الزراعة على حافة الانهيار... وسياسات الدولة تضيّع فرصة الإنقاذ

الزراعة على حافة الانهيار... وسياسات الدولة تضيّع فرصة الإنقاذ

image

الزراعة على حافة الانهيار... وسياسات الدولة تضيّع فرصة الإنقاذ
ارتفعت كلفة الإنتاج بشكل كبير وأصبحت اسعار المواد المستوردة باهظة وبالدولار

ربى أبو فاضل - "الديار"

تعد الزراعة من أقدم وأهم القطاعات الاقتصادية في لبنان، إذ شكلت لسنوات طويلة مصدر رزق أساسيا لعدد كبير من السكان، وبخاصة في المناطق الريفية، غير أن هذا القطاع الحيوي كغيره من القطاعات في لبنان لم يسلم من تداعيات الحروب والأزمات المتلاحقة التي عصفت بالبلاد، بدءا من الحرب المشؤومة عام 1975 مرورا بالعدوان الإسرائيلي المتكرر، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، فمنذ عام 2019، دخل لبنان في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، وقد انعكست هذه الأزمة بشكل حاد ومباشر على القطاع الزراعي، الذي كان يعاني أصلا من مشكلات هيكلية قبل الانهيار.
فمع الانهيار المالي وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية والأزمة المصرفية التي أغلقت الأبواب أمام المزارعين لتمويل مشاريعهم أو الحصول على قروض زراعية وتراجع دعم الدولة للقطاع، ارتفعت كلفة الإنتاج الزراعي بشكل كبير وأصبحت المدخلات الزراعية المستوردة مثل البذور، الأسمدة، المبيدات، والآليات تباع بأسعار باهظة بالدولار، في حين أن المزارعين يتقاضون أثمان منتجاتهم بالليرة أو بأسعار لا تواكب التضخم، إضافة إلى أزمة المحروقات التي رافقت الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل كبير على تشغيل مضخات المياه للري، وعلى نقل المنتجات من الحقول إلى الأسواق. وبات كثير من المزارعين يعانون من صعوبات في الوصول إلى الأسواق المحلية والخارجية، نتيجة تعطّل البنى التحتية، وتقلص الطلب المحلي بسبب تراجع القدرة الشرائية للسكان مما أدى إلى انخفاض هامش الربح أو حتى تسجيل خسائر.


أما على صعيد التصدير الزراعي، فقد واجه القطاع أزمة حادة بسبب تدهور العلاقات مع بعض دول الخليج التي كانت تستقبل نسبة كبيرة من المنتجات اللبنانية، بالإضافة إلى القيود التي فرضتها دول عديدة على استيراد المنتجات بسبب ضعف الرقابة والجودة، وبحسب إبراهيم ترشيشي رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، خسر لبنان في العام 2021 بعد قرار منع الاستيراد، ما يقارب من 55 ألف طن من الإنتاج الزراعي، مما كبد الاقتصاد اللبناني خسائر تناهز 50 مليون دولار.

يذكر أنه في العام 2021 أعلنت المملكة العربية السعودية والبحرين توقف استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، وتشكل صادرات الخضار والفواكه الى دول الخليج نحو 55.4 % من إجمالي صادرات لبنان الزراعية، التي يصل إجمالي حجمها إلى نحو 315 الف طن، وتستورد السعودية ما نسبته 16% بما قيمته 24 مليون دولار، فيما تستورد الكويت 59 الف طن بقيمة 21 مليون دولار، والإمارات 31 الف طن تقدر بنحو 14 مليون دولار، البحرين 2.3 الف طن بقيمة تصل إلى 7 ملايين دولار.

هذا وزار الرئيس جوزاف عون المملكة العربية السعودية في آذار الماضي خاتما الزيارة ببيان مشترك تضمن اتفاق الجانبين على البدء بدراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية.


