإطلاق

ناصر زيدان - المدن 

المجموعات والأفراد او المرجعيات التي عارضت نهج الرئيس أحمد الشرع، او الطريقة التي أدار فيها المرحلة الانتقالية منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول(ديسمبر) 2024، تتحمل جزء من المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، لأن المرحلة كانت تقتضي أن يتعامل هؤلاء بواقعية للخروج من المحرقة التي وضِعت فيها البلاد على مدى 14 عام، وقبل ذلك من خلال حكم استبدادي تحكَّم بمؤسسات الدولة على مدى 54 عاماً، ووصل بهم الأمر الى حد إلصاق اسمهم باسم سوريا، ولم يترددوا في تبني الشعار المقيت "سوريا الأسد" بينما سوريا بالواقع أغنى بلاد الأرض بالحضارة وحماية التنوُّع، ودمشق عاصمة الأمويين الذين أغنوا البشرية بالعلوم الطبية والهندسية والإدارية والأدبية طيلة حقبة طويلة من الزمن.

لكن المسؤولية الكبرى تقع على الذين تولّوا الحكم، وهؤلاء لم ينجحوا في اقناع مكونات سورية مختلفة بصوابية خياراتهم، لاسيما في موضوع الأمن، وكل الأعمال التي حصلت حتى اليوم، بما في ذلك تأليف الحكومة وإعادة تشكيل قطاعات الجيش وقوى الأمن؛ لم تُحقِّق المرتجى، والدليل الفلتان الذي حصل في بعض المناطق، كأحداث الساحل الأليمة في النصف الأول من شهر آذار/مارس الماضي، ودفع ثمنها الأبرياء أكثر من المُجرمين الذين كانوا يتآمرون على الاستقرار، كذلك أحداث نهاية شهر نيسان/أبريل في جرمانا وأشرفية صحنايا، التي أثارت الموحدين الدروز من دوافعها الغامضة، وتوقيتها الغريب، وكيفية انتقالها من مكان الى آخر، ولا يكفي التبرير بسبب أخطاء قام بها بعض المندسين، أو الذين شوهوا بتآمر ودسّ رخيص صورة الرسول الكريم (ص)، وبعض السلطة الجديدة كأنها لم تدرك مدى تأثير خوف الأقليات على مصيرها، وهذا التأثير للمجموعات القليلة العدد، هدد استقرار امبراطوريات في ماضي سوريا، وسبَّب هزيمة للإستعمار.

بعض الأفراد من الذين يديرون مرافق أساسية في مؤسسات الدولة، لا يشبهون سوريا على الإطلاق، ويبدو أنهم يجهلون قيماً وأعرافاً راقية للشعب السوري، والحكم البائد لم يتجرأ على الولوج الى مساحة التحريض الطائفي الذي وصل اليها متطرفو اليوم، وبيان مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أسامة الرفاعي أمس، كان مُعبراً جداً، وفيه توصيفات مهمة لما جرى، لأنه استنكر كل أعمال ردود الفعل الغرائزية، ودعا الى التكاتف والوحدة ونبذ الفتنة التي تؤدي الى تفكُّك النسيج المجتمعي وتسبِّب إراقة الدماء.

لا يحتاج إثبات وجود مُخطط لتفتيت سوريا، مزيداً من العناء، فيكفي الإشارة الى تصريح رأس حربة التطرف الإسرائيلي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أمام وسائل الاعلام كافة، وهو قال "ان الحرب ستنتهي عندما تتفكَّك سوريا وعندما يخرج سكان غزة الى دول مجاورة"، وفي ذلك إشارة الى النوايا العدوانية الإسرائيلية، وهي ترغب في اقامات كيانات محيطة بها، تتقاتل بين بعضها البعض، وتلهي المقاومين للاحتلال عن النضال.
وحكومة العدوان الإسرائيلية تستغل الأخطاء التي يرتكبها بعض مَن في الإدارة السورية الجديد، كما تستفيد من بعض المتعاونيّن معها لأسباب نفعية - وأكثريتهم ممن كانوا على علاقة وطيدة مع النظام البائد - لتنفيذ مخططاتها الجُهنمية. وإسرائيل ليست حريصة على الموحدين الدروز كما تدَّعي، بل تريدهم وقوداً للنار التي تشعلها في المنطقة برمتها، علماً أن المسلمين الدروز لم يختلفوا مع الأمة السنية طيلة ألف سنة من التعايُش، رغم الإضطهاد والتكفير الذي تعرضوا له في محطات كثيرة من التاريخ. والأمر ذاته ينطبق على محاولة إسرائيل استغلال أحداث الساحل التي حصلت مع المسلمين العلويين ودفعهم للمطالبة بالاستقلال، وكذلك بالنسبة للأكراد في الشمال الشرقي، وهؤلاء لاقوا احتضان كبير من العرب السوريين بعد اضطهادهم في مناطقهم الأصلية في تركيا خلال القرن التاسع عشر.

تتوضَّح معالم مخطط تفتيت سوريا يوماً بعد يوم، وبعض الاجراءات غير المدروسة كفايةً ساهمت في بلورته، وكان يمكن لمؤتمر الحوار الوطني أن يتظهَّر بشكل أفضل، وكذلك الإعلان الدستوري الذي تخشى من بعض مواده مكونات هامة من الشعب السوري، خصوصاً لأنه حصر كامل السلطة التنفيذية بالرئيس، ولم يتحدث عن اللامركزية الادارية المنشودة، بسبب غياب أي تنمية في مناطق سورية عديدة منذ سنوات، لا سيما في السويداء ودرعا.
الاضطرابات الشنيعة التي حصلت في بعض المناطق التي تسكنها أغلبية من الدروز، لم تكُن في صالح الحكم الجديد على الاطلاق، وهي وفَّرت فرصة ذهبية للمصطادين في المياه العكرِة، وللذين لا يكنون أي ودّ للنظام الجديد، وهم يستفيدون من الفوضى ويدفعون اليها. صحيح أن أخطاء مجموعات من العلويين والدروز والأكراد، راكمت المخاوف لدى الإدارة الجديد، ولكن هذه الإدارة ساعدت في تطوير حالة الخوف وتغييب القانون، وساعدت في زيادة منسوب التفلُُّت، ولم تُقدِّم الحماية المُرضية لكافة المكونات الشعبية كما كان مُنتظراً، وتركت لدى المُنحرفين من تجار المخدرات او من ذوي الأهواء الإنفصالية فرصاً، استفادوا منها.
خوف "الأقليات" السورية من الاستبداد ومن التشدُّد، إضافة لطموحات إسرائيل العدوانية، والحصار الدولي الذي ما زال قائماً على سوريا، إضافةً الى الإخفاقات الإدارية؛ يدفعون سوريا نحو الفوضى، والفوضى قد تؤدي الى التفتيت والإنقسام.


مقالات عن

سوريا الدروز