مفاوضات مسقط: النّوويّ في العلن والمنطقة في الكواليس

العرب والعالم

مفاوضات مسقط: النّوويّ في العلن والمنطقة في الكواليس

image

مفاوضات مسقط: النّوويّ في العلن والمنطقة في الكواليس
الإيجابية المتزايدة لا تعني أنّ إدارة ترامب قد وضعت المسألة النووية الإيرانية أولويّة وحيدة 

حسن فحص - اساس ميديا
عندما اتّخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بالتفاوض مع إيران، ولم ينتظر كثيراً لترجمته بالرسالة التي وجّهها إلى المرشد الأعلى للنظام، لم يخرج عن الإطار العامّ الذي رسمه لسياسات واشنطن المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط خاصة، وغرب آسيا عامّة، والتي تقوم على السعي والعمل من أجل إنهاء الحروب والتوتّرات وعودة الاستقرار والأمن من جهة، والهدوء في الأسواق العالمية من جهة أخرى.

الإيجابية المتزايدة التي يعبّر عنها طرفا التفاوض الأميركي والإيراني جرّاء الجولات الثلاث التي عقداها لا تعني أنّ إدارة دونالد ترامب قد وضعت المسألة النووية الإيرانية أولويّة وحيدة على جدول أعمالها وأهدافها في الإقليم، الذي ما يزال يشهد الكثير من بؤر التوتّر والاستعداد العالي للعودة إلى الحرب والانفجار المفتوح على جميع الاحتمالات البسيطة والمركّبة.

لا تعني أيضاً بالنسبة للجانب الإيراني أنّه قادر على الفصل بين أزمته النووية والملفّات الأخرى، خاصة تلك المتعلّقة بدوره ونفوذه الإقليمي الذي تمدّد وسيبقى تحت ظلّ البرنامج الصاروخي وتوسّع على أجنحة طائراته المسيّرة مشحوناً أو مرتدياً لباساً عقائديّاً وأيديولوجيّاً لتصليب الكتلة البشرية الموالية أو الحاملة لمشروعه ورؤيته في مناطق نفوذه.

القبول الإيراني بالتفاوض، أو بتعبير آخر، التراجع الذي حصل في الموقف من التفاوض في هذه اللحظة التاريخية والمفصليّة من تاريخ الخلاف والاختلاف مع الولايات المتّحدة الأميركية، يكشف حجم القناعة لدى دوائر القرار والقيادة في النظام الإيراني بأنّ طبقات الدرع الذي كان يحمي البرنامج النووي ويشكّل حماية له، قد أصيبت بأضرار جسيمة.

سقوط الدّرع الإيرانيّ

الاستراتيجية الإيرانية لحماية البرنامج النووي، وإبعاد كأس التنازلات في أيّ مفاوضات محتملة أو ممكنة، كانت مرتبطة ورهينة هذه الطبقات من الحماية أو الدرع الذي عملت على بنائه على مدى العقود الماضية. وهي طبقات دفاع تبدأ من وظيفة التمدّد والنفوذ الإقليمي الذي أقامته من خلال الأذرع والحلفاء على مساحة الشرق الأوسط، ليلعب دور الرادع أمام أيّ استهداف أو حرب قد تُشنّ عليها، أو تستهدف عمقها القومي في أيّ حرب مفتوحة. وهي وظيفة تهدف إلى تعظيم أو رفع أثمان أيّ حرب على خصومها.

إلّا أنّ الضربات الاستراتيجيّة التي تعرّضت لها هذه الأذرع في السنتين الأخيرتين منذ اندلاع مواجهات “طوفان الأقصى”، ثمّ الحرب على “الحزب” في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أسهمت في إخراج هذه الأذرع من معادلة الردع، ونقلتها في كلّ الساحات التي تعمل فيها وتنشط في بيئاتها من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع عن النفس والبقاء والاستمرار ومحاولة التعايش مع الظروف المستجدّة وتداعيات ما لحق بها من أضرار.

إذا ما أدّت هذه الضربات والخسائر إلى إسقاط رهانات طهران على المستوى الأوّل والمتقدّم من دفاعاتها، فإنّ البرنامج الصاروخي والطائرات المسيّرة لن يكونا قادرين على لعب دور رادع أو حائل دون استهدافها أو استهداف برنامجها النووي. ذلك لأنّ أيّ ضربة عسكرية لهذه المنشآت أو غيرها لن يردعها وجود هذه الصواريخ والمسيّرات، التي إذا ما سلمت من الاستهداف، فلن يتجاوز دورها ومهمّاتها أكثر من التعبير عن ردّة الفعل الضيّقة التي قد لا تتطوّر إلى جرّ الأمور لمواجهة كبيرة. وفي حال كانت ردّة الفعل واسعة ومؤلمة فإنّها قد تنقل المنطقة إلى مستويات أكثر خطورة، لن تكون نهايتها ومآلاتها في مصلحة إيران.