من جهة أخرى أدت الحروب التي تتالت على لبنان إلى ضعف القطاع الزراعي، بدءاً من الحرب المشؤومة عام 1975 مرورا بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان والتي كان أخر فصولها الحرب الممنهجة التي لا تزال مستمرة إلى اليوم رغم اتفاق وقف إطلاق النار، وفي هذا السياق أكد وزير الزراعة نزار هاني "أن الأضرار الزراعية تقدر بحوالى 120 مليون دولار، ولم يتم بعد تحديد خسائر القطاع بالكامل" مضيفاً "الدراسات التي أُجريت على الأحراج المتضررة من العدوان الإسرائيلي، ولا سيما جراء استخدام الفوسفور الأبيض، أظهرت أن الطبيعة بدأت باستعادة توازنها تدريجيا، فكمية الفوسفور في التربة ليست كبيرة،لكن القلق الأكبر هو وجود المعادن الثقيلة في بعض المناطق"، مشيرا إلى أن "معظم الغابات تحتاج لبضع سنوات للتعافي، في حين سيتم استبدال الأشجار التي تضررت بشكل دائم"، أما بخصوص بساتين الزيتون، فأوضح الوزير أنها "لم تتأثر بشكل كبير، والعمل جارٍ لإعادة غرس الأشجار التي تم جرفها، مع تأمين الأغراس المناسبة والدعم الفني للمزارعين، وذلك في إطار خطة الوزارة لإعادة تشجير الأراضي المتضررة بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين".


يشار إلى أن تهديدا وصل إلى المزارعين في منطقة المجيدية وسهلها بمحلقة اسرائيلية مجهزة بمذياع تطلب منع استخدام الدراجات النارية.

واستناداً إلى أرقام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن 70 % من القطاع الزراعي في لبنان تأثر بشكل مباشر وغير مباشر، وآلاف الهكتارات قضي عليها بشكل كامل أو شبه كاملٍ، وإن 65 ألف شجرة زيتون أحرقت نتيجة القصف بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً، والقصف بالقنابل العنقودية التي ستدفع حتماً الحكومة ووزارة الزراعة إلى العمل طويلاً لتنظيف هذه الحقول الشاسعة، إذ بمجرد أن تكون هناك قنابل عنقودية يعني عدم إمكان وصول المزارعين إلى هذه الحقول، لأنها ستكون مهدِدة لحياتهم.

يشار إلى أن لبنان يمتلك أعلى نسبة من الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط، حيث إنها تغطي حوالى 65% من الأراضي اللبنانية أي ما يعادل 6800 كم تقريبا.


رغم ما يملكه لبنان من مقومات طبيعية وزراعية واعدة، فإن القطاع الزراعي يواجه في الوقت الراهن سلسلة من التحديات التي تعيق تطوره واستدامته، وتحد من قدرته على الصمود في وجه الأزمات، فمع ارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي بات المزارع اللبناني بجد صعوبة في تحمل نفقات الزراعة في ظل غياب الدعم الحكومي عبر الإرشاد الزراعي أو الدعم المادي أو التنظيم التسويقي حيث يواجه المزارعون صعوبات في تصريف إنتاجهم محليا وخارجيا، أضف إلى ذلك الهجرة الريفية وتراجع اليد العاملة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وضعف البنية التحتية الزراعية التي تعاني من إهمال كبير، دون أن نغفل عن التغير المناخي وشح الموارد المائية، ما يعرقل تطور القطاع ويحد من كفاءته الإنتاجية في ظل غياب استراتيجية زراعية واضحة لدى الدولة لتعالج جذور المشكلة مما يجعل من الزراعة في لبنان قطاعا هشا ومهددا.
 
 
الجدير بالذكر أن لبنان يشهد جفافا حادا هو الأسوأ منذ أكثر من 65 عاماً حيث بلغ معدل المتساقطات المطرية، وِفقا لمصلحة الأرصاد الجوية، انخفاضا بنسبة 50 % عن المعدلات الطبيعية، وتستهلك الزراعة ما بين 65 و70 % من المياه المتاحة ، بحسب أستاذ الموارد المائية وهندسة الري في الجامعة اللبنانية داود رعد.