طهران لا ترغب بالمواجهة

هذه الحقائق الميدانية، وعلى الرغم من التمسّك الإيراني بسرديّة الاستعداد للردّ المدمّر والساحق على أيّ اعتداء قد تقوم به حكومة تل أبيب ضدّ منشآتها النووية أو العسكرية، فإنّ خلفيّة هذا الموقف والإيجابية التي تخرج من أروقة المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن وكواليسها، تحمل على الاعتقاد بأنّ قيادة طهران لا ترغب في الوصول إلى هذه النقطة من المواجهة، وأنّها لن تسمح بالتفريط أو التشويش على مسار التفاوض وعرقلته أو نسفه وتخريبه، سواء من قبل الأطراف الداخلية أو الأطراف الإقليمية والدولية.

الرهان على فرصة التفاوض، والجهود التي تبذلها طهران لتحصين هذه المفاوضات أمام مطالب أعدائها وخصومها، وحتّى أمام طموحات حلفائها الدوليين، والسعي لتحييد أيّ آثار سلبية قد تنال من هذا المسار، تفترض مستوى مختلفاً من التعاون مع المفاوض الأميركي، الذي لم يأتِ إلى طاولة التفاوض مدفوعاً فقط بالخوف من امتلاك إيران أسلحة نووية، لأنّ القيادة الإيرانية تدرك جيّداً أنّ الانتقال إلى هذا المستوى العسكري يعني حتميّة الضربة العسكرية.

من غير الصعب التكهّن بسهولة توصّل فريقَي التفاوض إلى نتائج سريعة في شأن الأنشطة النوويّة وحتى رفع العقوبات، انطلاقاً من القاعدة التي كرّسها اتّفاق عام 2015 مع بعض التعديلات البسيطة التي تلبّي حاجة واشنطن إلى تسجيل إنجاز متقدّم. وهو ما توحي به المؤشّرات الإيجابية في جلسات الحوار، ويجعل من السهل على الجانب الأميركي السكوت عن الملفّات الأخرى المعلنة المتعلّقة بالبرنامج الصاروخي مع ضمانات بأن لا يخرج عن طابعه الردعيّ وألّا يتحوّل إلى هجوميّ. 

استقرار الشّرق الأوسط وأمن إسرائيل

في المقابل، وأمام هذه الإيجابية الأميركية في الموضوع النووي، يبقى السؤال عمّا يشكّل الهاجس الأساس لهذه الإدارة وكلّ الإدارات السابقة واللاحقة، المتعلّق باستقرار الشرق الأوسط وأمن قاعدتها المتقدّمة في إسرائيل، وما تشكّله مناطق نفوذ أذرع وحلفاء إيران من تهديد لمصالحها الاستراتيجيّة في هذه المنطقة من العالم.

من هنا، فإنّ مروحة الحراك الدبلوماسي واتّساع دائرة الاتّصالات التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي مع دول الإقليم والعواصم الدولية المعنيّة بهذه المنطقة، والحراك الأميركي، لا تقتصر على طمأنة هذه العواصم إلى مسار التفاوض النووي، بل وضعهم في تفاصيل خفايا التفاوض الذي يدور خلف الكواليس حول المسائل والمعادلات السياسية والتفاهمات التي تجري بين المتفاوضين، والتي قد تكون هي العنوان الحقيقي لهذه المفاوضات لا البرنامج النووي.

المؤشّرات التي بدأت تخرج من أكثر من اتّجاه، سواء في موضوع التسوية في قطاع غزّة، الذي ينعكس حتماً على جبهة اليمن والبحر الأحمر، والانضباط الذي يلتزمه “الحزب” في التعاون مع رئاسة الجمهورية اللبنانية، تحمل على الاعتقاد بأنّ الطرفين يعملان على نسج تفاهمات في هذه الملفّات من المفترض أن تنعكس على الساحتين السورية والعراقية أيضاً، وأن تدفع جميع الأطراف المعنيّة إلى نوع من الارتياح، والتفكير في آليّات جديدة لاستيعاب إيران في الإقليم كعنصر مساعد لا مخرّب، مع ما في ذلك من فرص اقتصادية واعدة للجميع.