تشكل الزراعة في لبنان ثالث أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد بعد قطاع الخدمات والصناعة حيث يساهم هذا القطاع بقرابة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويؤمن دخلا لحوالى 15% من السكان، لكن رغم الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل، فإن تعامل الدولة اللبنانية مع هذا القطاع بقي على مدى عقود، متذبذبا وغير مستقر، فالحكومات المتعاقبة لم تنجح في وضع سياسة زراعية واضحة المعالم تواكب التغيرات المناخية والاقتصادية، والدولة اللبنانية لا تخصص لوزارة الزراعة إلى نسبة ضئيلة من موازنتها السنوية ما ينعكس مباشرة على قدرتها على تقديم الدعم الفني أو المادي للمزارعين.

مصدر في وزارة الزراعة أكد إلى أنه "رغم التحديات الكبيرة التي تعترض طريق الزراعة في لبنان، فإن الأمل قائم بإعادة النهوض بهذا القطاع عبر سياسات حكومية فعالة، وتعاون بين الدولة والمزارعين والمجتمع المدني، فتطوير الزراعة لا يحسن الاقتصاد فحسب، بل يعزز صمود المجتمع اللبناني في وجه الأزمات" مشيرا إلى أن وزارة الزراعة تتحضر لمؤتمر "الزراعة نبض الأرض"في الحادي والعشرين من الشهر الجاري للنهوض بالقطاع الزراعي كركيزة حيوية للاقتصاد الوطني، آملا "أن يكون هذا المؤتمر محطة أساسية في رسم السياسات الزراعية المستقبلية للبنان وإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع".


يشار إلى أن الشهر الماضي تم غرس عشرات أشجار الزيتون في محيط مغارة قانا الخليل، خلال اليوم التطوعي في بلدة قانا الجنوبية الذي أطلقته وزارة الزراعة تأكيداً على أهمية الزراعة كركيزة للتنمية والاستدامة في الجنوب.

يمر القطاع الزراعي في لبنان بمرحلة حرجة، إذ تتقاطع فيه آثار الحروب الطويلة، والإهمال المتراكم، والانهيار الاقتصادي، مع تحديات بيئية وديموغرافية متزايدة لكن هذا القطاع لايزال يملك مقومات نهوض حقيقية، بفضل التنوع الجغرافي والمناخي، والمهارات المحلية، والإرث الزراعي الغني، وإعادة إحيائه تتطلب رؤية استراتيجية متكاملة وإرادة سياسية واقتصادية جادة عبر خطة زراعية متكاملة لدعم الإنتاج المحلي وتخفيض كلفة الزراعة، تشارك فيها الدولة، الجامعات، التعاونيات، والمزارعون، وتحدد المحاصيل الاستراتيجية التي يحتاج اليها السوق المحلي وفتح أسواق التصدير، وتنسق الإنتاج جغرافيا وموسميا لتفادي فائض الإنتاج أو النقص، وتشجيع الزراعة المستدامة والبديلة إضافة إلى تطوير البنية التحتية الزراعية وإنشاء صناديق تأمين ودعم المزارعين وتفعيل التعاونيات الزراعية وتشجيع المزارعين على الانضمام إليها.

يشار إلى أن الوزير هاني دعا المزارعين في جبل لبنان إلى التسجيل في السجل الزراعي، موضحا أن هذا السجل يسهل العمل الزراعي في لبنان ويساهم في تنظيم العمل مستقبلاً، مما يتيح تحديد الأمور بدقة للجهات الداعمة "فالسجل الزراعي يعد قاعدة بيانات هامة لتنظيم القطاع الزراعي".

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع، فإنه لا يزال يحتفظ بمكانته ضمن ركائز الاقتصاد اللبناني، ويشهد حاليا محاولات للتحديث والاستدامة.إذا لا يمكن إنقاذ الاقتصاد اللبناني من دون إعادة الاعتبار إلى الزراعة التي تعد من أهم القطاعات الإنتاجية في لبنان.